فيروز وعاصي ومنصور رحباني

شعار كتاب الأغاني الثاني

 

فيروز وعاصي ومنصور

عاصي ومنصور رحباني

ولد عاصي رحباني في بلدة  أنطلياس بلبنان في 4 أيار / مايو عام 1923 و في عام 1925 ولد شقيقه الأصغر منصور رحباني . كان والدهما مولعاً بالشعر والموسيقى يحفظ قصائد عنترة، وكان الولدان في طفولتهما  يسترقان السمع إلى الوالد عندما يعزف على “البزق” ويلقي قصائد الشعر ويستمعان إلى أسطوانات سيد درويش ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم.

أسس عاصي في عام 1937 مجلة اسمها “الحرشاية” . كان يكتبها بخط يده باللغة العربية الفصحى أو بالعامية اللبنانية ويوقع كل مادة من موادها باسم مختلف ويذهب في نهاية الأسبوع ليقرأها من بيت لبيت. في عام 1938 اقتنى عاصي آلة موسيقية لأول مرة في حياته  و  نتيجة لظروف العائلة المادية أضطر عاصي إلى الالتحاق بسلك الشرطة في أنطلياس عام 1942 وتبعه شقيقه منصور ، ولكنهما تابعا دراسة الموسيقى على يد الأستاذ “برتران روبيار” وتعلما من خلاله أصول الموسيقى الغربية ، فيما تلقى عاصي ومنصور أصول وقواعد الموسيقى العربية على يد الأب بولس الأشقر ، و تعرفا لاحقاً  إلى زكي ناصيف وتوفيق الباشا و فيلمون وهبة (الذي لحن فيما بعد العشرات من الأغاني الناجحة لفيروز من كلمات عاصي ومنصور الرحباني ) والملحن حليم الرومي كما تعرفا أثناء الدراسة إلى المخرج صبري الشريف الذي أخرج فيما بعد أغلب مسرحياتهما الغنائية.

في عام 1947م دخل عاصي الإذاعة اللبنانية كعازف كمان، وبعد ذلك بدأ يقدم 16 لحناً كل شهر مثل “حكاية القرية” وغيرها.
في تلك الفترة بدأ عاصي يروي لأخيه منصور أخباراً غريبة عن أناس لا يكبرون وعن عالم تسوده العدالة ويعيش فيه الناس بمحبة وطيبة . كان الأخوان يحلمان بمسرح يزاوج بين الكلمة والأغنية، وهو الحلم الذي تحقق في ما بعد في المسرح الغنائي الذي أطلقاه في الخمسينات ، ولكنهما في تلك الفترة اكتفيا بإطلاق الألحان الإذاعية القصيرة تغنيها أختهما سلوى في زمن كان يعتمد على الأغاني الطويلة مما دعا إذاعتا الشرق الأدنى ودمشق لإذاعة أعمالهما.

كان هم الرحبانيان في تلك المرحلة خلق موسيقا لبنانية ذات هوية واضحة. لذلك بدءا من الصفر, عادا إلى الفولكلور, إلى الماضي, وأخذا بعض الأغنيات وأعادا توزيعها دون تغيير بالكلام, في مرحلة لاحقة صارا يخلطان الألحان الفولكلورية بعضها ببعض, مثلاً ‘أبو الزلف’ و ‘الدلعونا’ مع ‘عالماني الماني’ في أغنية واحدة مع كلام مع تأليفهما, مما أوقع البعض في الالتباس, حيث ظنوا أن الكلام هو في الأساس قديم, بينما هو رحباني صرف.

فيروز

ولدت فيروز / نهاد وديع حداد /  عام 1935 في إحدى قرى قضاء الشوف في لبنان ثم انتقلت عائلتها إلى بيروت . بدأت عملها الفني في عام 1950 كمرددة ضمن فريق الغناء في الإذاعة اللبنانية عندما اكتشف صوتها الموسيقي محمد فليفل وضمها لفريقه الذي كان ينشد الأغاني الوطنية.

