حياة وفن أسمهان – الفصل الثالث – 2 : السنباطي وأسمهان والقصيدة التجديدية

شعار كتاب الأغاني الثاني

الفصل السابق : حياة وفن أسمهان – الفصل الثالث – 1


أسمهان 2الكتاب المسموع : حياة وفن أسمهان
الفصل الثالث – القسم الثاني

السنباطي وأسمهان والقصيدة التجديدية


التسجيل الصوتي للاستماع المتزامن مع قراءة النص :


على كل حال، لنعدْ إلى السنباطي . السنباطي لم يهتم تماماً بالرسالة التي وجّهها إليه فريد الأطرش عبر “عليك صلاة الله وسلامه “، لماذا؟ لأن هذا النمط التلحيني هو ليس بحاجة لـ أسمهان لكي تغنّيه من ألحانه، هناك السيدة أم كلثوم ، التي هي في قمة الغناء العربي، وتُقدِّم له هذا النمط مثلاً ” على بلد المحبوب ودّيني”. إذاً أين هو بحاجة لـ أسمهان لتحريض أم كلثوم على أخذ ألحانه ؟ في أي قالب ؟ إنه القصيدة ، مثلما القصبجي .

الآن، قبل أن نستعرض على الحاسب تطوُّر هذا الموضوع بين السنباطي و القصبجي وزكريا و أم كلثوم في موضوع القصائد ، ودور أسمهان في ما وصل إليه السنباطي مع أم كلثوم ، لندقِّق في قصيدة يا لعينيك لأنها المفتاح الأساسي لفهم الموضوع.

قصيدة يا لعينيك من شعر الشاعر أحمد فتحي ، عرضها السنباطي .. اختارها السنباطي ولحّنها وعرضها على السيدة أم كلثوم . السيدة أم كلثوم استمعت إليها ثم رفضتها. لماذا رفضتها؟ قالت: إنني أرفضها لروحها التجديدية. لم يستسلم السنباطي وسرعان ما عرضها على أسمهان . لقد كانت في رأيه.. أسمهان .. صوتاً قادراً أيضاً على أداء القصيدة ، وما دام أم كلثوم رفضتها، وهو سيسعى دوماً للتعاون مع أم كلثوم في القصيدة ، فلماذا لا يستخدم صوت أسمهان كوسيلة؟ وهكذا قدّم يا لعينيك لـ أسمهان .


أم كلثوم والقصائد

الآن لنتتبّع على الحاسب: هل عبر” يا لعينيك ” و أسمهان استطاع السنباطي أن يتوصل لتحقيق حلمه بتلحين القصيدة للسيدة أم كلثوم ؟

القصائد وملحنوهالنتابع تعاون السيدة أم كلثوم مع الملحِّنين في القصيدة منذ العشرينات وحتى الخمسينات.

أوّلاً القصبجي نرمز له هنا باللون الأحمر، في نهاية العشرينات لحّن لها ثلاث قصائد وتوقّف. لا قصائد جديدة، مع أنّه كان يتشوّق لذلك.

أحمد صبري النجريدي ، ونرمز له هنا باللون الأخضر لحّن لها ثلاث قصائد ثم توقّف لأنه انفصل عن التعاون مع أم كلثوم لأسباب خاصة به، سنعرض لها في برنامج خاص عن السيدة أم كلثوم .

الشيخ أبو العلا محمد كان هو المسيطر في التعامل مع السيدة أم كلثوم في القصائد ، في العشرينات قدّم لها تسع قصائد ، ثم بعد ذلك توقف لأنه غاب عن هذه الدنيا.

إذاً كانت هناك مرحلة فراغ. مَن سيلحّن القصيدة في الثلاثينات؟ إنه زكريا أحمد الذي نرمز له هنا باللون الأصفر، وكان في هذا الوقت القصبجي والسنباطي بعيدين عن هذا القالب ، فقط زكريا ، وبالتالي كانا متشوِّقين للتعامل مع أم كلثوم .

القصائد وملحنوها في أعمال أم كلثوم وتداخلها مع أعمال أسمهان- إطاروهكذا بدأ القصبجي ، في تشوّقه ، باستخدام صوت أسمهان لتحريض أم كلثوم على التعاون معه في القصائد ، فقدَّم “ليت للبرّاق ” وأتبعها بـ ” أسقنيها “، وكان الآن بصدد تقديم “هل تيّم البان “.

السنباطي من طرفه بدأ مع” يا لعينيك “، عرضها ورفضتها أم كلثوم ، فقدَّمها لـ أسمهان ، ثم قدَّم مع أسمهان قصيدة أخرى في منتصف الأربعينات قبل وفاتها: ” أيّها النائم “، نلاحظ الآن أن السنباطي باللون البنفسجي الذي نرمز له، في ما بعد وفي نهاية الأربعينات، سيسيطر هو في مجال القصيدة وسينجح، وستكون البداية التي سبّبت هذا النجاح، عندما يرتفع عدد القصائد التي لحّنها لـ أم كلثوم إلى عدد كبير منها نهج البردة، سلوا قلبي، سلوا كؤوس الطِّلا، قصائد عديدة. إذاً نجح السنباطي في تحريض أم كلثوم على أن توكل إليه تلحين القصائد ، وكانت البداية مع “يا لعينيك “.


السنباطي وأسمهان وقصيدة يا لعينيك

إذاً يا لعينيك رفضتها السيدة أم كلثوم أولاً، وغنّتها أسمهان ، ومرّة أخرى يتوافق المعنى مع أسمهان التي اشتُهرت كثيراً بجمال عينيها، حتى أن الجنرال دوغول ، كتب، يقال إنه كتب في مذكراته: إن أجمل عيون رأيتها هي عيون أسمهان . وفعلاً النظم كان يتغنّى بجمال العيون عندما يقول” يا لعينيك ويالي من تسابيح خيالي فيهما ذكرى من الحب ومن سهد الليالي”.

 (قطع إلى أغنية يا لعينيك لـ أسمهان )

يا لعينيكِ ويالي.. من تسابيح خيالي

فيهما ذكرى من الحب ومن سهد الليالي

يا لعينيكِ و يا لي من تسابيح خيالي

 حفل النظم في قصيدة يا لعينيكِ بتضاد المعاني، مثلاً، فيهما ذكرى من الحب ومن سهد الليالي .. الحب والسّهد، وكان هناك في المعاني الداخلية تسلسل يُعبّر عن واقع حياة أسمهان العاطفية اللاهية، والتي عاشت في ظل حب ملول، فنجد تسلسلاً للعبارات “وصال” ، “سؤال” ، “ملال”، لندقّق في النظم.

يقول الشاعر في هذا المقطع الذي سنستمع إليه:

عبراتُ الأمل المسحور في دنيا الجمال

وفتورٌ من ضنى اللوعة والسُّقم بدا لي

وذهولُ الشاعر الهارب من حلم الوصالِ

وسؤالٌ يَعبر الأفْق إلى ومض   السـؤال

وشقاءُ الروح يسمو نحوها طيف ملالِ

وتؤدّي أسمهان في تعبيرية واضحة، وأؤكد على غنائها في عبارة وشقاء الروح عندما تزفر زفرة حرّى مع الروح، وكأنها الروح التي تغادر الجسد. هل كانت تعبر عن شقاء روحها الداخلية؟

 (قطع إلى أغنية يا لعينيك لـ أسمهان )

وذهولُ الشاعر الهارب من حلم الوصالِ

وسؤالٌ يَعبر الأفْق إلى رد السـؤال

وشقاءُ الروح يسمو نحوها طيفُ ملالِ

يا لعينيـك ويالي من تسابيـح خيـالي

وجاء التعبير واضحاً في عبارة “وحديثٌ طال ” حيث يطول اللحن، وأيضاً في عبارة أخرى عندما يقول “وصراع في هدوء” يتفاعل اللحن في كلمة صراع ثم يهدأ في كلمة هدوء. وهكذا السنباطي استطاع أن يُعبّر لحناً، واستطاعت أسمهان أن تؤدي الصراع الهادئ.

 (قطع إلى أغنية يا لعينيك لـ أسمهان )

وحديثٌ طال في صحبة أيام طوال

وصراعٌ في هدوء و عتـابٌ في دلال

وعذابٌ كعذابي

يا لعينيك ويالي من تسابيح خيالي

لحّن السنباطي قصيدة يا لعينيك في حيوية واضحة، وكانت أوّل قصيدة يُلحّنها ولا يُغنّيها بنفسه، كانت جميع القصائد التي سبق ولحّنها غنّاها بنفسه هو، وهكذا كانت تظهر منافسة للأستاذ عبد الوهاب . ولكن هذه القصيدة لحّنها للسيدة أم كلثوم ، ولمّا رفضتها وغنّتها أسمهان ، ولم يغنِّها هو، تحوَّلت هذه القصيدة لكي تصبح منافسة لـ أم كلثوم ، وكأنه قدّم لـ أسمهان قصيدة منافسة لـ أم كلثوم . هل أثّر ذلك على موقعه في التعامل في التلحين لـ أم كلثوم ؟ دائماً الحاسب مرجعنا لكي يرد على هذه الأسئلة. لنتابع: كيف تعامل السنباطي مع السيدة أم كلثوم منذ عام 1935 عندما بدأ يتعامل معها وحتى عام 1946.


السنباطي وأم كلثوم

أعمال السنباطي مع أم كلثوم في فترة أسمهاننلاحظ أنه في عام 1935 قدّم لها عملين فقط، كانت البدايات، ولكن في عام 1936 إذ بها يقدم لها ثلاثة أعمال غنائية من ألحانه. في عام 1937 نلاحظ أربعة أعمال، إذاً هناك تطوّر. في عام 1938 سنلاحظ أن هناك تقلّصاً، إذاً هناك عبارة عن عمل واحد. الآن ماذا عن عام 1939؟ أيضاً أربعة أعمال. إذاً هناك توازن في تعامله مع أم كلثوم ، ولكن ماذا عن عام 1940؟ نلاحظ لا أعمال، عام 1941 لا أعمال، وهي الفترة التي ظهرت فيها يا لعينيك . في عام 1942 عمل واحد، في عام 1943 لا توجد أعمال، في عام 1944 عملان، في عام 1945 لا توجد، أما في عام 1946 وإذ به عشرة أعمال.

لو أننا نلاحظ الفترة في بدايات الأربعينات، نلاحظ أننا منذ عام 1940 إلى عام 1945 أي ست سنوات، هناك ثلاثة أعمال فقط، وقد يُظَن أن هذا كافٍ، يعني بمعدّل نصف عمل في السنة! لا هذا قليل، ولو قارنّاه مع عام 1946، وعشرة أعمال في عام واحد نكتشف أن بداية الأربعينات شهدت قطيعة واضحة بين أم كلثوم والسنباطي ، ولعلّ قصيدة “يا لعينيك ” كانت أحد الأسباب، ولكن منذ منتصف الأربعينات عادت أم كلثوم تتعامل مع السنباطي ، ولعلّ ذلك كانت له أسباب سنعرض لها لاحقاً.


يتبع : القصبجي وأسمهان والقصائد بين الأصالة والتجديد

الفهرس العام لمجلد أسمهان الإلكتروني

Tagged , , , , , , , , , , . Bookmark the permalink.

Comments are closed.