حياة وفن أسمهان – الفصل الخامس – 6 : إمتى ح تعرف والقصبجي والرهان الخاسر

شعار كتاب الأغاني الثاني

الفصل السابق : حياة وفن أسمهان – الفصل الخامس – 5

أسمهان 2الكتاب المسموع : حياة وفن أسمهان
الفصل الخامس – القسم السادس

إمتى ح تعرف والقصبجي والرهان الخاسر


التسجيل الصوتي للاستماع المتزامن مع قراءة النص :


أستطيع، وأنا أصل إلى هذه النقطة في دراسة حياة أسمهان ، أن أؤكّد أنها كانت تتفوّق على نفسها في التعبير عندما تتصل المعاني التي تُغنّيها بعواطفها وبحياتها الواقعية.

إذاً إذا كان هذا صحيحاً، فمن المفروض أنها عندما لا تتّصل المعاني بحياتها، أداؤها سيكون محايداً. وفعلاً هذا هو الواقع، وسأسوق لكم الآن دليلاً على ما أقول في أغنية إمتى حتعرف إمتى التي تؤديها أسمهان في تعبير محايد، وفي الوقت ذاته لا جديد فيها موسيقيّاً، لـ القصبجي .

لكي نفهم الأسباب، لنعُد إلى رواية الفيلم. في الفيلم، أسمهان التي قُتِل زوجها في الفيلم، تشكّ في صديق له بأنّه القاتل، وهنا تظن أنها إن أقنعته بأنّها تحبّه فسيبوح لها بسرّه، ولهذا تُغنّي “إمتى حتعرف إمتى إنّي بحبّك إنتَ”. وهذه المعاني لا تتوافق أبداً مع عواطفها الحقيقية، فيأتي أداؤها محايداً.

لنتابع إمتى حتعرف إمتى ، ولنتأكّد من ذلك، مع أن اللحن جميل في الواقع.

 (قطع إلى أغنية إمتى حتعرف إمتى لـ أسمهان )

إمتى حتعرف إمتى إنّي بحبّك إنتَ

بناجي طيفك وأتمنى أشوفك

لا يوم عطفت عليّ ولا انت سائل فيّ

ولإيمتى حَتحيّر بالي وتزوّد همّي

يللي غرامك في خيالي وفـ روحي ودمي

إمتى حتعرف إمتى إنّي بحبّك إنتَ

 إذا كان تعبير أسمهان محايداً في هذه الأغنية، لأن المعاني لا تتّصل بحياتها العاطفية، فلماذا أتى اللحن لا جديد فيه عند القصبجي ؟

أم كلثوم وابراهيم حمودة في مشهد من أوبرا عايدة

 في الواقع، إن توضيح هذا صعب نسبياً، ولكنّني سأحاول. في نهاية الثلاثينات قدّم القصبجي مع أسمهان مونولوج يا طيور الذي كرّسها في قمّة التجديد في الغناء العربي، ولكن ما حصل أنها عندما عادت في مهمّتها التاريخية إلى سورية، وغابت لأكثر من سنتين، فكّرت أم كلثوم ، وكانت قد اضطرّت بعد خط أسمهان التجديدي، أن تتّجه إلى التطريب والأصالة مع زكريا أحمد كما أسلفنا، هنا فكّرت لماذا لا تعود فتجرِّب التجديد من جديد؟ من أجل ذلك اختارت اسماً حميماً على قلوب المصريين، أوبرا عايدة، التي كانت قد أوصت عليها مصر في نهاية القرن التاسع عشر لكي تفتتح عبرها دار الأوبرا المصرية. اختارت الأوبرا وضمَّنتها في فيلم عايدة ، واختارت أن يُلحّنها في قسمين القصبجي والسنباطي . وفعلاً قُدِّم الفيلم، وفشل فشلاً ذريعاً.

 قيل حينها إن السبب أن الأوبرا كانت طويلة، ولكنني أعتقد أن لـ أسمهان وطيفها سبباً ويداً في ذلك. ما حصل أنه كان على أم كلثوم أن تختار بين قسم القصبجي وقسم السنباطي لكي يلغى. كان الأحرى بها أن تختصر من القسمين، ولكنها فضّلت أن يُلغى أحد القسمين، وأُلغيَ قسم القصبجي . وفي ظنّي أنه حتى الآن لا توجد أي نسخة باقية عن ذلك القسم، وفي هذا خسارة كبيرة. قُدِّم قسم السنباطي ، ولم يبقَ قسم القصبجي ، وكان ذلك في غاية الصعوبة عندما يفقد ملحّن كبير قسماً من تاريخه الموسيقي.