وفي عام 1951 تعرف عاصي على فيروز من خلال حليم الرومي وكان عمرها 15 سنة و  لحن لها أول أغنية بعنوان “غروب” وبدأ بذلك مسارهم المشترك.

الأخوان رحباني وفيروز

اتجه الرحبانيان في المرحلة التالية إلى أخذ مقاطع من الموسيقا الغربية الراقصة السائدة ويضعان لها كلاماً لبنانياً وتوزيعاً موسيقياً جديداً, دون ادعاء بأنها لهما, بل كانا يقولان أنها مقتبسة ومعرّبة ، كما وضعا إيقاعات راقصة لأغانٍ فولكلورية مثل: ‘يا مايلة عالغصون’ و’البنت الشلبية’.

بالنسبة للشعر, بدءا بكتابة القصيدة القصيرة المختصرة, التي لا تتجاوز مدة غنائها بضعة دقائق, مثل ‘لملت ذكرى لقاء الأمس’ و’سنرجع يوماً’, أما بالنسبة للموشحات التي وجدا أنها انقرضت أو كادت, فقد جمعاها وأعادا إحياءها من جديد, وعملا لها توزيعاً موسيقياً جديداً, وزادا على كلماتها, وكان استقبال الناس لها عظيماً, ثم صارا يؤلفان موشحات خاصة بهما.

في عام 1952 كتب ولحن الأخوان رحباني أغنية “عتاب” لفيروز وسجلاها في إذاعة دمشق بعد أن تعرفوا جميعاً على أحمد عسة مدير إذاعة دمشق والذي فتح لهم أبواب الإذاعة على مصراعيها لتنطلق مع هذه الأغنية شهرة الأخوين رحباني مع فيروز.

في عام 1955 تزوج عاصي من فيروز. ثم سافر الأخوان رحباني مع فيروز إلى القاهرة وهناك ألفا أهم أعمالهما بعنوان “راجعون”لمصلحة إذاعة صوت العرب.

في عام 1957 أنجب عاصي وفيروز ابنهما البكر زياد وفي نفس العام دشنت فيروز ” مهرجانات بعلبك الدولية ” حيث قدمت من ألحان الأخوين رحباني مسرحيتها الغنائية الأولى ” أيام الحصاد  ” وتتالت الأعمال فقدم الرحابنة مع فيروز في ­ 1959 مسرحية “عرس في القرية” (بعلبك) وقد اشترك الرحبانيون بقسم منها وتولى القسم الآخر زكي ناصيف وتوفيق الباشا ومحمد محسن . كان القسم الذي قدمه الرحبانيون مع فيروز ووديع الصافي عبارة عن قصة بعنوان ” المحاكمة ” تخللتها أغنيات منها ، “أنا وهالبير ” لوديع الصافي ، و” مافي حدا .. لاتندهي ” و ” ياقمر أنا وياك ” لفيروز .في عام   1960 قدم الرحابنة “موسم العز” (بعلبك) مع صباح ووديع الصافي ثم في  1961 مسرحية  “البعلبكية” (بعلبك) مع فبروز ونصري شمس الدين  وفي 1962 مسرحية  “جسر القمر” (بعلبك و­ دمشق) وفي ­ 1962 مسرحية “عودة العسكر” (مسرح سينما كابيتول) وفي  1963 مسرحية “الليل والقنديل” (كازينو لبنان و­ دمشق).

