ارتجلها آنياً عنواناً ومضموناً بسبب ظروف غير متوقعة : محاضرة الدكتور آغا القلعة عن ريادة أبي خليل القباني للمسرح الغنائي العربي في إطار مهرجان الأغنية السورية عام 2000

شعار كتاب الأغاني الثانيفي شهر كانون الأول / ديسمبر من عام 2000، لبيتُ دعوة إدارة مهرجان الأغنية السورية المقام في حلب ، للمشاركة في فعاليات دورته السابعة ، بمحاضرة عن فن الشيخ أحمد  أبي خليل القباني ، الذي خصصت دورة المهرجان لتكريمه.

لم يكن بإمكاني تصور ما رافق تلك المحاضرة من ظروف غير مسبوقة!

وصلتُ إلى حلب ليلة الموعد المحدد للمحاضرة ، وعلمتُ أنها ستكون الأولى في صباح اليوم التالي.

عند وصولي إلى حلب ، سلَّمني الصديق الدكتور حيدر يازجي مجموعة من النشرات والكتب التي نشرتها إدارة المهرجان. كان الوقت متأخراً ليلاً فلم أراجع تلك المنشورات.

في صباح اليوم التالي ، وقبيل انطلاقي إلى موقع المحاضرة ، خطر لي أن أطلع على تلك المنشورات ، وإذ بي أنتبه إلى كتابين عن أبي خليل القباني ، نشرتهما إدارة المهرجان ،  يضمان جميع المعلومات المتداولة عنه في إطار المسرح والموسيقى.

كان هذا مفاجئاً لي .. فما الذي سأضيفه ، و قد رسمت في ذهني مضمون حديثي عن مسيرة أبي الفنية ، و التي لاشك تتضمن الكثير من المعلومات المنشورة في الكتابين! موقف لا يحسد عليه أي محاضر ، فالجمهور الذي سيتابع المحاضرة ، لاشك في أنه حصل على الكتابين قبل يومين أو أكثر ، عند انطلاق الفعاليات الثقافية ، و اطلع على ما ورد فيهما من معلومات ، فما الجديد الذي سأضيفه؟ كان علي وفي دقائق أن أرسم مساراً آخر للمحاضرة ، وإليكم ما جرى من خلال التفريغ الكامل لتسجيلها!

نص المحاضرة المرتجلة آنياً:

أود أن أشكر أولاً الأستاذ مفيد على تفضله بتقديمي إليكم . طبعاً أنا من أهل البيت ،  أولاً لأنني سبق لي أن شاركتُ عدة مرات في المسار الثقافي للمهرجان في دوراته السابقة ، كما أنني ابن حلب ، وهذا فخر عرفته منذ أن ولدت ، وسيرافقني في  مساري دوماً ، نظراً لمكانتها العريقة  والعظيمة في عالم الفن والموسيقى ، ما يجعلها المكان الأهم لاستضافة فعاليات هذا المهرجان .

أشار الاستاذ مفيد إلى نقطة وأنا أود التوقف عندها لو سمحتم .. في الواقع أنا وصلت البارحة ليلاً وسرعان ما أودعني الدكتور حيدر اليازجي مشكوراً الحقيبة الخاصة بالفعليات . في الصباح ، و قبل أن آتي إليكم ،  أردت أن أعرف أين مكان الندوة ،  هل هو في فندق الأمير ، أم في مكان آخر .. وإذ بي افاجأ بكتابين عن أبي خليل القباني ، وأنا أود بداية أن أشكر لجنة التراث في المهرجان على هذين الكتابين  .. فعلاً جهد مشكور ، نظراً لندرة الكتب التي عالجت مسيرة أبي خليل الفنية.

نعم ، كنا دائماً نقول بأن تراث أبي خليل القباني غير موجود ، غير مدون  ، أو أنه مبعثر في ثنايا الكتب ، مقال من هنا  ، دراسة من هناك ، ولكن لا يوجد أي جهد لتوثيق كامل لأعماله ولفنه ولمسيرته.

ولكن وجود الكتابين بين يدي المتابعين ، غيَّر هذا الواقع السائد ، ووضع المحاضر في مأزق!

لقد أتيت لأحاضر في عنوانٍ اجتمع هذان الكتابان  عليه .. فالكتاب الاول عن مسرح أبي خليل ، والثاني عن موسيقاه ..  إذاً و بالنتيجة ، كان من الممكن أن يشكل هذا مأزقاً لمحاضر  ، كتب المحاضرة من مراجعه الخاصة النادرة ، واشتغل عليها أياماً طويلة ، ثم أتى لإلقائها ، وإذ تبدو المحاضرة وكأنها  تلخيص لمضمون الكتابين ، ليس فيها أي جديد!

والحل .. لم يكن لدي إلا دقائق تستغرقها مسافة الطريق إلى موقع المحاضرة لكي أقرر : هل ألقي المحاضرة كما تم تحضيرها ؟ أم ألغيها ؟ خياران كما يقال أحلاهما مرُّ!

وكان أن توصلت إلى خيار ثالث يحمل الكثير من عناصر المغامرة: : المحاضرة يجب أن تتغير ، فأنا لا أستطيع أن أقول أي معلومة ، يمكن أن تكون واردة في هذين الكتابين ، دون  أن يكون لها توظيف ما ، فهذا ينقص من قدر المحاضرة ومحاضرها.. علي أن أفعل ما أفعله عادة ، عندما أعزف على القانون أمام الجمهور مرتجلاً ! يجب أن أرتجل المحاضرة !

ولذلك اسمحوا لي أن أشارككم هذه التجربة الفريدة .. طبعاً سأستخدم بعض ما ورد في المخطط الأصلي ،  ولكن لإيضاح نقاط جديدة ، رسمتها في ذهني وأنا في الطريق إليكم ، والتي آمل أن لا تكون موجودة في الكتب ، لأني طبعاً لم أقرأ الكتابين بشكل مفصل.

* النقطة الأولى : نقول دائماً بأن أبا خليل القباني هو رائد المسرح الغنائي ، وأحياناً نعتبره رائد المسرح العربي..  ما هو مدى دقة ما يقال .. هل هو قول صحيح ، أم أننا نطلقه جزافاً ، خاصة أن هناك تجارب مسرحية سبقت أبي خليل وخاصة من قبل مارون النقاش.

* النقطة الثانية : هل غيَّر أبو خليل الصيغة السائدة في عالم الموسيقى في زمانه؟

كانت الصيغة السائدة هي صيغة المطرب ، أو صيغة المطرب – الملحن . كثيراً ما ركزتُ  في محاضرات وخاصة في مصر ، على دور سيد درويش في تغيير تلك الصيغة ..

إذاً الشخصية الأولى التي سأقارنها مع أبي خليل هي مارون النقاش ، أما الشخصية الثانية معه فهي سيد درويش!

أستطيع أن أعتبر نفسي  وفي حدود علمي ، بأنني كنت الأول وفي محاضرة في القاهرة ، في التركيز على أهمية سيد درويش في تغيير الصيغة السائدة تلك من المطرب – الملحن إلى الملحن – المطرب ، بمعنى أن الملحن أخذ مكانة أكثر من المطرب، كان من أسباب ذلك أن سيد درويش لم يكن جميل الصوت ، وبالتالي الإنسان عندما يمتلك أدوات ، يضخم الأدوات التي يمتلكها بشكل أكبر ،  على حساب الأدوات التي لا تظهر تميزه على الآخرين ، سيد درويش فعل ذلك.

هنا أريد أن أوضح أن أبي خليل القباني كان أسبق من سيد درويش في تغيير الصيغة ، وهذه نقطة عامة ، أي أنه غيَّر الصيغة ليس من المطرب – الملحن أو المطرب فقط ، والتي كانت سائدة ، وتعتمد على الصوت الفردي أساساً ، ولم يحولها إلى الملحن – المطرب ،لأنه  لم يتوقف أصلاً عند المطرب ، هو أعطى صيغة جديدة أكثر تطوراً وتنويعاً .. هنا لا نتحدث عن أعماق الجملة اللحنية ، هذا موضوع آخر ، سنتحدث عنه أيضاً ، وسأصل إليه ، ولكن الصيغة الفنية كلها تغيرت عند أبي خليل ، بل إنه نسفها كلياً ، لأنه لم يعتمد على الصوت كمكون أساسي ، ولأنه اعتمد تنويع المكونات في رسم ملامح الصيغة الفنية الجديدة.

*النقطة الثالثة التي سأتحدث فيها تقع بين الكتابين. الكتاب الأول تحدث عن المسرح ، و الكتاب الثاني تحدث عن الموسيقى ، وقد رأيت اليوم ، أن أتحدث مرتجلاً أمامكم عن فكر أبي خليل القباني ،  الذي جمع الموسيقى والمسرح. بمعنى آخر ، سأتوقف عند القواسم المشتركة في فكره ، وليس في فكره الموسيقي أو المسرحي .. في فكره العام .. ما هي القواسم المشتركة؟  كيف أثرت  الموسيقى في مسرحه ؟  ثم كيف أثر المسرح في ألحانه؟

أنا أعتقد أن العلاقة بين الموسيقى والمسرح في فكره كانت تبادلية وثنائية الاتجاه ، بمعنى أن هناك تأثيراً من الموسيقى في مسرحه ، و هناك تأثير لمسرحه في ألحانه ، وهذه نقطة هامة للاستكشاف.

لعلي لا أزعم أبداً أنني سأستطيع فعل هذا الآن وكما نقول في حلب على الحارك .. أن أطور هذه الأفكار كلها ، لأنها أفكار ولدت منذ نصف ساعة ، حفزها نشر الكتابين .. وأنا بالتالي أشكر لجنة المحاضرات التي وضعتني في موقف ، اضطرني أن أبحث عن الجديد ،  و أنا لا أزعم أنني سأستطيع أن أطور كل الأفكار في هذه الأقسام ، ولكن لعلها تكون بدايات ، سيكون لها نهايات ، في القادم من السنين.

*النقطة الرابعة : وهي نقطة أخيرة ، لعلي أود أن أتوقف عندها ، وهي دور أبي خليل القباني في النهضة الموسيقية في مصر . الجميع يتحدث عن بدايات النهضة الغنائية الموسيقية في مصر ، معتبراً أنها بدأت مع محمد عثملن وعبده الحمولي ، واستمرت مع سيد درويش ومحمد القصبجي ، وصولاً إلى ثم عبد الوهاب والسنباطي وفريد … إلخ

ولكن كيف بدأت هذه النهضة ؟ هل تبدأ النهضة من فراغ ؟ بالطبع لا ! وبالتالي أعتقد أنه هنا أيضاً نقطة هامة لأبي خليل القباني . أعتقد أنه لعله لا نستطيع أن نطلق أحكاماً قاطعة في البحث العلمي . عادة نعتمد هذه الصيغة :  لا يوجد ما يمنع أن نقول أن أبي خليل القباني كان رائداً موسيقياً في مصر ، بالإضافة إلى ريادته للمسرح الغنائي ، وسأعطي بعض الأمثلة على ذلك ،  أثناء دخولي في معالجة هذه النقطة.

إذاً .. اسمحوا لي بعد أن أعطيت هذا المخطط الذي يبتعد تماماً عما كنت خططت له ،  وفق الأسباب التي شرحت ، و  قبل أن أبدأ ، أن أذكِّر ببعض العناصر في سيرة أبي خليل ، التي قد تكون مساعدة لي على إغناء وتطوير الأفكار ، و على إجراء مقارنات توضح ما أرمي إليه

يتبع في الصفحة التالية

Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading