كيف تشكلت شخصية عبد الحليم حافظ الغنائية -1: ياللي إنتِ نجوى ف خيالي ألحان مكتشفه عبد الحميد توفيق زكي!

شعار كتاب الأغاني الثاني

لم يكن حضور عبد الحليم حافظ على الساحة الغنائية ، في فترة النهضة الموسيقية العربية ، عابراً ، بل كان مؤثراً على صُعدٍ عديدة ، إذ رسم ملامح ذكريات أبناء جيله الفرحة والحزينة ، وحرَّض فيهم الحماس أحياناً ، والدموع أحياناً أخرى ..

ولكن : كيف تشكلت شخصية عبد الحليم حافظ الغنائية ؟

هناك عناصر عديدة تؤثر في تشكيل الشخصية الغنائية لصوت جديد ، على كل ملحن أن يدرسها ، وتتركز أساساً في طبيعة الصوت ، و مساحته ، ومناطق الجمال على طول تلك المساحة ، وكذلك في مدى قدرة المغني على الالتزام بالطبقة الموسيقية ، وعدم الخروج عنها ، وعلى إبراز العُرب الشرقية ، وعلى فهمه للمقامات الموسيقية ، ومتطلبات التنقل عبرها ، إضافة إلى طبيعة التعبير العفوي عن المعاني ، التي تبرز أثناء أدائه لأغانٍ سبق أن غناها غيره ، و كذلك عناصر أخرى يخرج شرحها عن المجال.. عندما يحدد الملحن هذه العناصر ،  فإنه يبدأ في البحث عن نص يلائم هذا الصوت ، و صاحبه ، من حيث المضمون ، ثم يسعى لوضع ملامح اللحن الذي يناسب ذلك النص ، وذلك الصوت ، وصاحبه.. وطبعاً لايتم هذا بين يوم وليلة ، وقد يقتضي عدة ألحان حتى تستقر الشخصية الغنائية المطلوبة ..

من أجل البحث عن مراحل تشكل الشخصي الغنائية عند عبد الحليم كان لابد من العودة إلى بداياته ، والأغاني التي غابت عنها الأضواء ، لأن باقي الأغاني جاءت بعد أن استقرت شخصيته الغنائية  ،  علماً بأن له عدداً من الأغاني التي جافتها الشهرة ، رغم مستواها اللائق ، بسيرة فنان كبير كعبد الحليم حافظ ، جاءت في أغلبها لملحنين مغمورين ، و تركزت في الفترة التي شهدت بدايات صعوده على سلم الشهرة والأضواء . سأتوقف أولاً عند مكتشفه الحقيقي : الأخ والصديق الراحل عبد الحميد توفيق زكي ، للنظر في مدى سعيه لوضع شخصية غنائية لحنية خاصة بعبد الحليم.

بدأ عبد الحليم ” شبانة ” دراسته الموسيقى في المعهد العالي للفنون المسرحية حوالي العام 1946 ، بسعي من أخيه المطرب اسماعيل شبانة ، لدى المشرفين على المعهد ، ومنهم عبد الحميد توفيق زكي ، ومحمد حسن الشجاعي ، حيث تعلم العزف على آلة الأوبوا ، ثم بدأ بالمشاركة بالعزف في فرقة الأنغام الذهبية عام 1948 ، بقيادة الأستاذ عبد الحميد توفيق زكي.

كان توفيق زكي مشرفاً على ركن الأناشيد والأغاني الخفيفة في الإذاعة المصرية وكان اسماعيل شبانة يشارك معه في الغناء ، إلى جانب أصوات أخرى .
أسمع عبد الحليم صوته لعبد الحميد توفيق زكي فاقتنع به . كان الركن يبث أحياناً على الهواء وأحياناً يطبع على أسطوانة ليبث لاحقاً ، وكان مسموحاً لمشرف الركن ، أن يُشرك أصواتاً ضمن فرقته أثناء البث ، ولو في الأداء الفردي ، دون أن تكون تلك الأصوات قد أُقرَّت من لجنة الاستماع في الإذاعة ، بحسبان أن الركن للأغاني الخفيفة والأناشيد ، وكذلك ثقةً بخبرة عبد الحميد توفيق زكي .

أثناء التحضير لبثٍ على الهواء ، لأغنية كان كتبها المخرج الراحل حسن الإمام : يا سلام – ياللي حبِّك في فؤادي ، وكان من المقرر أن يغنيها كارم محمود ، ولكنه تأخر عن ساعة البث على الهواء ، فطلب عبد الحميد توفيق زكي من عبد الحليم ، أن يغني الأغنية ، فكانت أول أغنية غنَاها عبد الحليم ، إلا أنها للأسف لم تسجل !

بدأ الأستاذ عبد الحميد زكي يلحن خصيصاً لعبد الحليم شبانة ، فوضع له أغنية : ياللي إنتي نجوى في خيالي ، التي نتابعها اليوم ، والتي أعتبرها تلخص بداية مسار عبد الحليم شبانة مع الأستاذ عبد الحميد توفيق زكي الذي يتبع ، مع مدحت عاصم وغيره ، المدرسة الموسيقية الغربية المطعمة بالأساليب العربية .. ولما كانت الأغنية مسجلة صوتياً فقد وضعت لها كالعادة مشاهد تروي مسيرة عبد الحليم!

الأغنية تبرز أن التعبير في غناء عبد الحليم كان قد تأسسس في سنٍّ مبكرة .. ولعل ذلك أتى بفعل مآسي حياته في طفولته.. وترسخ بفعل المرض الذي غلّف حياته بمشاعر متضاربة بين أحلام الشباب والخشية من المستقبل.. كما تبرز أن عبد الحميد توفيق زكي لم يسعَ لتشكيل شخصية غنائية خاصة بعبد الحليم ، إذ تأثر في وضع لحن هذا التانغو ، بتانغو يازهرة في خيالي ، لفريد الأطرش ، الذي كان شاع وانتشر قبل تسجيل هذه الأغنية بسنتين على الأقل.

لنتابع الآن أغنية يا للي إنتِ نجوى ف خيالي

د. سعد الله آغا القلعة

Tagged . Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading