في المقال التالي نتعرف على فريد غصن .. الملحن اللبناني الذي أسهم في تعريف الملحنين على أسمهان في صباها ، ولحن لها لحنين مما غنته ، وهي بعد في الرابعة عشرة من عمرها.
البدايات بين لبنان والأرجنتين ومصر وتونس وفرنسا
ولد فريد غصن ( الياس نعمة الله شلالا ) في كسروان – لبنان ، ويقال في الإسكندرية ، عام 1912 . تعلم العود على والده، وسافر مع أهله صغيراً إلى الأرجنتين ، فأقام هناك لسنوات ، قبل أن يسافر وأهله مجدداً إلى مصر للاستقرار فيها.
درس أصول الموسيقى بفرعيها الشرقي والغربي ، و امتلك ثقافة موسيقية عالية . بدأ حياته العمليه فى الفن عازفا على العود فى فرقة أمير الكمان سامي الشوا ، كما عمل مع فرقة فوزى الجزايرلى ، و فرقة الشيخ امين حسنين ، ثم سافر مع منيرة المهدية إلى تونس عام 1932 ، للعمل هناك . التقى في تونس بوكلاء تابعين لجمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى ( الساسيم ) التي تتخذ من باريس مقراً لها ، وتعمل على حفظ الحقوق الفكرية والأدبية للملحنين والكتاب ومنتجي المصنفات الموسيقية ، من خلال تحصيل نسبة سبعة في المئة من دخل حفلات المسارح والملاهي لتوزّع على المؤلفين والملحنين، شرط أن يكونوا أعضاء منتسبين للجمعية المذكورة ، فانتبه إلى أهمية الجمعية في توفير دخل للملحنين ومؤلفي الأغاني ، ما دفعه للسفر إلى فرنسا حيث قدّم إمتحاناً موسيقياً لإثبات قدراته الموسيقية التلحينية ، وبنتيجة ذلك انضم إلى الجمعية وكان أول عربي ينتسب إليها.
في القاهرة … عازف على العود و .. حافظ للحقوق ..
عاد فريد غصن إلى القاهرة وأصبح رئيساً لفرقة بديعة مصابني ، و عازفاً على العود في فرقتها الاستعراضية، التي كانت تحتاج إلى الأجواء الراقصة في الألحان العربية ، فاستفاد من معرفته بالإيقاعات الراقصة الأرجنتينية الشهيرة أثناء إقامته هناك ، مكوناً مع فريد الأطرش ، الذي أخذ عنه أسلوبه في النقرة القوية الواثقة ، وعازف العود جورج ميشيل ، ثلاثياً شهيراً.
عمل فريد غصن بعد عودته وعمله في التلحين ، على تشكيل جمعية للمؤلفين والملحنين في القاهرة ، لتكون فرعاً للجمعية في باريس. لقيت دعوته تجاوباً ، فتم تشكيل الجمعية في مصر ، من محمد عبد الوهاب رئيساً ، مع فريد غصن وكيلاً له، و أعضاء آخرين من الكتاب والشعراء والملحنين . توصلت الجمعية بعد مساعٍ حثيثة إلى استصدار قانون الحقوق الفنية عام 1954 ، كما شكلت جمعية مماثلة في بيروت بتشجيع منه.
أطلق عليه مدحت عاصم ، رئيس قسم الموسيقى في الإذاعة المصرية، والذي كان من دعاة التأثر بموسيقى الغرب ، لقب « نابغة العود » ، ملاحظاً تأثره في عزفه على العود بإقامته في الأرجنتين ، حيث يسود أسلوب العزف على الجيتار الإسباني ، وسعيه إلى تصوير الأجواء المختلفة ، مثلما فعل في معزوفته على العود « العاصفة » ، حيث صور بريشته وأوتاره هيجان العاصفة ، ثم هدوءها ، مع تركيز كبير في عزفه ، على الطبقات الصوتية الحادة التي أهملها عازفو العود.
