حياة وفن أسمهان – الفصل الأول – 2 : السياسة تتلاعب بأسمهان منذ ولادتها لتصل بها إلى القاهرة عاصمة الغناء فتثبت أهليتها له طفلة

شعار كتاب الأغاني الثانيأسمهان 2الكتاب المسموع : حياة وفن أسمهان

الفصل الأول / القسم الثاني

السياسة تتلاعب بأسمهان منذ ولادتها لتصل بها إلى القاهرة عاصمة الغناء فتثبت أهليتها له طفلة


التسجيل الصوتي للاستماع المتزامن مع قراءة النص :


كيف استطاعت أسمهان أن تؤثر في الغناء العربي كما فعلت؟ كيف تكوَّنَ صوتها وأداؤها لكي تصل إلى هذه التعبيرية الرائعة والاقتدار الهائل؟ لماذا توقفت عن الغناء لسنوات ثم عادت؟ لنتتبّع القصة من بدايتها.

ولادة في خضم أحداث عالمية

كان فهد الأطرش ، والد أسمهان ، أو والد آمال الأطرش، اسمها الأساسي أو اسمها الأصلي، كان حاكماً في قضاء ديمرجي من أعمال إزمير في تركيا أثناء الحكم العثماني، في فترة كان فيها ذلك الحكم يسمح للعرب أحياناً أن يتبّوءوا بعض المناصب الرفيعة حتى في تركيا ذاتها.

مع ترنُّح الحكم العثماني، في نهايات العقد الثاني من القرن العشرين، عاد فهد الأطرش إلى سورية مع عائلته، وعلى باخرة العودة وُلِدت آمال الأطرش . ويُختلَف هل كان ذلك عام 1912 أم 1918 أو 1917! وستساعدنا الوثيقة الصوتية على ترجيح ولادتها في عام 1917. ( تم لاحقاً اعتماد عام 1918 بناء على دراسة متكاملة حول الموضوع )

أسمهان طفلة أحدث

أسمهان في طفولتها

المهم استقرت الأسرة في بيروت، وأصبح فهد الأطرش معتَمَداً لمنطقة جبل العرب السورية لدى السلطات الفرنسية، بعد أن أُخضِعت سورية للانتداب الفرنسي، وأصبح عمله يقتضي منه أن يسافر إلى السويداء، مركز منطقة جبل العرب، أو يعود إلى بيروت حيث استقرّت أسرته الصغيرة.

في عام 1923، وأثناء فعاليات الثورة السورية الكبرى، استطاع سلطان باشا الأطرش الذي كان أحد زعماء الثورة السورية الكبرى، أن يحوز ضمن فعاليات المناوشات … أن يحوز على بعض الرهائن من الفرنسيين. وهنا خشيت الأم، وكان فهد الأطرش في السويداء … الوالد، الأب … خشيت على أطفالها من أن يختطفهم الفرنسيون للتبادل، فعبرت برّ فلسطين إلى القاهرة.


في القاهرة

هناك استقرّت في القاهرة، وكانت ليس لديها مورد، فعملت في خياطة الألبسة النسائية، ثم، ولأن صوتها كان جميلاً، سجّلت بعض الأسطوانات، ممّا سمح لكبار الملحّنين أن يستمعوا إلى صوت ابنتها آمال، التي ستصبح أسمهان في ما بعد، وهنا بدأت رحلة أسمهان مع الغناء.

كيف كانت بداية تلك الرحلة في تلك السنين المبكرة؟


صوت غضٌ يجمع المتضادات

غنّت أسمهان في عام 1932 ثمان أغانٍ، وكان ذلك عبر أسطوانات شركة “كولومبيا” التي كانت إحدى الشركات التي تقدّم اسطوانات في القاهرة، وفي فترة كانت الأسطوانة هي وسيلة نشر الغناء الوحيدة. لم يكن هناك لا إذاعة، ولا سينما ، لنشر الأغاني.

التاريخالأغنيةالشاعرالملحن
1932أسمع البلبل يوسف بدروسمحمد القصبجي
1932أين الليالياسماعيل صبريمحمد القصبجي
1932عاهدني يا قلبيمحمود علي اسماعيل أو أحمد راميزكريا أحمد
1932في يوم ما شوفكيوسف بدروسزكريا أحمد
1932كلمة يا نور العيونيوسف بدروسمحمد القصبجي
1932كنت الأمانييوسف بدروسمحمد القصبجي
1932يا للي بحبك بنيت الأمانييوسف بدروسمحمد القصبجي
1932يا نار فؤادييوسف بدروسفريد غصن

طبعاً .. لنخترّ .. لكي نتعرف على صوت أسمهان ، صوت الصبية آمال الأطرش في تلك الفترة، ولأول مرة .. ليكن ذلك عبر لحن جميل للملحّن اللبناني الذي كان مقيماً في القاهرة فريد غصن ، وكان ذلك اللحن الذي سنتعرف عبره لأول مرة على صوت أسمهان الصبية، إنه طقطوقة يا نار فؤادي التي لحّنها فريد غصن وقدّمتها أسمهان في عام 1932.

(قطع إلى طقطوقة يا نار فؤادي لـ أسمهان )
يا نار فؤادي ونور عينيَّ
كفاية ع القلب الأسية
يا نار فؤادي ونور عينيَّ
عينيَّ ترضخ بالدلال
ما دام تشاهد في الجمال
و لو بخلتي بالوصال
فؤادي يشكي من عينيَّ
يا نار فؤادي
كفاية ع القلب الأسية


غضٌ نعم .. ولكنه متمكن في صنعة الغناء الأصيل

أسمهان صبية

أسمهان صبية

لنبدأ بتحليل صوت أسمهان في بداياتها. طبعاً الصوت الذي استمعنا إليه صوت غض، ويدلّ على أن أسمهان كانت في سن حوالي أربعة عشر عاماً خمسة عشر عاماً، أي أن ولادتها كانت حوالي 1917 – 1918، لأن هذه الأسطوانة سُجِّلت في عام 1932. والواقع أن هذه الطبيعة التي استمعنا إليها موجودة في الأسطوانات التي سُجِّلت في ذلك العام جميعها، ممّا لا يتيح لنا أبداً أن نظن أن هذه الطبيعة أتت من تسريع الأسطوانة .. أبداً. هذه الطبيعة موجودة في جميع الأسطوانات.

إذاً، هذا يدل على صغر سن أسمهان ، وللدلالة أكثر على أن فعلاً سنّها كانت صغيرة فعلاً، لندقِّق أكثر ولنختَر من نفس أو من ذات العمل الغنائي الذي استمعنا إليه : طقطوقة يا نار فؤادي مقطعاً حاداً، لأن حدّة الصوت هي طبيعة متصلة بصغر السن. لنستمع إلى المقطع الثاني، يتبين منه أن … فعلاً صوت أسمهان في تلك الفترة كان صوتاً غضّاً لم يتكوّن بعد، كان صوتاً لصبية صغيرة.


(قطع إلى طقطوقة يا نار فؤادي لـ أسمهان )
يا ريت تجافيكي العيون
واريَّح القلب الحزين
واللا أشوف قلبك حنون
كفاية عَ القلب الأسية
يا نار فؤادي

الصوت الذي استمعنا إليه الآن فعلاً صوت غضّ، ولكن أسلوب الأداء فيه يُظهِر تمكُّناً من صنعة الغناء الأصيل، وأعتقد أن لأمها، علياء المنذر ، دوراً كبيراً في هذا، لأنها كانت ذات صوت جميل. على كل حال، لكي ندقق في موضوع الأداء، ماذا..؟ ماذا أعني بصنعة الغناء الأصيل؟ ..


الغناء الأصيل

زكريا أحمد

زكريا أحمد

مدرسة الغناء الأصيل، أو أسلوب الغناء الأصيل القديم يعتمد على ترجيف الصوت… لكي أُظهر ذلك لأختر مثلاً طقطوقة عاهدني يا قلبي من ألحان زكريا أحمد ، التي .. طبعاً أسلوب زكريا أحمد في الغناء يعتمد على المدرسة القديمة وترجيف الصوت. لذلك سأختار عملاً له. زكريا أحمد موجود مع المجموعة الغنائية المرافقة لـ أسمهان في هذا الغناء.

لندقّق في نهاية المقطع الذي سنستمع إليه، المقطع الأول منه، أو بداياته عند عبارة “عاهدني يا قلبي”، وكلمة “يا قلبي” فيها ترجيف للصوت لـ أسمهان ، ثم تأتي المجموعة الذين أتصوّرهم الآن من المخضرمين الذين تتجاوز أعمارهم الستين عاماً، ومعهم هذه الطفلة الصغيرة ذات الأربعة عشر عاماً، تغنّي بذات الأسلوب. أتصوّرهم يتعجّبون من هذه الصبية كيف تستطيع أن ترجِّف صوتها تماماً كما يرجِّفون صوتهم في ختام المقطع مع “عاهدني يا قلبي”، ذات الترجيف يُظهِر صوتاً غضاً صحيح، ولكن بأسلوب متمكِّن في أداء مدرسة نهايات القرن التاسع عشر.


(قطع إلى طقطوقة عاهدني يا قلبي لـ أسمهان )
عاهدني يا قلبي وانتِ يا عيني احلفي
لا عمرك تخبي ولا في عهدك تخلفي
عاهدني يا قلبي
افتكري سهدك ودموع الأسية والهوان اللي احتملته
وراعِ عهـدك وكونـي وفيـة ده الحنان عمري ما شفته
أمانة يا عينيَّ احلفي وأوعي بعهدك تخلفي
انتي وقلبي

إذاً استطاعت أسمهان وهي في تلك السن المبكرة أن تؤدي أسلوب الغناء القديم، ترجيف الصوت والجملة اللحنية القصيرة. وهذا الأسلوب كان شائعاً أكثر في غناء القصائد والموشحات والأدوار والطقاطيق . ولكن ماذا عن المونولوج الرومانسي الذي ابتدعه القصبجي في العشرينات من هذا القرن؟


وكذلك في الغناء الرومنسي

محمد القصبجي

محمد القصبجي

المونولوج الرومانسي ، الجملة اللحنية فيه مختلفة. لا يوجد ترجيف للصوت، جملة لحنية بالعكس ممتدّة امتدادات صوتية لإبراز جمال الصوت … رومانسياً أقصد .. جملة لحنية طويلة. إذاً باختصار أسلوب أداء آخر.

هل استطاعت أسمهان أن تؤدي هذا الأسلوب المختلف؟ لكي ندقق ذلك سأختار الآن مقطعاً من مونولوج للقصبجي ، هو مونولوج كنت الأماني الذي غنّته أسمهان أيضاً في عام 1932.

في هذا المونولوج ، العبارات الغنائية، الكلمات .. مختلفة، وقد اختار القصبجي أن يُلحّن جزءاً منه على أسلوب المدرسة القديمة، وجزءاً على أسلوب المدرسة الحديثة. عند عبارات مثل … مثلاً “يا محلى شكوانا” … الشكوى ، أو “دموعي” … الدموع، أو … “الغرام”، هذه عبارات كانت شائعة في بدايات القرن العشرين، فيرجِّف لها الصوت، أو يطلب من أسمهان ذلك، وعندما تأتي عبارات مثل “إنت الأمان” ..الأمان “وحي الخيال” .. الخيال، امتدادات صوتية، ولكن العبارات تُعبّر عن رومانسية: “إنت الأمان” “وحي الخيال” “عذب الجمال” “شفتك يا روحي” “متّعت عيني”. إذاً هنا نلاحظ عند هذه الامتدادات الصوتية، تؤدي أسمهان أسلوب أداء مختلف، وهكذا يبرز أنها استطاعت أن تحقّق تكامل الأداءين المختلفين في أغنية واحدة كما أراد القصبجي ، حسب اختلاف العبارات، وحسب اختلاف الامتدادات الصوتية في اللحن، وكانت لا تزال في سن مبكرة.


(قطع إلى مونولوج كنت الأماني لـ أسمهان )
يا محلى شكوانا الغرام ما هو لما تحكيلي ف غرامك
وتقول دموعي في اجتماعنا وتسمع الرد ف كلامك
إنتِ الأمان.. وحي الخيال.. عذب الجمال
شفتك ياروحي ومتّعت عيني


بدايات كلثومية

جميل!.. نصل الآن إذاً إلى تحليل شخصية صوت أسمهان . أعتقد أنها في تلك الفترة … كانت شخصية أدائها متأثّرة بشخصية صوت السيدة أم كلثوم .

ولندقّق في ذلك لنستمع الآن إلى مونولوج إن كنت اسامح وانسى الأسيّة الذي لحّنه محمد القصبجي للسيدة أم كلثوم في عام 1928، وكان حدثاً في زمانه لأنّه بيع منه ربع مليون نسخة من أسطواناته، وكان هذا لأول مرة في تاريخ الغناء العربي. لنستمع أولاً إلى السيدة أم كلثوم ثم لنقارن مع شخصية صوت أسمهان في مونولوج آخر لحّنه القصبجي لـ أسمهان في عام 1932، لنقارن في شخصية الصوت بين أم كلثوم و أسمهان . لنستمع أولاً إلى السيدة أم كلثوم .

(قطع إلى إن كنت اسامح وانسى الأسية لـ أم كلثوم )
إن كنت اسامح وانسى الأسية
ما اخلصش عمري من لوم عينيَّ
دبّل جفونها.. كتر النواح
فاضت شجونها ونومها راح
تقولي إنس واشفق عليَّ
واجي أنسى يصعب عليَّ

أم كلثوم الواثقة

أم كلثوم الواثقة

ألم تلاحظوا معي شخصية صوت السيدة أم كلثوم الواثقة وهي تؤدّي؟ لنقارنها مع شخصية صوت أسمهان في مونولوج ياللي بحبك بنيت الأماني الذي قدّمتْه عام 1932 مع القصبجي أيضاً.

طبعاً المقارنة هنا مع فارق السن والخبرة وطبيعة الصوت. أنا لا أقارن أسمهان بـ أم كلثوم ، أنا أقارن شخصية الصوت الواثقة لدى أم كلثوم و أسمهان .

لم أعنِ بعد ولم أوضِّح بعد ما عنيت بالشخصية..؟! طيب … لنتابع المقارنة لنستمع إلى أسمهان ثم أوضِّح ما أعنيه لو سمحتم.


(قطع إلى مونولوج ياللي بحبك لـ أسمهان )
سقاني غرامه وطوِّل بكاي
وفاضت دموعي وتشهد عينيَّ
أبوح له بحبي يعاند معاي
وكانت دموعي عزيزة عليَّ
فؤادي بإيدي أنا اللي كويته 

د. سعد الله آغا القلعة

يتبع : حياة وفن أسمهان – الفصل الأول – 3

الفهرس العام لمجلد أسمهان الإلكتروني

Tagged , , . Bookmark the permalink.

Comments are closed.