حياة وفن أسمهان – الفصل الأول – 3 : الحزن الدفين بفعل قسوة الحياة يتسلل إلى خلايا الصوت فيغير شخصيته

شعار كتاب الأغاني الثاني

حياة وفن أسمهان – الفصل الأول – 2

أسمهان 2الكتاب المسموع : حياة وفن أسمهان
الفصل الأول – القسم الثالث
الحزن الدفين بفعل قسوة الحياة يتسلل إلى خلايا الصوت فيغير شخصيته


التسجيل الصوتي للاستماع المتزامن مع قراءة النص :


من الأسلوب الكلثومي في الغناء إلى أسلوبٍ نادرٍ .. عنوانه الحزن والشجن

أم كلثوم الواثقة

أم كلثوم الواثقة

هذا الأسلوب في شخصية الصوت الواثقة أثناء الأداء ابتدعته السيدة أم كلثوم في الغناء العربي، وقد قلّدتها أسمهان، وأعتقد أن شخصية صوت السيدة أم كلثوم الواثقة هي انعكاس لشخصيتها الحقيقية ، فقد كانت السيدة أم كلثوم واثقة من نفسها، وانعكس ذلك في أسلوب أدائها، وفي شخصية صوتها، وقلَّدتها أسمهان التي كانت أو كان يتكوّن صوتها في رعاية كبار الملحِّنين.. كبار ملحني السيدة أم كلثوم، وهم القصبجي، زكريا أحمد، فريد غصن، وداوود حسني الذي دعاها ” أسمهان “. هؤلاء جميعاً هم الذين رعوا أسمهان، وهم الذين قرّبوا أسمهان في شخصية صوتها من تقليد شخصية صوت أم كلثوم.

لا يزال هذا الموضوع غير واضح…! أعتقد أن اللغة أحياناً تقصر عن التعبير. ماذا لو حاولت أن أوضح أكثر عبر الوثيقة الصوتية، عبر الغناء، عبر الموسيقى؟

نلاحظ الآن في ما سنستمع إليه، وفي ما قدّمته أسمهان في مرحلة لاحقة، بعد أن كبرت ونضجت تغيّراً في صوتها. عندما ستؤدي الآن ” ساعة هنا ” هذا المقطع الذي سنستمع إليه، سنجد أن شخصية الصوت لم تعد تلك الشخصية الواثقة، هناك جديد. لنستمع، ثم أفصِّل.


(قطع إلى أغنية ليالي الأنس في فيينا لـ أسمهان)

ساعة هنا.. لو تصفى لك.. تنسى معاها الكون كلّه..

إيه اللي رايح يبقى لك من النعيم ده غير ظلّه

 ألم تلاحظوا معي أن شخصية صوت أسمهان قد تغيّرت، من شخصية واثقة واضحة قادرة، يظهر فيها الأداء المتمكِّن الواضح، مثلما السيدة أم كلثوم، إلى شخصية صوت يداخلها الشجن والحزن الدفين، وهو ما افتقده صوت أم كلثوم. لقد بقي صوت السيدة أم كلثوم حتى آخر يوم في حياتها واضحاً واثقاً قادراً متمكناً. أما شخصية صوت أسمهان فقد داخلها ذلك الحزن، ذلك الشجن، مثلما داخل شخصية صوت شقيقها فريد الأطرش،  بعد وفاتها الفاجعة والمفاجئة.

من أين أتى هذا الحزن؟ من أين أتى هذا الشجن والحزن الدفين؟ إنه يأتي عندما يفتقد الإنسان شيئاً فلا يجده، وليس هناك أي أمل في أن يستعيده. ماذا افتقدت أسمهان؟ ماذا كان لديها وافتقدته، ولم يكن لديها أي أمل في أن تستعيده؟ من أجل أن نحدد ما افتقدته أسمهان وسبّب هذا الشجن والحزن الدفين، لا بدّ أن نعود إلى رواية مسار حياتها، مثلما كنا قبل قليل.