وملحن للكبار وعلى رأسهم .. أم كلثوم
تابع فريد غصن عبر ألحانه ، الخطوات الأولى لفنانات وفنانين عديدين ، وخاصة القادمين من الشام ، فرعى بدايات فريد الأطرش في عزف العود ، و لحن له « يا قمري نُوحك يحلالي »، وعرّف أسمهان على كبار الملحنين ، محمد القصبجي وزكريا أحمد وداود حسني ، بحكم صداقته مع عائلتها ، و لحن لها عام 1932 وهي بعد صبية عمرها 14 عاماً « أزاي فؤادي يسلاكي » ، التي لعلها كانت من أوائل ما سجلت على أسطوانات ، و كذلك « يا نار فؤادي ونور عينيّ » .
كما قدم نجاة الصغيرة ( السورية نجاة حسني البابا ) ، بحكم صداقته مع عائلتها ، وهي بعد صبية صغيرة ، لأجواء الغناء في بيروت ، حيث استمع إليها محمد عبد الوهاب لأول مرة . لحن الكثير من أغاني الأفلام ومنها « يانا ياوعدي » لنور الهدى في فيلم جوهرة ، إضافة إلى ألحان عديدة لشهرزاد ونادرة ونازك و صباح و عبد الغني السيد و محمد قنديل وابراهيم حمودة وهدى سلطان ومحمد مرعي وغيرهم ، كما لحن للور دكاش أغنيتها الشهيرة « آمنت بالله ».
توج فريد غصن مساره التلحيني عندما كلفته أم كلثوم ، بداع من خلاف بينها وبين الأستاذ رياض السنباطي ، وبتشجيع من محمد القصبجي ، بتلحين أغنيتها « وقفت أودّع حبيبي »، من كلمات أحمد رامي ، التي قدمتها مرة واحدة عام 1941 في « الليسيه فرانسيه » ، ونقلتها الإذاعة المصرية على الهواء ، حيث صفق لها الجمهور كثيراً وطلب إعادتها. بقي فريد غصن يشكو طوال حياته من أن أم كلثوم لم تسجل الأغنية ، بعد أن عادت الأمور بينها السنباطي إلى سابق عهدها.
كان فريد غصن من أوائل من وضعوا ألحاناً موزعة للكورال ، و تميّز بكتابته الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام و بقدرته على تدوين الألحان بدقة .
و كاتب أيضاً يدافع عن توجهاته
كتب فريد غصن مقالات عديدة في الصحف كجريدة «البلاغ ،» ومجلّتي «المحروسة » و «الصبّاح »، مدافعاً عن وجهة نظره في ضرورة الانتفاع من فنون الغرب طالما أن الغربيين ينتفعون من فنون الشرق، ومؤكداً أن على الموسيقي أن يرضي ضميره ، قبل أن يرضي الشعب.
في بيروت الوجهة الأخيرة : الأستاذ
عاد فريد غصن إلى بيروت في أواخر الخمسينات، حيث عمل موسيقياً في الإذاعة اللبنانية، ودرّس الغناء وعزف العود في االمعهد الوطني العالي للموسيقى (الكونسرفتوار) ، حيث وضع أسلوباً حديثاً لتعليم العزف على الة العود ، و كان من تلامذته ، الفنانون مرسيل خليفة، جورج تابت، سمير يزبك، وجورج روفايل ..
أحيا حفلات موسيقية على مسرح “ويست هول” في الجامعة الأميركية في بيروت، حيث كان يعزف منفرداً على عوده ، الألحان الشرقية والغربية ، كما أصدر قبل رحيله كتاباً في الطريقة الحديثة للعزف على العود. عانى من المرض طويلاً في منزله، قبل أن يتوفاه الله في بيروت في 1 أيلول / سبتمبر عام 1985 .
جرى تكريم فريد غصن، بعد وفاته ، بمناسبة إنعقاد المؤتمر الخامس عشر للمجمع العربي للموسيقى في جامعة الروح القدس في الكسليك في أيار العام 1999، حيث عزف الفنان مرسيل خليفة بالمناسبة مقطوعة موسيقية من تأليفه بعنوان « غرناطة – إلى أستاذي فريد غصن ».
أغنيات لحنها فريد غصن
مقالات تناولت أغنيات لحنها فريد غصن أو تعلقت بألحانه
حلقات تلفزيونية تناولت فن فريد غصن