فيلم رصاصة في القلب .. وجديده

شعار كتاب الأغاني الثاني

سادس أفلام محمد عبد الوهاب ، بعد أفلام الوردة البيضاء عام 1933 ، و دموع الحب عام 1935 ، ويحيا الحب عام 1937 ، ويوم سعيد عام 1939 ، وممنوع الحب عام 1942.  أنتجه محمد عبد الوهاب وقام ببطولته عام 1944 ، و كان إلى جانبه راقية إبراهيم، و الهام حسين، وفاتن حمامة، من سيناريو وإخراج محمد كريم، و قصة وحوار توفيق الحكيم.

يروي الفيلم قصة محسن (  عبد الوهاب ) ، وهو شاب بوهيمي يعيش ليومه، و له علاقات نسائية كثيرة، دون أن تتخذ مظاهر عاطفية حقيقية. يتعرف على فتاة جميلة، ويشعر بعاطفة حب حقيقية نحوها، ثم يفاجأ بأنها خطيبة صديقه الطبيب. يهرب منها وفاءً لصديقه، ولكنها تتحول نحوه وتصارح خطيبها بذلك فينسحب ويلتقيان.

غنى عبد الوهاب في هذا الفيلم عدة أغان منها ” أحبه مهما أشوف منه ” و ” لسـت أدري ” و ” الميه تروي العطشان ” و ” مشغول بغيري ” و ” حنانك بي يا ربي ” و ” رح أقول لك إيه عن أحوالي ” و ” يا جلاس الشوق فاض بي ” و ” إنسى الدنيا وريح بالك ” ، إضافة إلى حوارية ” حكيم عيون ” . كتب نصوص الأغاني في الفيلم حسين السيد وأحمد رامي ومأمون الشناوي و إيليا أبو ماضي.

حمل فيلم رصاصة في القلب إضافات كثيرة على مستوى الغناء في الأفلام السينمائية . كان عبد الوهاب قد حدد مواصفات عديدة للأغنية السينمائية منذ فيلمه الأول : ” الوردة البيضاء ” ،  وكان من أهمها ضرورة أن تأتي الأغنية في سياق أحداث الفيلم ، فتعبر عنها ، ولكنه قدم في هذا الفيلم إضافات جديدة ، عكست تطوراً واضحاً في فكره الموسيقي ، وفي فهمه للأبعاد الدرامية للأفلام السينمائية ودور الغناء في سياقها.

قصيدة لسـت أدري

خالف عبد الوهاب في هذا الفيلم ما كان اعتمده في أفلامه السابقة في أن تكون القصائد مبنية على إيقاعات راقصة غربية ، كما كان الوضع في قصائد مثل ” جفنه علم الغزل ” و ” سهرت منه الليالي ” و ” عندما يأتي المساء ” مثلاً ، ليقدم هنا قصيدة إيليا أبو ماضي ” لســت أدري ” في إطار مختلف تماماً ، إذ حملت القصيدة لأول مرة ، مضامين جديدة في الغناء العربي ، كالحيرة والتردد والتساؤل ، كما جاءت في جمل لحنية ، عبرت عن عواطف مركبة ، كالمعاناة والقلق الإحساس بالوحدة ، من خلال اعتماد المسافات الكبيرة بين الأصوات الموسيقية المشكلة للجملة اللحنية ، كما في افتتاحه للغناء في جملة ” لا أعلم من أين ” ، التي بني لحنها على أصوات موسيقية متباعدة ،  بعد كلمة ” جئت ” ، التي أتت في جملة لحنية قصيرة وسريعة ، ذات طابع حيادي ، بحسبانها تعطي إخباراً بقدومه إلى هذا العالم. كان الغناء العربي حتى ذلك الوقت يعتمد جملاً لحنية مشكلة من أصوات موسيقية متقاربة ومتلاصقة ، تعبر عن عواطف بسيطة كالحزن و الألم والفرح ، فأتت هذه القصيدة لتحمل مضامين جديدة و جملاً لحنية جديدة . حملت القصيدة أيضاً التفاعل في بناء الجمل اللحنية المتلاحقة ، ويظهر هذا في الجملة التالية ” ولقد أبصرت أمامي طريقاً فمشيت ” ، حيث تأتي الجملة اللحنية كاستمرار للجملة الأولى ، في مواقع صوتية أخرى ، مع تطوير لها ، لتأتي جملة ” وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت ” ، في جملة لحنية  تفاعلية أخرى .. حتى الختام مع جملة ” لسـت أدري “، التي تختم الفقرة اللحنية.  للمزيد ، يمكن مراجعة تحليلنا لقصيدة ” لست أدري “.