كانت أعمالهم في تلك الفترة تقدم في كل من بعلبك ودمشق, كانوا يقدمون نفس البرنامج في المكانين, وأحياناً كانوا يعدون برنامجاً خاصاً ليقدم في دمشق. في دمشق اعتادوا على استهلال كل برنامج في دمشق  بأغنية مثل: ‘سائليني’ , ‘شام يا ذا السيف’ , ‘يا شام عاد الصيف’ كتحية لدمشق التي  تفردت بمكانة أثيرة في الأغنية الرحبانية، حتى أنه لم تحظ مدينة عربية بمثل ما حظيت به دمشق من حضور في سجل الأغنية الرحبانية الخالد. ويمثل سعيد عقل ركناً أساسياً من أركان العلاقة بين دمشق والرحابنة، وقد بلغ مجموع ما قدمه الرحابنة من أغنيات عن دمشق نحو (16) عملاً غنائياً، حيث إنفرد سعيد عقل بسبع قصائد هي (سائلين يا شام /بالغار كللت/ مرّ بي/ أحب دمشق/ قرأت مجدك/ شام ياذا السيف/ نسمت) أي أنه إنفرد لوحده بنصف ما أنشده الرحابنة وفيروز للشام تقريباً.

في عام 1962, تأسست محطة تليفزيونية جديدة في لبنان, وطلب من الرحابنة إعداد برنامجاً موسيقياً ليوم الافتتاح, وبعد الإصرار على شروط إعداد البرنامج ليتناسب ومستوى أعمالهما, قدما أول عرض تليفزيوني لهما ‘حكاية الإسوارة’ والتي قوبلت بنجاح كبير. تابع الرحابنة الاهتمام بالتلفزيون فمن فترة لأخرى, كانا يقدمان برنامجاً تكون له أصداء كبيرة, وتكتب عنه الصحافة, ويطلب الناس إعادة بثه مراراً, من بين تلك البرامج: ‘دفاتر الليل’ , ‘ليالي السعد’ , ‘ضيعة الأغاني’ , ‘القدس في البال’ وبرامج لعيد الميلاد, وأخرى لعيد الفصح, وكانت نجمتها جميعها: فيروز.

بالإضافة إلى ذلك, كتبا مسلسلين من بطولة ‘هدى’, أحدهما ‘قسمة ونصيب’ والثاني ‘من يوم ليوم’ الذي اشترته محطات تليفزيونية عربية كثيرة, واشتهر كأحد أجمل المسلسلات الغنائية التي جمعت بين التشويق البوليسي والعقدة الغريبة.

في عام 1964, اتصل بهم منظمو مهرجانات الأرز, وطلبوا منهم تقديم برنامجاً شبيهاً لبرامج بعلبك, قدم الرحبانيان وقتها مسرحية ‘بياع الخواتم’ والتي كانت تجربة مختلفة كلياً, كونها مسرحية مغناة من أولها إلى آخرها. حضر عشرة آلاف شخص الليلة الأولى, وأحد عشر ألفاً الليلة الثانية, وكانت تلك ظاهرة فريدة.

في منتصف الستينات بدأت المرحلة السينمائية عند الرحابنة وفيروز حيث قدموا عدداً من الأعمال السينمائية مثل فيلم “بياع الخواتم” عام 1965م، عن المسرحية بذات الإسم التي قدموها في عام 1964 ( الأرز ودمشق ) وفيلم  “سفرلك” عام 1966م، و فيلم “بنت الحارس” عام 1967م، متوازين في ذلك المسار مع المسار المسرحي من خلال  مسرحية “دواليب الهوا” (بعلبك) في عام 1965  ثم في  1966 مسرحية “أيام فخر الدين” (بعلبك).

مع ‘بنت الحارس  أتم الرحابنة الدورة التي معها دخلا إلى التراث اللبناني من مختلف أبوابه: المسرح, الإذاعة, التليفزيون, والسينما. وانتشر هذا التراث الموسيقي والحواري بين الناس عبر تلك الوسائل, فراج وبقي في القلوب والنفوس.

