ماهو مآل الفن ؟ هل بدأ بالتحول من إبداع إنساني إلى نشاط بشري ؟ وهل سيكون بإمكان بديله التكنولوجي أن يحل محله؟

شعار كتاب الأغاني الثاني

synths

ارتبط تطور الثقافة عموماً ، كتعبير جماعي عما أنتجه التفكير الإنساني ،على مدى العصور، من رصيد علمي أو فني أو أدبي أو اجتماعي ، والفنون خصوصاً ، بحسبانها المظهر الأكمل للإبداع الإنساني ، بجدلية التفاعل بينها وبين أدوات التعبير والنشر ، البدائية منها ، وصولاً إلى الأكثر تعقيداً من الناحية التكنولوجية ، ما جعل الإبداع الإنساني ، وهو الذي يفترض فيه أن يختزل في تطوره ، مجمل الإنجازات الإنسانية السابقة ، مضطراً ،أن يواجه خلال مراحل ذلك التطور ، فيضاً من التحولات الكبرى التي عاشتها المجتمعات ، بتأثير من التطور العلمي و التكنولوجي ، مستفيداً منها حيناً ، و متخلياً بسببها في أحيان أخرى ، عن مسارات تطور لم تستطع أن تواكب التطور التكنولوجي ، ما ولَّد ، حتى اليوم ، توازناً قلقاً بين الفوائد والضياعات ، تعايش معه الإبداع الإنساني وقبله.

ولكن تسارع التطور التكنولوجي ، في الفترة الأخيرة ، واختلاف هذا التسارع عن سرعة تطور الفنون ، و كذلك استسلام الفنانين المتزايد أمام التسهيلات التي تقدمها التكنولوجيا ، بدأ يرسي جملة من التحديات ، التي يحتمل أن تنهي حالة التوازن القلق الموصوفة ، لصالح المزيد من الضياعات والثغرات في الرصيد المستقبلي للإبداع الفني الإنساني ، في صورة قد تبدو قاتمة لكل من يهمه ، مستقبل ذلك الإبداع ، عندما يرى أنه يتحول بالتدريج ، من إبداع إنساني تخدمه التكنولوجيا ، إلى نشاط بشري توجهه التكنولوجيا!

تبرز بالمقابل ظاهرة توظيف الذكاء الصنعي ، لتوليد إبداع تكنولوجي ، يحاول أن يطور نفسه ، ليكون موازياً للإبداع الإنساني ، فهل سيكون عند الأجهزة ، المعتمدة على الذكاء الصنعي ، الدوافع ذاتها التي ولَّدت الإبداع عند الإنسان ؟ هل ستكون قادرة على الشعور بالوحدة ليلاً ، فتنظم قصيدة ، أو تضع مؤلفاً موسيقياً يعبر عن مشاعرها ؟ أو أن تشعر بقرب النهاية ، وأن أيامها قليلة ، فتبدأ بالإحساس بالجمال بشكل مختلف ، وتبدأ بإبداع غزير غير مسبوق؟ قد تبدو هذه الأسئلة مستغربة ، ومع ذلك فإننا نشهد حالياً تجارب في هذا المجال ، يعبر بها العلماء ، في ظل التطور التكنولوجي الكبير ، و التداخل بين العلم والفن ، الذي قلَّص مع الوقت ، الأبعاد الإنسانية للفن ، كما أسلفتُ ، عن شعورهم بالقدرة على توليد “إبداع تكنولوجي” ، مشابه لإبداع الإنسان! خاصة أننا نشهد بالمقابل ، ضعفاً متسارعاً في الجانب الإبداعي عند الإنسان ، بتأثير من اعتماده المتنامي على التكنولوجيا، إلى جانب عوامل أخرى كثيرة!

يجعلني كل هذا أعتقد أننا سنصل قريباً ، إن لم تُتخذ تدابير عاجلة ، شبيهة بما يتخذ من تدابير للحفاظ على البيئة ، لإيجاد توازن أمثل بين الإبداع الإنساني ، وبين الأدوات التكنولوجية التي يستخدمها ، إلى حالة من التقارب بينه ، وقد تحول إلى نشاط بشري ، وبين شبيه تكنولوجي له ، قد يتجاوزه مع الوقت ، نظراً لأن المجال مفتوح أمام ” الإبداعين ” : لمزيد من التسطح عند الإنسان ، ولمزيد من التطور عند الآلة!

د. سعد الله آغا القلعة

Tagged , , . Bookmark the permalink.

Comments are closed.