حوارية حكيم عيون

بالمقابل ، عكست حوارية حكيم عيون  ، حوارية حكيم عيون لعبد الوهاب وراقية ابراهيم ، بعداً آخر : تقديم الحوار التمثيلي في إطار لحني. استفاد عبد الوهاب في هذا من مشاركة راقية ابراهيم في الفيلم ، بحسبان أنها ممثلة وليست مغنية ، وهو ما كانت قصة الفيلم تتطلبه ، مقدماً لنا تقاطعاً بين الأداء الغنائي ، و الأداء التمثيلي المنغَّم ، أي الواقع بين الغناء والكلام ، في إطار يجمعهما ، وهو التعبير الدرامي. طبعاً لا بد من التذكير بأن هذا الأسلوب كان قد بدأ عند عبد الوهاب في فيلم ممنوع الحب ، وتحديداً في حوارية ” يللي فت المال والجاه ” مع رجاء عبده ، حيث استخدم عبد الوهاب مقاطع غير مغنّاة ضمن الحوارية، ولكن الجرعة الدرامية أصبحت أوضح بكثير في حوارية حكيم عيون ، كما أصبح توظيف اللوازم الموسيقية للتعبير عن لحظات الحدث الدرامي أكثر وضوحاً و تأثيراً.


آلات موسيقية وافدة

جيتار هواين بالصوت وليس بالصورة في أغنية انس الدنيا

حمل الفيلم عناصر موسيقية أخرى ، في اتجاه توظيف الآلات الغربية . جاء هذا أولاً في أغنية ”  إنس الدنيا ” ، التي حملت تقديم عبد الوهاب لآلة الجيتار هوايين ، على صورة سامية جمال وهي تمسك بوسادة لتقلد شكل العزف على الجيتار. من المفيد في هذا السياق أن نذكِّر بأن فريد الأطرش استخدم الجيتار هوايين أيضاً في العام ذاته ، أي عام 1944 ، في أغنية ” ليالي الأنس ” لأسمهان ، في سياق فيلم غرام وانتقام ، علماً بأن فيلم ” رصاصة في القلب ” ، عُرض قبل فيلم ” غرام وانتقام ” بعدة أشهر. وعلى الصعيد ذاته ، حملت أغنية ” مشغول بغيري ” تأكيداً من عبد الوهاب ، على استخدام آلة الأوبوا ، التي كان استخدمها في أوبريت ” قيس وليلى ” وقصيدة ” سجى الليل ” التي تلتها ، في سياق فيلم ” يوم سعيد “.


حتى الموال وجد جديده

حمل الفيلم تأكيد عبد الوهاب على توجهه لإدماج الموال في قلب الأغنية ، مبتعداً أكثر عما كان سائداً ، من اعتبار الموال عملاً غنائياً مستقلاً بذاته. جاء هذا في أغنيتين : أولاً في أغنية ” إنس الدنيا ” ، في مقطع : ليه تشغل بالك  ،  حيث يؤدي عبد الوهاب الموال في لحن أول ، فيما تعزف الموسيقى وتغني المجموعة لحناً مختلفاً ، جاء على إيقاع السوينغ الراقص ، الذي وظفه عبد الوهاب هنا لأول مرة .


وثانياً في أغنية  ” مشغول بغيري ” ، في الفيلم ذاته ،  حيث حملت الأغنية تقاطع أداء عبد الوهاب للموال ، مع مداخلات من الفرقة الموسيقية ، حملت أحياناً لوازم موسيقية ذات طبيعة تعبيرية ، مع استمرار الإيقاع في الخلفية ، كما في موال مسكين يا قلبي في سياق الأغنية ، موال مسكين يا قلبي من أغنية مشغول بغيري.


بالنتيجة 

لاشك في أن فيلم رصاصة في القلب حمل جديداً من عبد الوهاب ، ولكن هذا  لم يسعفه كثيراً في عالم السينما ، إذ شهدنا مغادرته لعالم الأفلام ، بعد فيلمه التالي : ” لست ملاكاً ” ، التي أتى بعد عامين ، أي في عام 1946، لأسباب عديدة قمنا بتحليلها في برنامج ” عبد الوهاب مرآة عصره ” ، منها الظهور الساطع لنجم الأفلام السينمائية في ذلك الوقت : فريد الأطرش.!

د. سعد الله آغا القلعة

Tagged , , , , , , , . Bookmark the permalink.

Comments are closed.