كان النجاح حليفهم أنّى ذهبوا, وباتت الدعوات تأتيهم من كل حدب وصوب, كانوا يعملون بدون توقف. في عام 1967, عرض عليهم الأخوة ‘عيتاني’ تقديم عمل على مسرح ‘البيكاديللي’ كل سنة, بدأ الرحبانيان بتحضير برنامجاً لمهرجانات بعلبك أو الأرز في الصيف, وبرنامجاً آخر لدمشق, وواحد ثالث, على الأغلب مسرحي, لمسرح البيكاديللي في الشتاء, ابتداءً من ‘هالة والملك’. كل هذا بالإضافة إلى الحفلات الغنائية خارج لبنان وسوريا. كانا يعملان في المكتب والبيت, يكتبان, يلحنان, يدرّبان, ويخططان ليل نهار, كانت غزارة إبداعهما فريدة من نوعها, وغير مسبوقة على الإطلاق.

وفي 1967 قدم الرحابنة وفيروز مسرحية  “هالة والملك” (البيكاديللي و­ الأرز و­ دمشق) التي افتتحت الموسم السنوي للرحابنة في صالة البيكاديللي في بيروت وفي  1969 مسرحية “جبال الصوان” (بعلبك) وفي  1970 مسرحية  “يعيش يعيش” (البيكاديللي) وفي 1971 مسرحية  “صح النوم” (البيكاديللي و­ دمشق) وفي 1972 مسرحية ناس من ورق و( البيكاديللي ) مسرحية “ناطورة المفاتيح” (بعلبك) التي تعرض بعدها عاصي لنزيف حاد في المخ .

بعد علاج عاصي ،  تابع الرحابنة وفيروز مسيرتهم في المسرح الغنائي فقدموا في عام  ­ 1973 مسرحية  “المحطة” (البيكاديللي) التي كان عاصي قد كتبها قبل مرضه .

المحطة’ كانت أول عمل قدم بعد شفاء عاصي, حيث لحن فيها أغنية ‘ليالي الشمال الحزينة’, وكانت أول أغنية لحنها بعد مرضه فيما  طلب منصور من زياد أن يعملا سوية على أغنية تقدم كتحية من الثلاثة: (منصور, زياد وفيروز) إلى عاصي. أخبره زياد أن لديه لحناً بدون كلمات, سمع منصور اللحن وأعجب به, وكتب كلمات ‘سألوني الناس’ له وحقق اللحن نجاحاً كبيراً.

قدم الرحابنة وفيروز مسرحية “قصيدة حب” (بعلبك) في  عام 1973 وفي 1974 قدموا مسرحية “لولو” (البيكاديللي و­ دمشق) ثم في عام  1975 مسرحية “ميس الريم” (البيكاديللي ­و دمشق) وفي  1976  “منوعات” (دمشق ­ عمان ­ بغداد ­ القاهرة) وفي عام 1977 مسرحية  “بترا” (عمان و­ دمشق) وقدمت المسرحية عام 1978 في البيكاديللي وكانت آخر المسرحيات المشتركة بين الرحابنة وفيروز.

في عام 1979 قدم الأخوان رحباني آخر حفلاتهما مع فيروز على مسرح الأولمبيا في باريس ،  ثم كان الانفصال بين عاصي وفيروز ولتبدأ فيروز حياتها الفنية المستقلة.

في عام 1980 قدم الأخوان رحباني أولى مسرحياتهما بعد الانفصال عن فيروز بعنوان “المؤامرة مستمرة” بطولة رونزا وملحم بركات ( كازينو لبنان ) ثم تبعتها مسرحية أخرى في العام 1984 بعنوان “الربيع السابع” أيضا مع رونزا وملحم بركات ( مسرح جورج الخامس) .

تدهورت صحة عاصي ليدخل حالة الغيبوبة حتى سلم أنفاسه الأخيرة في صباح الحادي والعشرين من حزيران 1986 وانتهت بذلك نهائياً مرحلة ذهبية جمعت المبدعين الثلاثة .. عاصي ومنصور وفيروز.

د. سعد الله آغا القلعة

صور للمبدعين الثلاثة ومقطع من أغنية يا شام عاد الصيف

Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading