محمد عثمان: عندما جعله التنافس والمرض كبير ملحني مصر في عصره!

شعار كتاب الأغاني الثاني

كان محمد عثمان كبير ملحني مصر في القرن التاسع عشر بلا منازع ، ولكنه لم يكن ليتبوأ هذا الموقع ، لولا المرض الذي ألمَّ به ، والتنافس الذي عاشه ، مع كبير مطربي مصر في القرن التاسع عشر ، ورائد تلحين القصيدة الغنائية : عبده الحمولي!

محمد عثمان

لنتعرف أولاً على محمد عثمان من خلال أحد أهم وأشهر ألحانه : موشح ملا الكاسات ، ونتابعه هنا بصوت الأستاذ محمد خيري ، الذي يؤديه بعد أن يقدم قصيدة أسقنيها بأبي وأنت وأمي ، التي عرفناها بصوت أسمهان ، وألحان محمد القصبجي ، ولكنه هنا يقدمها مرتجلاً في رؤية كلاسيكية أصيلة.

ولد محمد عثمان  في القاهرة ، عام 1855 . ظهر عليه الميل للغناء مبكراً ، وكان شجي الصوت قوي النبرة جيد الأداء ، فضمه والده إلى فرقة الأستاذ ” المنسي الكبير ” ، والد الأستاذ قسطندي منسي. تعلم أيضاً على الشلشموني ، و الشيخ محمد عبد الرحيم الشهير بالمسلوب ، كما اشتغل بفرقة علي الرشيدي الكبير مدة طويلة ، ثم شكل فرقته الخاصة.

سافر إلى تركيا ، واطلع على فنونها ، بتشجيع من الخديوي اسماعيل ، الذي كان يرعى الفنون في مصر ، ولما أصابه مرض فقد فيه حلاوة صوته ، فقد اهتم بالتلحين ، رغم متابعته للغناء ، و وضع عدداً كبيراً من الألحان على قالبي الموشح والدور ، في سعي لتطوير هذين القالبين التلحينيين الأساسيين في الموسيقى العربية.

عاصر المغني الكبير عبده الحامولي ، وكان بينهما تفاعل وتنافس ، يؤججه اختلاف الأسلوب ، ففيما اعتمد محمد عثمان على التفكير الموسيقي ، وعلى الاجتهاد في صياغة ألحانه ، لتأتي مسبوكة متكاملة وفق الأصول الموسيقية ، فقد اعتمد عبده الحمولي في أدائه وألحانه على الارتجال ، وعلى قدرات صوته في تطوير تلك الألحان ، سواء كانت له ، أو لغيره.

كان عبده الحمولي ،  يأخذ أدوار محمد عثمان وموشحاته الجديدة ، ويؤديها بإضافات وارتجالات ، فيستعيدها الأخير ، ويعيد النظر في اللحن والقالب ، ثم يؤدي اللحن الناتج بنفسه. أدى هذا الشكل من أشكال التنافس والتفاعل بين الإثنين ، إلى تمكين محمد عثمان ، المعتمد على الفكر الموسيقي والصنعة والإتقان ، من تطوير قالب الموشح ، و من  تثبيت الصيغة النهائية لقالب الدور ، الذي تميز بعنصرين جديدين : ” الآهات ” و ” الهنك ” ، أضافهما محمد عثمان إلى قالب الدور ، مستنداً إلى إرهاصات لهما ، جاءت في أداء عبد الحمولي لموشح ” وجهك مشرق ” لمحمد عثمان ، فقام باعتمادهما في قالب الدور ،  لتوفير المزيد من الذرى اللحنية ، من جهة ، ولمعالجة واقعه الصحي ، من جهة أخرى ، عبر إعطاء المذهبجية دوراً أوضح في أدائهما ، إذ بني عنصر ” الآهات ” في قالب الدور ، على توظيف الآهات لإبراز ذرى لحنية ، يتناوب المطرب والمذهبجية على أدائها ، وكذلك بني عنصر ” الهنك ”  على قيام المذهبجية بترداد عبارات لحنية ، فيما ينفرد المطرب ، في الوقت ذاته ، في ارتجالات ذوقية تطريبية ، يستعرض فيها قدراته الصوتية ، وإتقانه لمسالك المقامات الموسيقية وتلاوينها .

يغلب الظن أن محمد عثمان  ،  وقد أصابه مرض أصبح يمنعه من تنفيذ ارتجالات طويلة ، لجأ إلى تقنين هذا الأسلوب ، في ضبط تناوب أوضح بين المطرب والمذهبجية ، في عنصري ” الآهات ، و ” الهنك ” ، لتخفيف الجهد المطلوب من المطرب ، في تقديم ارتجالات طويلة ،  حيث أصبحت الارتجالات قصيرة الجملة اللحنية ، متلاحقة ، يعينها التناوب مع المذهبجية في ” الآهات ” ، أو استمرارهم في تكرار عبارات لحنية ، في خلفية الأداء ، أثناء قيام المطرب بارتجالاته.

من أهم وأشهر الأدوار التي لحنها  محمد عثمان : دور ” يا منت واحشني ” ، و أتى نصه بالعامية طبعاً ، كما كل الأدوار ، ولكنه كان من نظم أمير الشعراء أحمد شوقي.


من أهم الأدوار التي لحنها أيضاً دور ” أصل الغرام نظرة ” الشهير ، ودور ” قد ما حبك زعلان منك ” ،  الذي شهد لأول مرة ، بذور التعبير في اللحن عن المعاني ، سواء من حيث اختيار المقام الموسيقي الملائم للنص ، أو في صياغة تضاريس الجمل اللحنية للتعبير عن المفردات ، وأبرز تلك البذور أسلوبُ الفنانة ” أنغام ” في أدائه ، ودور ” عشنا وشفنا ” ، الذي كان من أوائل الألحان التي كانت تحمل إشارات سياسية ، إذ عظَّم النص ثورة عرابي باشا و ناصب الإنجليز العداء ، ودور ” كادني الهوى ” الذي أداه أمير الكمان سامي الشوا عزفاً في تجربة فريدة.


والذي أدته أيضاً فرقة الموسيقى العربية بقيادة عبد الحليم نويرة.


أما في مجال تطوير قالب الموشح ، فقد اشتهر لمحمد عثمان عدة موشحات ، تضمنت أيضاً ، وفي استلهام لأسلوب عبده الحمولي في أداء موشح ” وجهك مشرق ” ، عنصرين شبيهين  بعنصري ” الآهات ” : الذي اعتُمد في إدائه في الموشح على كلمة ” أمان ” ، و ” الهنك ” : الذي نُفذ تقريباً ، بنفس الأسلوب الذي ورد في قالب الدور ، و من تلك الموشحات : موشح ” أتاني زماني بما أرتضي :


توفي محمد عثمان في 19 كانون الأول / ديسمبر عام 1900 ، وهو شاب لم يتجاوز الخامسة والأربعين من العمر.

د. سعد الله آغا القلعة

أغنيات لحنها محمد عثمان

    مقالات تناولت أغنيات لحنها محمد عثمان أو تعلقت بألحانه

    حلقات تلفزيونية تناولت فن محمد عثمان

      Tagged , , , , , . Bookmark the permalink.

      Comments are closed.