اللوازم الموسيقية : بدأت ارتجاليةً لإكمال الإيقاع .. وغدت عنصراً له طيفٌ واسعٌ من الملامح التعبيرية

شعار كتاب الأغاني الثاني

أم كلثوم وفرقتها في مؤتمر القاهرة 1932 اعتمد التلحين في الموسيقى العربية من البداية على توفير توافقٍ تام بين اللحن واللفظ الشعري ، مع متكآت موسيقية ارتجالية ، ذات طابع متكرر ومتشابه ، يقوم بها العازفون عندما يقصر اللحن عن التوافق مع إيقاع الشعر ، سميت اللوازم الموسيقية ، إشارة إلى لزومها لإكمال الإيقاع.

ويمكن كمثال عن ذلك ، متابعة قصيدةأراك عصي الدمع ” ، من ألحان عبده الحمولي ، بصوت السيدة أم كلثوم  أراك عصي الدمع أم كلثوم – عبده الحمولي

مع انطلاق حركة النهضة الموسيقية العربية ، بعيد نهاية الحرب العالمي الأولى ، بدأت الجرعة الموسيقية تحتل في الألحان مكاناً أوسع ، مع ظهور مدرستين جديدتين في الغناء العربي  : الرومنسية ( محمد القصبجي )  ، والتعبيرية ( سيد درويش) ، وتطور أهمية التدوين في ضبط الألحان ، و تقليص عناصر الارتجال فيها.

تجسدت المدرسة الأولى في قالب المونولوج الرومنسي ، وهو قالب تلحيني سعى مبتدعه محمد القصبجي ، للتعبير عن عناصر المدرسة الرومنسية ، المتمثلة أساساً في تقديس الجمال و إبراز تضاد العواطف و تغير المزاح ، من خلال اعتماد تقسيم العمل الغنائي إلى مشاهد ، يختص كل منها بمقدمة موسيقية ، تمهد موسيقياً  لأجواء المشهد  ، و كذلك توظيف الغناء المرسل المجسد لجمال الصوت ، في تقاطعات غنائية ، مع مقاطع غنائية تعتمد على الإيقاع ، وعلى تغيره ، ضمن العمل الغنائي الواحد ، ما تسبب في إكساب اللوازم الموسيقية دوراً واضحاً في التعبير عن هذا التضاد ، في سياق اللحن ، سواء عند الانتقال من إيقاع لآخر ، أو من مقام لآخر ، أو الانتقال من مقطع غنائي مرسل إلى مقطع قائم على الإيقاع ، أو كجملة موسيقية تناقض الجملة اللحنية المغناة ، أو تتفاعل معها ، أو تعبر عنها.


بالمقابل تجسدت المدرسة الثانية ، في أغاني سيد درويش المقدمة في إطار المسرح الغنائي ، حيث أصبحت اللوازم الموسيقية تؤدي دوراً تعبيرياً عن المعاني ، وخاصة في المقاطع الغنائية المرسلة ، أو في الحواريات.

وكان لابد من أن يُدمج الأسلوبان ، لتتخذ اللوازم الموسيقية لها طيفاً متكاملاً من الأدوار ، ترسخت على مدى الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي ، و امتدت من الـدور التعبيري إلى الـدور الموسيقي البحت ، و لتتحول تلك ” اللوازم ” أحياناً ، إلى مقدمات موسيقية قصيرة ، في سياق المشهد الواحد ،  أو  ” نتائج ” موسيقية تلخصه ، خاصة عندما أصبحت توكل إليها أدوار تعبيرية خاصة بها ، كما جاء في مونولوجيا طيور ” لمحمد القصبجي مع أسمهان عام 1940 ، حيث أخذت اللوازم الموسيقية دوراً تعبيرياً عن حركة الطيور ، وجسدتها كبطل من أبطال العمل .


عبد الوهاب مع الفرقة الموسيقية في تسجيل أسطوانة لبيضافون

عبد الوهاب مع الفرقة الموسيقية في تسجيل أسطوانة لبيضافون

وسرعان ما انتقل هذا الأسلوب في توظيف اللوازم الموسيقية ، إلى الأشكال المطورة للقوالب التلحينية الأخرى ، مع انتقال عناصر من المونولوج الرومنسي إليها ، فأصبحت من  أهم ملامح تطوير القوالب التلحينية الغنائية القديمة. ظهر هذا في الأعمال الغنائية التي جسدت ملامح تطوير قالبي القصيدة والطقطوقة ،  في إطار اقترابهما من قالب المونولوج الرومنسي.

كانت البداية مع محمد عبد الوهاب في قصيدة : ” الهوى والشباب ” 1931 ، التي اقتربت من قالب المونولوج ، حيث بدأت ملامح اللوازم الموسيقية الجديدة تظهر ، الهوى والشباب محمد عبد الوهاب .

ثم جاءت قصيدة محمد عبد الوهاب ” أعجبت بي ” في عام 1935 ، لتقترب أكثر من قالب المونولوج ، و تحفل بتقاطعات موسيقية مفاجئة ، مع الجمل اللحنية المغناة ، في سياق أداء البيت الشعري الواحد ، أعجبت بي محمد عبد الوهاب ،   كما برزت اللوازم الموسيقية لاحقاً في قصيدةالجندول ” 1940 ، في أسلوب مشابه.

وفي سياق متصل ، برزت اللوازم الموسيقية في أعمال  الملحنين الآخرين ، كما في قصيدةأسقنيها ” من ألحان  محمد القصبجي لأسمهان 1939 ، و  في أغنية ” فرق ما بيننا ليه الزمان ” للقصبجي أيضاً مع أسمهان 1940  ، التي جاءت على قالب الطقطوقة المطورة ، وكذلك في أعمال متنوعة لرياض السنباطي وفريد الأطرش ، لتتحول اللوازم الموسيقية مع الوقت إلى عنصر هام من عناصر اللحن.

أما في السينما ، التي كانت تتطلب جرعة تعبيرية أوضح ، فقد تطورت أهمية اللوازم الموسيقية  في إيضاح الأبعاد التعبيرية للأغنية السينمائية ، وخاصة في الحواريات الغنائية ، ومنها مثلاً حوارية ” حكيم عيون ”  عام 1944 ، لمحمد عبد الوهاب مع راقية ابراهيم ، التي جاءت في سياق فيلم ” رصاصة في القلب ” ، و التي حفلت في مسارها بلوازم موسيقية تعبيرية درامية .


كما أسهم المسرح الغنائي عند الأخوين رحباني ، وفي الإطار ذاته ، في تعميق أهمية اللوازم الموسيقية في بعدها التعبيري ، كما جاء في المشهد المسرحي ” راجح ” من مسرحية ” بياع الخواتم ” عام 1964 .

د. سعد الله آغا القلعة

 

Tagged , , , , , , , . Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading