لحَّن لفيروز : سليم الحلو ملحن لبناني أسهم في مد جسور غناء الموشحات من حلب إلى لبنان .. قبل أن تتلاشى ملامحه

شعار كتاب الأغاني الثاني

الغناء في لبنان : صورة جديدة أخفت ما قبلها

تغلب على الغناء في لبنان ، في فترة نهوضه بين الخمسينيات والسبعينيات وما تلا ذلك ،  لوحة  محددة ، تشارك في رسم ألوانها المتناسقة الجديدة فنانون كبار ، كالأخوين رحباني ، وفيروز ، ووديع الصافي ، وصباح ، و زكي ناصيف ، وحليم الرومي ، والقائمة طويلة. ولكن هذه الصورة أخفت ما قبلها من صور أخرى ، كانت سائدة في بيروت ، و كانت ركزت على محاور مختلفة ، بتأثير من مراكز أخرى للغناء ، سبقت تشكل مركز بيروت الموسيقي ، وأعني بذلك ما كان سائداً في مركزي القاهرة وحلب .

أتوقف اليوم عند  الموشحات الأندلسية ، التي تركزت في حلب طويلاً ، ثم امتدت تأثيراتها إلى بيروت ، رغم أفول نجمها في مصر ، مع رائد هام لهذا المحور لبنانياً ، وهو سليم الحلو.


سليم الحلو والموشحات الأندلسية بحثاً وتلحيناً 

سليم الحلوولد سليم الحلو عام  1893 وعاصر فترة النهضة الموسيقية في لبنان ، إذ توفي عام 1979 ، وهو موسيقي  وملحن كلاسيكي وشاعر وباحث موسيقي  لبناني  ،  درس الموسيقى العربية في لبنان ومصر وفلسطين وإيطاليا ، و عمل في إذاعة القدس بين عامي 1936 و 1938 ، ثم أسهم في تأسيس إذاعة لبنان ( راديو الشرق ) ، وترأس فرقتها الموسيقية ، فيما درّس آلة العود والغناء في المعهد الموسيقي الوطني ببيروت منذ تأسيسه عام 1943.

ركز سليم الحلو جهوده على محور الموشحات الأندلسية فوضع في عام 1965 كتاباً بعنوان : الموشحات الأندلسية ، مقتفياً في ذلك أثر كتاب ” من كنوزنا ” ، للدكتور فؤاد رجائي آغا القلعة ، الذي كان نُشر عام 1955 في حلب ، إلى جانب نشره لكتب أخرى وهي ” تاريخ الموسيقى الشرقية ” و ” الموسيقى النظرية  ” و ” دراسة العزف على آلة العود” . بحث الأستاذ سليم الحلو في كتابه عن الموشحات الأندلسية في تطور الغناء العربي ، منذ العصر الجاهلي حتى العهد الأندلسي ، مروراً بالفترات الأموية والعباسية ، مع تدوين وصلات من الموشحات الأندلسية ، ونشر كلماتها وإيقاعاتها.


ضمَّن سليم الحلو كتابه 20 موشحاً من تلحينه ، مبرزاً اعتماده في ألحانه على أساسيات الموسيقى الشرقية الأصيلة الكلاسيكية والمقامات الشرقية ، و منها موشحات : «هاتها من ثغرك المعسول»،  و «يا ليل رفقاً بي»، و«يا حبيبي دع كلام العاذلين»  و «تبسّم عن شتيتٍ كاللآلي نظاماً» .


وتعليماً في المعهد الموسيقي طبعاً ولكن أيضاً في الإذاعة 

كانت الإذاعات العربية في بداياتها ، تعتبر معهداً موسيقياً للمطربين ، الذين يُقبَلون للأداء الغنائي فيها ، في محاور متعددة ، حيث كان يقوم بالتعليم في الإذاعات ، الملحنون المخضرمون ، أعضاء لجان الاستماع . لم تخالف الإذاعة اللبنانية في نشأتها هذا التقليد ، إذ أنها مع إنشائها ، الذي تزامن مع تفتح بذور الموسيقى اللبنانية ، على أيدي كل من نقولا المنى وسامي الصيداوي وسليم الحلو ووديع صبرا ويحيى اللبابيدي ومتري المرّ والأخوين فليفل واسكندر شلفون ، ركزت على تعليم الأصوات الجديدة أصول الغناء ، وخاصة من خلال كل من سليم الحلو وميشال خياط .

تخصص سليم الحلو ، في تعليم الأصوات الجديدة القادمة إلى الإذاعة الموشحات وأساليب الغناء العربي الكلاسيكي الأصيل ، ومنهم وديع الصافي ، ولورد دكاش ،  وآخرون . كان يلحن الموشحات والقصائد ، فيغنيها المطربون ، و كان يستخدم المسابقات ، لتحريض المطربين على التنافس ، في الغوص في أساليب الغناء العربي الكلاسيكي ، ومن تلك المسابقات ما شارك فيها كل من وديع الصافي وصابر الصفح ومصطفى كريدية ، الذين تنافسوا في أداء ألحانه ، وفاز فيها وديع الصافي بالمركز الأول.

لم يغفل القوالب الكلاسيكية الأخرى

غنى من ألحان سليم الحلو وكلماته ، في قوالب الغناء العربي الكلاسيكي الأخرى ، كثير من المغنين ، ومنهم : نازك في قصيدة :  يا عاقد الحاجبين  ، من كلمات الأخطل الصغير ، و وديع الصافي في قصيدة : هللّي يا رياح ،  من كلمات ميخائيل نعيمة ، و مغناة أم البنين ، التي أتت من  كلمات شبلي الملاّط  وغناء كل من لور دكّاش و سعاد هاشم ووديع الصافي ، ومن أشهر ما لحن أغنيتين لنور الهدى : «جمالك يا ضيا عيني»  و « أحبك لسـت أدري» .

سليم الحلو وفيروز

كانت لفيروز فرصة تعلم الغناء في المعهد الموسيقي الوطني ، على يد العديد من الأساتذة ، ومنهم سليم الحلو ، الذي تابعت معه أيضاً لدى دخولها الإذاعة ، فكان إلى جانب كل من محمد فليفل وخالد أبو النصر وحليم الرومي ، من أهم من أثَّروا في بناء خبرتها الغنائية  ، الناجمة عن تنوع مشارب هؤلاء الملحنين ، ما مهد لها أن تستجيب للشخصية الغنائية المتنوعة ، التي برزت لاحقاً في أعمالها الغنائية ، وصُقلت على يد الأخوين رحباني.

لحن سليم الحلو لفيروز ، في بداية الخمسينات ، قصيدة ” نحن سرٌ في الليالي” ، من نظم صلاح الدين اللبابيدي ، معتمداً أسلوبه التلحيني الكلاسيكي ،  فأدتها باقتدار .

أسهمت فيروز ، مع الأخوين رحباني ، ثم مع الملحن السوري محمد محسن ، في الإبقاء على ملامح الموشحات الأندلسية في غنائها ، ولا يزال هناك من يؤدي الموشحات الأندلسية في لبنان ، في غياب شبه تام  للتركيز الإعلامي اللازم على أعمالهم.

د. سعد الله آغا القلعة

ملاحظة لاحقة للنشر :

لدى نشر هذا المقال على صفحتي على فيس بوك تردد الأستاذ يوسف رمضان في قبول أن تسجيل أغنية ” نحن سر في الليالي ” بصوت السيدة فيروز ، وكانت إجابتي كالتالي ، وأنشرها لأهمية الملاحظة والإجابة:

ملاحظة دقيقة .. في الواقع كنت أشك في أن تكون السيدة فيروز هي التي أدت الأغنية حسب بداية التسجيل ، ولكن إن تتبعنا التسجيل لنهايته ، نجد أن طبيعة الصوت تتغير لتعود إلى طبيعة صوت السيدة فيروز ، وتفسيري كان بأنها في البداية نفذت توجيهات الأستاذ سليم الحلو في إطلاق الصوت وفق الأسلوب الكلاسيكي ، أما في نهاية التسجيل فقد عادت إلى طبيعة أدائها التي سادت لاحقاً .. وهذا كان قادني إلى نتائج جديدة تماماً حول جذور أسلوبها الغنائي المتميز .. على كل حال .. ولما كنت أنشر فقط ملخصات عن دراستي التفصيلية للسيدة فيروز فقد أغفلت هذا التفصيل .. وشكراً لكم على ملاحظتكم الدقيقة..

Tagged , , , , , , . Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading