الأصيل الذهبي لعبد الحليم حافظ والأوركسترا : عندما ذهب الغناء العربي ، في تمثُله لأجواء الأعمال الأوركسترالية ، نحو الحدود القصوى!

شعار كتاب الأغاني الثاني

تُعدُّ أغنية الأصيل الذهبي ، من كلمات عبد الرحمن الخميسي ، و ألحان عبد الحميد توفيق زكي ،  بين الأغاني الأولى التي غناها عبد الحليم منتصف عام 1951 . ولكن العمل هنا مسجلٌ مع أوركسترا القاهرة السمفوني ، ما يشي بأنه تم إعادة تسجيلها لاحقاً ، لأن عبد الحليم لم يكن ، في منتصف عام 1951 قد أصبح مطرباً مشهوراً ، لدرجة أن يسجل أغانيه مع أوركسترا القاهرة السمفوني ، ولكن توثيق الأغنية على أنها من أغاني البدايات هامٌ ، لما ستشكله هذه الأغنية من اندماج للغناء العربي في الأعمال الأوركسنرالية في أقصى درجة ممكنة!

العمل بني على قالب قريب من قالب الكونشيرتو الكلاسيكي الغربي ، حيث يتشكل القالب من أداء فردي لآلة موسيقية كالكمان أو البيانو، بمرافقة الأوركسترا ، ويسمى عندها كونشيرتو البيانو ، أو كونشيرتو الكمان ، بمصاحبة الأوركسترا . في هذه الأغنية يقوم عبد الحليم بدور الآلة الفردية غناءاً ، كما آلات التشيللو والكلارينيت والبيانو والكمان ، التي تنفرد أيضاً ، إذ تحيط الأوركسترا بصوته ، كما تحيط بالآلات الموسيقية لدى انفرادها في الكونشيرتو الكلاسيكية الغربية .
تبدأ الأغنية بلحن هادئ تؤديه الأوركسترا على مقام العجم ( ري ماجور ) ، في توافق للأصوات الموسيقية ( هارموني ) ، تؤديه محتلف آلات الأوركسترا ، يولِّد نبضات اللحن ، و تلوينات ساعة الأصيل ، حيث يرسم النص غياب الشمس التي تنثر ألوانها الذهبية في السماء .
يمتد هذا اللحن ، مع انفراد لآلتي التشيللو و الكلارينيت ، على مدى 2:39 ثانية ، وهي مدة طويلة كمقدمة موسيقية ، لأغنية تمتد على مدى 8:45 ثانية ، ما يعكس الأهمية التي أعطيت لدور الأوركسترا .. ثم يأتي غناء عبد الحليم هادئاً معبراً ، مع امتدادات صوتية ، في الأسلوب الكلاسيكي الغربي .
بعد انتهاء هذا المشهد الغنائي الأول ، تدخل الأوركسترا في الدقيقة 4:34 في لحن على إيقاع الفالس ، تولده نبضات اللحن لا آلات الإيقاع ، للتعبير عن الكلمات التي تتغنى بالحب .
في الدقيقة 6:22 تنفرد آلة الكمان مع البيانو ، في استعادة للحن الهادئ ، لمدة دقيقة كاملة ، وهي مدة طويلة نسبياً ، قبل الدخول مجدداً في الغناء لاختتام الأغنية . نلاحظ أن العمل الغنائي كان فيه تكرار للحن جملة ” فيغني الزرع والطير على الوادي الخصيب” ، ما يريح الأذن بعد هذه الجمل اللحنية الهادئة.
العمل بمجمله رومنسي هادئ ومعبر ، وهو يشكل أقصى ما يمكن للتيار الموسيقي الكلاسيكي الغربي أن يصل إليه ، مع غناء باللغة العربية ، إذ أن الأعمال الغنائية الأخرى التي وظفت الأوركسترا قبيل تلك الفترة ، كما أوبريت قيس وليلى لعبد الوهاب ، أو نويت أداري آلامي ، لأسمهان ، و كذلك أوبريت انتصار الشباب وأغنيتي حبيب العمر و لحن الخلود لفريد الأطرش ، كانت توظف الأوركسترا في الغناء العربي ، أما هنا فقد ذهب الغناء العربي نحو الأوركسترا ، واندمج في أجوائها التعبيرية الهادئة.

د. سعد الله آغا القلعة

Bookmark the permalink.

Comments are closed.