 (قطع إلى أوبرا فيلم عايدة لـ أم كلثوم )

راداميس : ليَ قلب تركته في يديك

عايدة : إنه اختار غير قلبي حبيبا

فكيف يهوى فؤادي من خان في الحب عهده

راداميس : لا تؤمنين بحبي

عايدة : قد كذب الحب وعده

ألم يقدم أمامي إليك فرعون بنته

فكيف تخلص منه وشره ما أمنته

 ولكن ذلك لم يُؤثر في إنقاذ الفيلم الذي فشل فشلاً ذريعاً، ومن ذلك الوقت، تخلّت السيدة أم كلثوم عن التجديد، وعن القصبجي ، دون أن تتخلى عن السنباطي . لندقِّق.

تطور أعمال القصبجي مع أم كلثوم 1930-1946ندقّق الآن باستشارة الحاسب الذي سيعرض لنا كيف كانت هناك قطيعة بين القصبجي و أم كلثوم من جهة، وبين السنباطي وأم كلثوم من جهة، ولكن كيف عادت أم كلثوم إلى السنباطي دون أن تعود لـ القصبجي ، ليكن ذلك الآن باستشارة الحاسب.

 أولاً … لاحظ في تطوّر أعمال القصبجي مع أم كلثوم أنها في الفترة الأخيرة، هنا .. توقفت عن التعامل معه بعد منتصف أو نهاية الأربعينات، توقّفت لمدة عشرين عاماً، لم تعد تتعامل معه. القطيعة بين السيدة أم كلثوم ومحمد القصبجي كانت في نهاية الثلاثينات وبداية الأربعينات في الفترة التي بدأ يتعامل فيها مع أسمهان ، وظهر كما رأينا في الحاسب أن هذه القطيعة كانت نهائية.

أعمال السنباطي مع أم كلثوم في فترة أسمهانالآن ماذا عن السنباطي ؟ هل كانت هناك قطيعة في نهاية الثلاثينات وبداية الأربعينات، عندما بدأ يتعامل مع أسمهان ؟ سنلاحظ وجودها، ولكن سنلاحظ عودة السيدة أم كلثوم للتعامل مع السنباطي . لنستشر الحاسب، وليكن ذلك الآن.

نلاحظ أنه في تعامل الأستاذ رياض السنباطي مع أم كلثوم هناك قطيعة بين نهاية الثلاثينات، وحتى منتصف الأربعينات، عدد أعمال قليل، ولكن ابتداء من عام 1946 عودة إلى عشرة أعمال في عام واحد. لقد عادت مع السنباطي بعد تلك القطيعة.

إذاً كانت هناك قطيعة بين السيدة أم كلثوم والأستاذ رياض السنباطي ، ولكنها لم تكن نهائية. أما مع القصبجي فقد كانت نهائيّة. ما السبب؟ أعتقد أن هناك مسارين لتلمُّس الأسباب، من أجل أن نفهم ما حصل لنستشر الحاسب، دوماً مرجعنا الحاسب، يعطينا الآن لكل ملحّن عدد الأغاني التي لحّنها لـ أسمهان ، // حسب المعلومات المتوفرة لدى إعداد البرنامج في عام 1995 /// سنكتشف أن القصبجي راهن على أسمهان ، مثلما لم يفعل إلا فريد الأطرش وكان شقيقها. لنستشر الحاسب، وليكن ذلك الآن.

 مخطط أعمال أسمهان مع الملحنين 1نلاحظ مثلاً أن الأستاذ القصبجي وعدد أغنياته هنا باللون الأحمر، خمس عشرة أغنية لـ أسمهان ، فريد الأطرش خمس عشرة أغنية، وهذا مبرَّر للأستاذ فريد فهو شقيقها. أما الأستاذ القصبجي … هذا يكشف لنا أنه راهن على أسمهان ، بينما نجد للأستاذ السنباطي فقط ثلاثة أعمال. إذاً هو كان حذراً.

 والآن لو دقّقنا في عرض آخر للتعامل نجد لـ القصبجي 37% من الأعمال، فريد الأطرش 37% من الأعمال، رياض السنباطي 7% من الأعمال.

وهذا ينقلنا إلى المسار الثاني الذي تحدّثت عنه من البداية عندما قلت هناك مساران. المسار الثاني هو النوعيّة.

أعمال أسمهان مع الملحنين

لندقّق على الحاسب: ماذا قدم السنباطي والقصبجي لـ أسمهان في فترة القطيعة؟ سنجد أنها أساساً من القصائد . لندقّق على الحاسب، وليكن هذا الآن، كيف تعامل الملحنون في مجال القصيدة مع أم كلثوم ؟ مقدمين من قصائد لـ أسمهان .

نجد هنا، في هذه المنطقة، وعندما كانت أم كلثوم تتعامل فقط مع زكريا أحمد في القصائد ، أن الاثنين، القصبجي والسنباطي قدَّما قصائد ، القصبجي قدّم: أسقنيها ، ليت للبرّاق ، هل تيّم البان . والسنباطي قدّم: أيها النائم ، يا لعينيك .. قصائد .. في تشوّقهما للتعامل مع السيدة أم كلثوم في مجال القصائد ، ولكن هذه القصائد غنّتها أسمهان .

القصائد وملحنوها في أعمال أم كلثوم وتداخلها مع أعمال أسمهانعندما عادت السيدة أم كلثوم لـ رياض السنباطي ، عادت معه بالقصائد التي بدأ يُلحّن فيها لغيره مع أسمهان في قصيدة يا لعينيك . عادت معه في القصائد ، في سلوا قلبي وفي نهج البردة، وفي سلوا كؤوس الطلا. لأنه قدّم القصائد وهي تقدّم القصائد .


أم كلثوم - أسمهان - قصبجي - يا طيورولكن القصبجي قدّم لها نوعيّة أخرى، قدّم أغان لم تكن السيدة أم كلثوم لتُغنّيها، مثلاً لندقِّق على الحاسب الأغنية التي أتت في بداية لانحدار تعامل أم كلثوم مع القصبجي . ليكن ذلك الآن. إنها أغنية، ندقّق هنا، يا طيور ، التي أتت مع بداية انحدار تعامل محمد القصبجي مع السيدة أم كلثوم . لقد كانت هذه الأغنية بعيدة تماماً عمّا تُغنيه أم كلثوم ، وكانت بالتالي قد كرّست أسمهان في قمّة منافسة، قمّة التجديد.

وهكذا خشي القصبجي ، وقد رأى أن رهانه على أسمهان كان خاسراً، خشي من متابعة هذا التجديد، وعندما طُلب إليه أن يُلحّن أغنيتين في فيلم غرام وانتقام ، إمتى حتعرف ، وأنا اللي أستاهل ، فقد قدّمهما في شكلانيّة قسرية تقرّباً من أم كلثوم ، ولكن هذا لم يكن ينفعه، لأن أم كلثوم كانت قد قرّرت نهائياً أن تتوقّف عن التعامل معه.

أغنية أنا اللي استاهل أتت في الفيلم، في موقف درامي لا يتوافق تماماً معها. تقبض الشرطة على حبيب أسمهان في الفيلم، الحبيب الجديد، وكان قد اعترف أمامها عن دور له في قتل زوجها، تقبض عليه الشرطة … ويظن أنها كانت أسمهان .. في الفيلم .. متّفقة مع الشرطة على توريطه في الاعتراف، فيتّهمها ويحمّلها المسؤولية، تقبض عليه الشرطة ..وهي.. تُغنّي أنا اللي أستاهل . أعتقد أن من أغنية أنا اللي أستاهل لا نستطيع أن نلتقط إلا المعنى، عندما تقول ” أنا اللي أستاهل كل اللي يجرى لي” . هل فعلاً تستاهل ما يجري لها؟ وخاصّة عندما تتساءل: لماذا البريء يُظلَم؟

 (قطع إلى أغنية أنا اللي أستاهل لـ أسمهان )

راح البـريء مظلـوم والذنـب ده ذنبي

فات لك شجون وهموم تشربها يا قلبـي

 همـوم تطول وتـدوم صبّرني ياربـي

أبات أفكر فيه وفي عذاب يقاسيه

وأبكي على حاله وأأسف على حالي

أنا اللي أستاهل كل اللي يجرى لي

الغالي بعته رخيص ولا احسبوش غالي

د. سعد الله آغا القلعة


يتيع : ختام الفيلم يعكس الواقع الأليم .. ورسالة سينمائية وصلت بعد خمسين عاماً !!

فهرس مجلد أسمهان الإلكتروني

 

Tagged , , , , . Bookmark the permalink.

Comments are closed.