ارتجلها آنياً عنواناً ومضموناً بسبب ظروف غير متوقعة : محاضرة الدكتور آغا القلعة عن ريادة أبي خليل القباني للمسرح الغنائي العربي في إطار مهرجان الأغنية السورية عام 2000

الدكتور رياض عصمت :

في الحقيقة ليست هذه أول مرة أستمع فيها إلى الدكتور سعد الله آغا القلعة وهو يتحدث عن أبي خليل القباني ، ولكني دائماً حريص ألا أفوِّت حديثاً له ،  لأنه مرة بعد مرة يغني الحديث بمعلومات ووجهة نظر شخصية ، وهي ما تستدعي أن نأتي لنستمع إلى محاضر من ثقله ووزنه في هذا المجال ، ولا نكتفي بقراءة الكتب ، فاللمسة الشخصية كانت واضحة ، وأنا أشكره على هذه المحاضرة الممتعة والرائعة بالفعل ، والتي أفادتني شخصياً إفادة كبيرة.

هناك بضع تعقيبات تغني النقاش.. بالنسبة لمارون النقاش ، وأنا لم آتي مستعداً .. حقيقةً ما أذكره أنه أول عمل قدمه هو البخيل في صيغة عربية ، وهو مستقى عن موليير كما هو معروف ، لكن مارون النقاش على الأقل وهو عمل اشتغلت عليه شخصياً .. أنا بحثت عن مخطوط وأتيت به وقمت بإعداد معين له، كتب مسرحية أخرى عنوانها هارون الرشيد وأبو حسن المغفل ، وهي مستقاة من ألف ليلة وليلة، والحدوتة معروفة حقيقة ومتكررة ، حتى عند شكسبير وغيره من الكتاب الأوربيين.. ربما هؤلاء استقوا من ألف ليلة وليلة بينما هو استقى منهم. مسرحية مارون النقاش وللأمانة أقول إنها هي العمود الفقري لمسرحية سعد الله ونوس الملك هو الملك  ، وقد أشرت إلى هذا في كتابي: المسرح العربي ، سقوط الأقنعة الإجتماعية ، لأن ونوس رحمه الله لم يشر إلى الأصل ،  ورغم أن جميع الشخصيات حملت نفس أسماء شخصيات مارون النقاش، إنما ونوس قارب الموضوع مقاربة أكثر سياسية أو تسيسياً كما كان يحب أن تسمى الأمور ، لكنني رغم ذلك ، أضيف بأن أبا خليل استقى أيضاً من مصادر عربية وأجنبية ، هذا من ناحية التأليف الدرامي ، لكني أتفق تماماً مع ما تفضل به الدكتور سعد الله آغا القلعة مشكوراً ، حول أن ريادة  المسرح الغنائي العربي تقتضي الأصالة في التأليف الموسيقي ، فالموضوعات وهذا شيء نعترف به موجود على قارعة الطريق ، سواء كانت عربية أم أجنبية ، لكن المسرح الغنائي العربي ، يقتضي شيئاً أكثر من إدخال موسيقى تصويرية ، كما كان يفعل مارون النقاش،  وهذه نقطة حقيقةً أنا أتفق فيها تماماً مع ما جاء به الدكتور سعد الله آغا القلعة حولها.

نقطة أخيرة ، طبعاً كلنا يعرف سهرة مع أبي خليل القباني ، وكانت عملاً فيه إعداد من أعمال أبي خليل القباني ، مع شيء من سيرة حياته ، مع تفسير طبعاً لموقف الدين ،  وهو تفسير فيما أعتقد ، لأن هناك عدة ظروف أخرى إلى جانب الدين ، منها ظروف اجتماعية ساهمت في هجرة القباني إلى مصر…إلخ حسبما نعرف ، ولكني أحب أن أطلق من هذا المنبر صيحةً  لإحياء بعض أعمال القباني بطريقة حديثة معاصرة ، تحافظ على الألحان ، تحافظ على الكلمات ولكن طريقة الإخراج يجب أن تكون مبتكرة وحديثة ، وأعتقد أن هذا ممكن ، وأحب فقط أن أقول عندما أقول مبتكرة أو جديدة فأنا أعتقد أن كل جيل يستقبل العمل المسرحي المكتوب قبل قرون بطريقة مختلفة ، وبالتالي أيضاً المخرج عندما يقدم هذا  العمل يقدم قراءة المعاصرة لها ، ستكون كوميدية بشكل إجباري ،  لأن هذه العلاقات الرومنسية عفى عليها الزمن ،  فلا بأس أن تحافظ على لب المسرحية لكن تقدمها بشكل جديد .. وكذلك الحال مع شكسبير الذي قدم بمسرحية روميو وجوليت بسترات جلدية ، وقدمت الملك لير كما نعرف عند كيلوساوا بشكل كابوكي ، و هذا ما يغني ويجدد الأعمال المسرحية، رغم أنها تراثية إلا أنني دائماً أقول يجب علينا ألا نتعامل مع تراثنا المسرحي بمتحفية بل بمعاصرة وشكراً.

رئيس الجلسة:

شكراً للدكتور رياض عصمت ، ونرحب بالدكتور فايز الصايغ ، المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون ، ونشكره لإهتمامه بنشاطاتنا الثقافية ، وحضوره لهذه الندوات وخاصة محاضرة الدكتور سعد الله ، شكراً يا دكتور. والآن نترك الدكتور سعد الله آغا القلعة ليرد على الدكتور رياض ..

الإجابة :

هو ليس رداً ، بل هو إضافة . أنا أسجل أن الدكتور رياض وافق معي على الأقل في نصف ما اقترحته و هو موضوع ريادة المسرح الغنائي العربي ، لكن بعد أن كسبت هذه النقطة ، فلأحاول في النقطة الثانية محاولة جديدة: هل رائد المسرح هو من يعرِّب أويستقي من ألف ليلة وليلة ، أو من يكتب نصاً جديداً ؟ وهنا أذكِّر بأن أول مسرحية لأبي خليل لم تكن مستقاة من أي مصدر  ، كانت مستقاة من جوهره هو وهي مسرحية ((ناكر الجميل)) وقصة بين صديقين خان أحدهما الآخر  ، بالنتيجة أنا هنا أرى أن هذه هي الريادة بدرجة أعلى من مسرحية هارون الرشيد .. لاشك  في أن القباني استقى ، لكنه ألَّف أيضاً نصوصاً خالصة له.

لكن وبمعزل عن الحالتين أقول  ، الإثنان رحلا ، ولاشك أن مارون النقاش إنسان عظيم ، وأنا شخصياً تابعت أعماله ، وحتى أنني كشفت أشياء في التاريخ في مصر من كتبٍ وثقت لسيرته ، وهذا قلته في القاهرة .. وهذه مناسبة لأذكر حادثة جرت معي في مصر.. كنت أرأس جلسة في مؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة ، وأتى باحث فرنسي يلخص لنا أطروحة الدكتوراه التي حصل عليها ، و كانت عن الطقطوقة وهي قالب  غنائي مصري.. تحدث عن الأسباب الإجتماعية التي أدت إلى ولادتها في فترة الحرب العالمية الأولى ، وبنى موضوع الدكتوراه كلها على هذا الموضوع ، وإثبات تاريخ ولادتها معتمداً على مقولة للراحل كمال النجمي في أن الطقطوقة قالب غنائي ولد في مصر في الحرب العالمية الأولى.  في كتاب مارون النقاش ،  الذي أصدره أخوه باسم أرزة لبنان ، وضع في نهايته ثبتاً بأصول الأغاني التي استخدم أخوه مارون النقاش. الكتاب طبع في منتصف القرن التاسع عشر أي قبل الحرب العالمية الأولى بستين سنة ، وورد في ذلك الثبت كثيراً : طقطوقة كذا ، طقطوقة كذا طقطوقة كذا  .. فإذا الطقطوقة كانت موجودة من زمان وقالبها معروف ، واستخدمها مارون النقاش ، وكان هذا سبباً في أن كل بحث الدكتوراه ثبت أنه خطأ!

إذاً أنا متابع لمارون النقاش ،  ولا أريد أن أقلل من شأنه ، ولكني أرى ، وهذا رأيي الشخصي ، أن تميز شكسبير مثلاً كان في أنه كتب ما في داخله .. ما أراد أن يقوله .. ولم يستقِ دائماً من أعمال سبقته ، طبعاً شكسبير لا نتحدث عنه في مجال الريادة ، بل ككبير في عالم المسرح .. لكن فكرة الريادة أين هي ؟ أليست في ابتداع نصوص جديدة وأفكار جديدة ؟ أنا لا أقرر شيئاً .. ولكن هي نقطة جديدة للنقاش..

يتبع في الصفحة التالية

Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading