هل دُوِّنت الألحان التي وثَّق لها كتاب الأغاني؟

شعار كتاب الأغاني الثاني

صورة نادرة من مخطوط كتاب الأغاني تجسد الغناء والرقص في آن

سألني : هل وجدتَ في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ما يُشعر بأن كبار المغنين قاموا بتدوين ألحانهم؟

فأجبت :

من حيث المبدأ ، فإن كتاب الأغاني حافل بالمعلومات الموسيقية ، التي تجاوزها من سبق ودرسوه ، من وجهة نظر أدبية ، أو شعرية ، أو اجتماعية ، أو ما شابه . ولكن قراءته ، التي أقوم بها ، في سياق موسوعة كتاب الأغاني الثاني ، تكشف معلومات موسيقية ذات أهمية بالغة .. وللإجابة عن سؤالك : نعم ، فالخبر التالي ، مثلاً ، الوارد في المجلد العاشر من كتاب الأغاني ، يجيب عن هذا السؤال:

أخبرني عمي قال : حدثني الحسين بن يحيى أبو الجمان: أن إسحاق ( الموصلي ) بن إبراهيم ، لما صنع صوته: قل لمن صد عاتباً

اتصل خبره بإبراهيم بن المهدي ، فكتب يسأله عنه؛ فكتب إليه بشعره وإيقاعه وبسيطه ومجراه وإصبعه وتجزئته وأقسامه ومخارج نغمه ومواضع مقاطعه ومقادير أدواره وأوزانه، فغناه. قال: ثم لقيني فغنيانه، ففضلني فيه بحسن صوته.

الصوت ( الأغنية ) :

قل لمن صد عاتبا ونأى عنك جانبا * قد بلغت الذي أرد ت وإن كنت لاعبا

الشعر والغناء في هذا اللحن لإسحاق، ثاني ثقيل بالبنصر في مجراها. وفيه لغيره ألحان.

فسألني مجدداً : ولكن .. هل هناك تجسيد عملي لهذا النظام في التدوين؟

الإجابة :

نحن نعرف الآن المقصود بالمصطلحات الواردة في الخبر ، ومنها مثلاً : المجرى والأصبع ، اللذان يحددان المقام الموسيقي الذي بني عليه اللحن . الأصفهاني يكتب في توثيق الصوت (  الأغنية ) : ” الشعر والغناء في هذا اللحن لإسحاق، ثاني ثقيل بالبنصر في مجراها ” ، و عند قوله : ثاني ثقيل ، فهو يعني إيقاع الثقيل الثاني ، وهو أحد الإيقاعات الثمانية المعروفة في ذلك العصر ، أما البنصر ( موقع إصبع البنصر على زند العود ) في مجراها ، فتعبر حسب رموز كتاب الأغاني عن مقام الكرد ..
إلا أننا لم نجد أمثلة تعبر عن التدوين ذاته .. ومع ذلك ، و عبر تتبع عناصر التدوين في كتابات معاصرين ولاحقين لعصر اسحق الموصلي ( 767-850) وجدت أن الكندي المعاصر لإسحاق الموصلي (805-873 ) سمى الأصوات الموسيقية بالأحرف الأبجدية ، وقام بتدوين تمرين للعزف على العود ، حوله الأستاذ زكريا يوسف لاحقاً إلى التدوين المعاصر. أما صفي الدين الأرموي البغدادي ( 1216-1294) فقد قام بشرح أسلوب التدوين مع تحديد النص ، و الأصوات الموسيقية المشكلة للحن ، والأزمنة المشكلة للإيقاع ، وذلك في كتابه الهام : الأدوار .

صورة نادرة

تبين الصورة  النادرة ، المبينة أدناه ، و المقتطفة من مخطوط كتاب الأدوار ، نظام التدوين الموصوف ، حيث كُتب نص الأغنية في الأعلى ، و كتبت الأصوات الموسيقية في أسفل النص ، مجسدة بحروف من أبجدية اللغة العربية ، وفق ما أسسه الكندي ، ثم يضع الأرموي البغدادي ، المدة الزمنية في الأسفل ، وهي المدة التي يمتد أداء النص على طولها ، أي أنه يحدد الإيقاع ، ويلاحظ أن مجموع المدد الزمنية لكل مقياس ( بين خطين طولانيين ) يساوي 12 ( أي إيقاع الرمل حسب تعريف الأرموي له في موقع آخر من كتابه ) ، أما ترجمة الأحرف الأبجدية المجسدة للأصوات الموسيقية ، فتُعرِّفنا أن اللحن أتى على مقام البيات!

يقول النص:

على صبكم يا حاكمين ترفقوا * ومن وصلكم يوماً عليه تصدقوا

أما كيف حددتُ أن اللحن أتى على مقام البيات ، فلهذا حديث آخر !؟

د. سعد الله آغا القلعة

Bookmark the permalink.

Comments are closed.