الزواج والعودة إلى سورية – كيف؟؟

أسمهان عند زواجها من الأمير حسن الأطرش عام 1932

أسمهان عند زواجها من الأمير حسن الأطرش عام 1932

عملت أسمهان بسبب ضيق اليد في القاهرة، طبعاً عملت لأن والدتها كانت قد قرّرت ترك زوجها، والإقامة نهائياً في القاهرة مع أولادها فؤاد وفريد وآمال أي أسمهان. عملت أسمهان في صالة بشارع عماد الدين تغني، تغنّي وهي لا تنظر إلى الجمهور الذي كان يتابعها بالكلام المعهود في تلك الأماكن.

كانت أسمهان عندما تُغنّي تعيش الصراع الكبير بين الكبرياء التي ورثتها عن أسرتها الكبيرة العريقة في سورية، وبين ظروف الحياة المادية. على كل حال، وبعد فترة، ونتيجة لاتصالات لا نعرف حقيقتها، هل هو شقيقها فؤاد الذي لم يرضَ عن هذا الواقع، فأعلم الأسرة في سورية، أم إنها الأسرة في سورية التي أرادت التدخل؟ على كل حال، يصل ابن عمّها الأمير حسن الأطرش، وبعد ممانعة والدتها وقبول أسمهان، يعود بها إلى السويداء في سورية، ويتزوجها وتبقى معه ست سنوات كاملة.


الحمل والوليد المنتظر

بعد طول انتظار حملت أسمهان، بعد ست سنوات. قدِمت إلى القاهرة لتلد، لأنها لم تكن تعرف ماذا ستلد، طفلاً ذكراً أم بنتاً! وعندما ولدت بنتاً، ابنتها كاميليا، أعتقد أنها قرّرت أن تبقى في القاهرة وألا تعود. طبعاً الحجة أنها تريد أن تحترف الغناء، ولكن السبب في ما أعتقد أنها كانت تعلم مدى تعلّق زوجها بالطفل الذكر، وكانت العادات والتقاليد، ولا تزال في العالم العربي، تؤكد على الطفل الذكر، وخاصة أن زوجهاكان أميراً في أسرته، إضافة إلى أنها كانت تعلم أيضاً أنه متمسِّك بها، ولن يتركها. إذاً كان عليها هي أن تقرّر أن تترك.

أنا لا أستطيع أن أقطع بهذا، ولكنّ مسحة الشجن والحزن الدفين التي لازمت صوتها، وكما سنرى أن هناك الكثير من أغنياتها التي ستعبّر عن ذلك، أعتقد أنها هنا كانت هي التي اتخذت القرار بعدم العودة. كما أن هناك من أهلها مَن أكّد هذا.


الاستقرار الحزين في القاهرة

على كل حال، عادت أسمهان وقرّرت أن تترك، وهذه حالة شائعة في العالم الاجتماعي في العالم العربي ،  أن تقرّر الزوجة أن تترك زوجها، لأنها لم تقدر، أو لم تستطع أن توفر له الطفل الذكر. عادت إلى القاهرة لتُغنّي، ماذا ستغني؟ رافقتها مسحة الشجن والحزن، لكنها ستُغنّي دوماً عن الفراق الذي فرضه عليها الزمان. ستُغنّي عن حالتها من الهوان التي تعيشها.

في المقطع التالي الذي سنستمع إليه، لنؤكّد على آخر لفظة في الأغنية ..  “الهوان”.. كيف ستصدر عنها تلك الهاء في “الهوان” المشبعة، التي تخرج وكأنها الروح التي تفارق الجسد ، مثلما رافقت هي أو مثلما فارقت هي أسرتها عندما قرّرت أن تعود إلى القاهرة.

(قطع إلى أغنية فرّق ما بيننا الزمان لـ أسمهان)

فرّق ما بينّا ليه الزمان    ده العمر كلّه بعدك هوان

عاهدت قلبي أصون هواك.. مهما تقاسيني أطلب رضاك

واشوف نعيمي ساعة صفاك.. ده العمر كلّه بعدك هوان

ياريت فؤادك يعطف عليَّ وتعود إليّ يا نور عينيّ

وافرح بقربك وانسى الأسيّه.. ده العمر كلّه بعدك هوان

د. سعد الله آغا القلعة

يتبع : حياة وفن أسمهان – الفصل الأول – القسم 4 : أميرة نعود للغناء مجبرة ..

الفهرس العام لمجلد أسمهان الإلكتروني

Tagged , , . Bookmark the permalink.

Comments are closed.