ارتجلها آنياً عنواناً ومضموناً بسبب ظروف غير متوقعة : محاضرة الدكتور آغا القلعة عن ريادة أبي خليل القباني للمسرح الغنائي العربي في إطار مهرجان الأغنية السورية عام 2000

الأستاذ عبد الكريم عبد الرحيم:

دكتور سعد الله أنا أشكر النصف ساعة التي أمضيتها للوصول إلينا . لاشك في أننا سنعالج مجموعة الأسئلة التي طرحتَها لاحقاً في كتاب نخصصه للبحث عن إبداعات أحمد أبي خليل القباني ، الكتابان الحاليان كانا عبارة عن عملية توثيق ..

أما بالنسبة للنقطة الثانية ، حول الموشح والمقام واللحن والتعبير أنا وجدت أمرين:  هناك موشحات موجودة في صلب مسرحية يوزع فيها الكلام ما بين مغنيين وفلان وكذا .. وهذه الألحان مفقودة لا وجود لها .. عددت من ثماني مسرحيات مئة ولحنان .. هذه المئة ولحنان يمكن أن تكون كما قلتَ تماماً .. أما الموشحات المعروفة لأبي خليل القباني فقد كانت الكلمات وحتى بحور الشعر العربي التي استخدمها خادمة للحن ليس لها أي دور آخر، بمعني إذا درسنا النصوص الشعرية التي كتب عليها موشحاته ،  نجد أنها تتناول كل المعاني التي تناولها الشعر العربي من عصر الدول المتتابعة والذي نسميه عصر الإنحطاط ، والمركزة على الحبيبة والكأس…إلخ . بعد ذلك إذا نظرنا في أهم الموشحات والنغمات التي تحدث عنها شلفون وغيره فهي من أهم ما قدمه القباني ، وهنا  نجد أن الكلمة لا مكان لها يعني فاعلات تصبح فا.. ويأتي بينها لل..وينقطع الكلام ويضيع التعبير ، فهذا لا يمكن أن يندرج بعد ذلك ضمن التحليل الذي وصلتَ إليه . ولكن الأسئلة التي طرحتَها كانت هامة جداً ، و آمل أن تنشر محاضرتك مكتوبة أو في كتاب وشكراً لك..

الإجابة :

في الواقع أنا لست مع الأستاذ عبد الكريم .. وهذه نقطة مهمة وهي ألا نكون متفقين .. وأحياناً نحن نبحث عن مجالات للإختلاف، لإغناء الموضوع .

يا سيدي أنا لست معك ، والمثال على ذلك والحمد لله معي موجود : من أهم موشحات أبي خليل القباني موشح برزت شمس الكمال .. طبعاً إذا استمعت إليه تظن أنه موشح لا علاقة له بالمسرح ،  ولا يمكن أن يؤدى ضمن مسرحية ، ودعاه أدهم الجندي في كتابه : عمدة موشحات الحجاز .. ما رأيك في أنه استخدم هذا الموشح برزت شمس الكمال ، أو بزغت ، كما وردت أحياناً ، في مسرحية الأمير محمود التي قدمت على مسرح البوليتانا في 28/10/1884 .. ؟ نفس الموشح يأتي بكلام آخر وفي موقف آخر.. (( بزغت شمس التهاني في سماء الإفتخار مذ بدا قان الزمان ذو المعاني والوقار ملك فينا عطوف منعم برٌ كريم محسنٌ عدل رؤوف طاهر القلب رحيم)) الكلام مختلف حسب المسرحية . حسناً .. على مسرح البوليتانا في 29/4/1884 ، أي في اليوم التالي وفي مسرحية ناكر الجميل (( أشرقت شمس التهاني في سماء الأرتياح)) كلام آخر ((وازدهى نجم الأماني بصورة الإنشراح دمت يا قان الوجود في ذرى العلياء سامي في صفاء وسعود في ابتداء وختام)) كلام آخر ! ثم في التياترو المصري ومسرحية هارون الرشيد والأمير غانم 7/2/1895 : أشرقت شمس التهاني وبدأ نجم السعود وأنجلا صبح الأماني وبه ضاء الوقود يا ملكاً عز قدراً وسما نهياً وأمراً قد حماك الله ..  إلخ .. إذاً المعاني تختلف حسب الشخص والمسرحية ولكن اللحن واحد  ، وهو موشح ، وهنا كان في مدح للخديوي عباس. وعموماً استخدام الموشحات مع يا لا للي أمان وردت في مسرحيات أبي خليل وعلى الغالب في إطار احتفالي.

الأستاذ عبد الكريم :

دكتور أنا قلت لك ما ورد ضمن المسرحيات كان موظف في إطار صحيح .. أما كموشح عندما تأخذهم كموشحات مستقلين بالمفردات التي كتب فيها الموشح وتقطيع الكلام أنا مازلت مصر على الموقف والدليل موجود في الكتاب وشكراً .

الإجابة:

أنا فهمت  ذلك .. أنا قلت قبل قليل أن الموشحات كان يدخل عليها مقاطع (يا لللي-أمان) بحيث لم تكن تعبر عن المعنى .. وهذه مقولة أنا قلتها في صلب مقولاتي ، ولكن أنا أقول لا .. هو وظف أو وضع بعض الألحان وهي للموشحات ومع أنها فيها (يالللي وأمان) فإنه أدمجها في مسرحياته ، فغير كلماتها لكي تدخل في صلب المسرحيات وتلائم الموضوع ، وقد تكون وردت في إطار احتفالي فقدمت كموشحات مع تبديل النص حسب سياق المسرحية.. وهذا ما عنيته .

الدكتور صباح قباني:

نشكر للدكتور سعد الله آغا القلعة أنه استبعد النص المحضَّر وأضاف إضاءات فعلاً قيمة وجيدة على فن وإبداع أبي خليل القباني.

أنا طبعاً لست موسيقياً ، وإنما أنت أشرتَ إلى مقام العجم ، على أنه شيء جديد جاء به أبو خليل إلى مصر .. والمتواتر دائماً مشاهدات بعض من عاصروه مثل مريم صماط، أن سلامة حجازي كان يبعث بممدوح أفندي رحمة ، ليطلع على مقامات جديدة لم تعرفها مصر من قبل ، فهل هناك غير مقام العجم أتى به أبو خليل؟

النقطة الثانية : الحقيقة هي شكلانية  . من المتواتر في أسرتنا أن أبي خليل لم يكن يعزف آلة موسيقية ، كان كل تلحينه على الدف ، وأظن المرحوم عمر البطش كذالك، فالإمكانية صعبة في أداء أو تحفيظ اللحن بمجرد العزف بدون  آلة عود أو كمان أو بيانو .. كيف تحدث هذه العملية من الناحية الفنية التكنيكية فقط لا غير وشكراً.

الإجابة:

طبعاً أشكر الدكتور صباح على ما تفضل به. طبعاً رحلتنا مع أبي خليل القباني طويلة وأنا منذ زمن أهتم به .

في المقامات الأخرى:  طبعاً مقام العجم هو مقام مثبت أنه لم يكن معروفاً في مصر . المقام الآخر الذي يشك في أنه أدخله أيضاً هو مقام (الشوق آفزا) ، هذا المقام لماذا أنا أميل إلى أنه أدخله ؟ لأنه مقام  متفرع من العجم ، وبالتالي من الصعب أن يكون معروفاً في مصر ، ومقام العجم غير معروف ، لأنه فرع عنه .. ولأبي خليل ألحان كثيرة على مقام الشوك آفزا وثقها كامل الخلعي . الخلعي لم يشر إليه صراحة لعله أعتبره من فروع العجم ، فلم يثبت أن أبا خليل أدخله إلى مصر .. ولكن أهمية هذا المقام هنا أنني أعتقد أن مقام الشوق آفزا أهم من مقام العجم في المسرح الغنائي .. لماذا ؟ في الواقع أنا أجريت إحصاءً حول ألحان سيد درويش المسرحية والمقامات المستخدمة ،  فوجدت أن أكثر مقام استخدم عند سيد درويش هو الشوق آفزا ، لأنه فعلاً مقام يجمع بين رزانة العجم، مقام العجم مقام فيه كبر ، يعني نقاربه بالماجور ، وهو الذي يعتمد للأناشيد الحماسية .. طبعاً هو ليس مقاماً غربياً بل  هو مقام عربي مساره اللحني مختلف عن سلم الماجور في الغرب ، ولكن تباعداته الصوتية عندما نستمع إليه يعطي رزانة ويعطي كِبَر .. أحد فروعه هو مقام الشوق آفزا ، والذي فيه يدمج جزء من مقام العجم مع جزء من مقام الحجاز ، ومقام الحجاز عاطفي و بالنتيجة يتشكل مقام الشوق آفزا و هذا الدمج مفيد للتعبير عن المضامين ضمن المسرحيات ،  عندما تتراكب العواطف ..

تعرفون أن موضوع التلحين للمسرح يختلف عن التلحين العادي، التلحين العادي النص فيه قد يكون يجول حول عاطفة واحدة ، فيلزم لها مقام واحد ، أو قد تنوع المقامات لاحقاً ، حسب تغيرات النص ، حيث أصبح الملحنون يغيرون الألحان في الأغصان ، ولكن قديماُ اللحن كان يتكرر وتتغير النصوص في الأغنية .. يعني ثلاثة أغصان بنفس اللحن مهما اختلف النص ، وعادة كان النص لا يختلف كثيراً ، وأنا لا أريد  أن أدخل هنا في أسباب أن زكريا أحمد أول من نوَّع الألحان و المقامات في أغصان الأغنية ، لأن النص كان فيه حب وفراق ، وبالتالي كل غصن أعطاه لحن . ولكن هذا أتى في بداية الثلاثينات وبعد أن انتهى المسرح الغنائي.

المسرح الغنائي هو الموقع حيث يمكن أن يجتمع فيه الكبر والعاطفة معاً في مشهد واحد ، وبالتالي سيد درويش كثيراً ما لجأ إلى هذا المقام ، خاصة أنه ليس فيه أرباع الصوت ، وسيد درويش كان استخدم البيانو كثيراً ، نظراً لضخامة صوته ، في عصر لم يكن فيه ميكروفونات لتكبير الصوت ، ولما كان البيانو لا يستطيع أداء أرباع الأصوات ، فقد لجأ سيد درويش ، إضافة إلى ملاءمة مقام الشوق أفزا للتعبير ، إلى هذا المقام لأنه خالٍ من أرباع الأصوات. وهنا عظمة أبي خليل ، إذا صح أنه أدخله أيضاً إلى مصر ، ولكن الخلعي للأمانة لم يوثقه على أن أبا خليل أدخله إلى مصر ، ولعل ذلك يعود إلى أن أبا خليل أدخل الأساس وهو مقام العجم .. أرجو أن أكون قد أجبت عن هذه النقطة.

النقطة الثانية:  أنا من خلال معرفتي بشيوخ الطرب الحقيقيين ، وخاصة أهل التصوف ، أراهم مذهلين في إدراكهم الموسيقي بدون آلة موسيقية .. الشيخ مثلاً لكي يصبح شيخ طريقة في الذكر ، يجب أن يكون أستاذاً  في المقامات بدون آلة .. هذا شاهدته في عيني وسمعته في أذني .. مثلاً لنفترض أنهم كانو ينشدون موشحاً محدداً على مقام محدد ، هذا الموشح له مساحة صوتية تقع ضمن إطار المساحة الصوتية الإنسانية ، وإذا أراد الشيخ أن ينتقل إلى موشح آخر ، مساحته الصوتية التي يشغلها تقع في طبقة موسيقية مختلفة ، وأداؤه المباشر من حيث هم ، في الموقع الذي تم فيه أداء الموشح الأول ، قد يجعله خارج مساحة الصوت الإنسانية ، وهنا ، و لكي تكون مجموعة الإنشاد قادرة على أدائه ، يجب على الشيخ أن يختار من هذه المساحة الصوتية الخاصة بالموشح الأول ، درجة موسيقية ما من ضمن المساحة الصوتية للموشح الأول ، لتكون نقطة إنطلاق للموشح الجديد ،وهذايسمى التصوير ، تصوير موشح في غير موقعه الصوتي الأساسي ،  بحيث تتمكن مجموعة الإنشاد من أدائه مباشرة ، لأن مساحته الصوتية تقع ضمن المساحة الصوتية الأساسية للموشح الأول ، وإلا إذا أداه من نفس المنطقة الصوتية التي هم فيها ، قد يصل الموشح إلى طبقة صوتية حادة ، و لن تستطيع مجموعة الإنشاد أن تؤديه بشكل سليم .. كنت أذهل كيف شيخ الطريقة هذا ، يختار درجة صوتية للإنطلاق ، وللبدء في أداء الموشح الجديد ، بحيث يأتي في الموقع الملائم لأصواتهم ! فهذا الشكل من المعرفة مذهل ، وأنا أرى ، ولا أريد أن أنتقص من أحد ، أن من تعلم  على آلة موسيقية ، قد لا يستطيع أن يكون قادراً على تخيل هذا الموضوع بدون آلة ، فأبو خليل هو ابن هذه المدرسة ، وبالتالي فهو قادر على تصور كل المساحات و كل المقامات ، وكل المواقع في ذهنه ، وبدون آلة.

الآنسة جيداء الجراح:

شكراً على هذه المحاضرة القيِّمة فعلاً ، البارحة حضرت تكريم أبو خليل القباني ، لاحظت أن أغلب الموشحات التي قدمت بدون خانة فما هو السبب ؟ في الموشح القالب الأساسي دور أول دور ثاني خانة ثم غطاء للختام ، فما سبب عدم وجود خانة في موشحات أبي خليل  وشكراً؟

الإجابة:

إن كان هذا هو الواقع فهي صدفة .. فخانات القباني منها ما فيه خانة ومنها ما ليس فيه خانة .. وعموماً الموشحات ليس كما يشاع بالضرورة أن تكون على القالب الذي ذكرتِ ، يعني دور  أول ثم دور ثاني على اللحن ذاته ثم خانة بلحن جديد ثم إعادة اللحن في الغطاء . طبعاً هذا القالب هو الأكثر تداولاً ، ولكن هناك موشحات بدون خانة ، وهناك نقش الأوزان ، وهناك السلسلة .. إلخ . وهناك موشحات لأبي خليل فيها خانات و عدم ورود إحداها في التكريم مصادفة على الغالب.

النقطة الأهم هي إدخال الهنك ،  وهو العنصر الأهم في الأدوار ، إلى الموشحات  ومنها موشحات أبي خليل .. هناك من يقول أن هذا  أضيف لاحقاً ، وأنا لست مع هذه المقولة ..   ولكن هذا خارج موضوعنا .

رئيس الجلسة:

طبعاً في الندوات الثقافية ليس المهم أن نصل إجابات قاطعة شاملة كاملة ، لكن المهم أن نعيد طرح الأسئلة المعرفية التي تتعلق بمناحي الثقافة المختلفة ،  وهذه الأسئلة التي طرحها وناقشها الدكتور سعد الله بكل تأكيد سوف تترك دوائر ، و هذه الدوائر سوف تتسع ، وتخرج من هذه الصالة ، ليهتم بها المهتمون في مجالات الثقافة المتنوعة، وهذا هدف أساسي .

نشكر الدكتور سعد الله آغا القلعة ، الكريم دائماً ، والذي لبّى دعوتنا للمشاركة في هذه المحاضرة القيمة ، كما نشكر الدكتور فايز الصايغ المدير العام للهيئة العامة الإذاعة والتلفزيون على حضوره  ومتابعته للمحاضرة ، وشكراً لكم ، وإلى اللقاء يوم غدٍ مع محاضرة جديدة ، نتناول فيها أهم تجارب المسرح الغنائي في الوطن العربي.

Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading