كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني و حصر للأفكار الموسيقية الرئيسية التي نقلها إلينا!

شعار كتاب الأغاني الثاني

يعد كتاب “الأغاني” أعظم مرجع لكل باحث في الحضارة العربية، لأنه موسوعة في التاريخ والأدب والنقد والموسيقى، تضم معلومات غنية عن مدارس الشعر والغناء، وتراجم للشعراء والمغنين والموسيقيين، وشعرا، ونقدا للشعر، وأنسابا، وأخبارا طريفة عن الملوك والوزراء والعلماء والأدباء، وصورا عن الحياة الاجتماعية للعرب في الجاهلية والعصرين الأموي والعباسي. قال عنه ابن خلدون في مقدمته : “جمع فيه أخبار العرب وأشعارهم، وأنسابهم، ودولهم، وجعل مبناه على الغناء في المائة صوت التي اختارها المغنون للرشيد، فاستوعب ذلك أتم استيعاب وأوفاه. ولعمري إنه ديوان العرب، وجامع أشتات المحاسن التي سلفت لهم في كل فن من فنون الشعر والتاريخ والغناء وسائر الأحوال، ولا يعدل به كتاب في ذلك فيما نعلمه، وهو الغاية التي يسمو إليها الأديب ويقف عندها.
وضع أبو الفرج الأصفهاني كتاب الأغاني بغية توثيق الأصوات المائة المختارة من أغاني الأقدمين،التي كان هارون الرشيد قد طلب تحديدها من ثلاثة من أشهر المغنين في عصره، فاختاروها له،كما أضاف الأصفهاني عليها أغان أخرى ليست من تلك الأصوات المائة.
ضم الكتاب أيضاً ترجمة الأعلام الذين وضعوا شعر الصوت أو لحنه أو استمعوا إلى أدائه غناءً ، من ملوك ووزراء ومغنين وشعراء ، فكان لهذا جامعاً لسير أهم مشاهير الجاهلية والإسلام . جرى في تقسيم كتابه على نحو من سبقه من المؤلفين فلم يكن الزمن أساس ترتيبه، ولا الأسماء مرتبة ترتيباً ابجدياً، ولا العناوين مفهرسة حسب الموضوعات، وإنما كان أساس ترتيبه الأصوات وتسلسل ورودها في عملية التوثيق ،مبتدئاً بالأصوات الثلاثة الأولى وما تلاها ، فيبين الصوت ،وشعره، وأساس لحنه وإيقاعه، وحياة من وضعه شعراً ولحناً. أدت هذه الطريقة الى تجزئة توثيق حياة كثير من الشعراء والمغنين ،مع تكرار علاقتهم بالصوت الموثق ، مما تطلب لأي باحث أن يعود إلى مواضع عديدة في الكتاب لتتبع سيرة حياة شاعر أو مغن. يعتقد أن الأصفهاني جمع كتاب “الأغاني”، تلبية لطلب الوزير المهلبي وزير المعز للدولة البويهي، في خمسين سنة، ثم حمله لدى انتهائه إلى سيف الدولة بن حمدان في حلب، فأعطاه ألف دينار واعتذر إليه. وحكي عن الصاحب بن عباد في الأندلس أنه كان في أسفاره وتنقلاته يصطحب حمل ثلاثين جملاً من كتب الأدب ليطالعها، فلما وصل إليه كتاب الأغاني لم يكن بعد ذلك يصطحب سواه.
لم يتضمن الكتاب أي توثيق للأسس التي اعتمدتها اللجنة لدى اختيارها للأغاني المائة المختارة ، فبقيت تلك الأسس حبيسة في أفئدة أعضاء اللجنة وعقولهم ، إلا جملة وثقها كتاب الأغاني على لسانهم ، عندما برروا لهارون الرشيد اختيارهم للأغاني الثلاثة الأهم منها فقالوا : لقد اختزنت الغناء العربي كله..!

الأفكار الموسيقية الرئيسية التي نقلها إلينا كتاب الأغاني والتي تؤكد أهميته في عالم الموسيقى: 

  1. كان المحرض على وضعه توثيق أول عملية نقد موسيقي في التاريخ أوكلها الرشيد إلى لجنة تشكلت من ابراهيم الموصلي وابن جامع وفليح بن أبي العوراء..
  2. قالت اللجنة بأن الأصوات ( الأغاني ) الثلاثة التي اختارتها اللجنة  اختزلت الغناء العربي كله.
  3. المشكلة في تبويبه أن الأغاني الثلاث الفائزة لم تكن لشعراء مشاهير ، و ابن منظور انتقد مضامينها ، أي أن اللحن الأفضل لم يكن للنص الأفضل.
  4. كان لابد من إعادة تبويبه زمنياً لفهم تطور الغناء العربي ، فالأصفهاني كان بعيداً عن ذلك الزمان كما أنه في تسلسل تأليفه للكتاب اعتمد الأصوات الثلاثة المختارة ليبدأ بأخبار مبدعيها بغض النظر عن مواقعها الزمنية.
  5. كان كتاباً للتأريخ أكثر منه للنقد ، ولكن أتاح لنا العمل النقدي.
  6. شرح لنا آلية تأثير الموسيقى في الشعر المغنى.
  7. شرح لنا ماهية الغناء المتقن ، حيث انفصل إيقاع اللحن عن إيقاع الشعر.
  8. شرح لنا آلية ضبط الألحان لمواءمة الإيقاعين الشعري والغنائي.
  9. وصف لنا الألحان كألحان معبد أو حصون معبد التي لا يستطيع شبعان أن يغنيها ، ولا سقاء يحمل قربة ، مما يعني أنها تتطلب صوتاً يتمتع بمساحة صوتية كبيرة ، وامتداداً طويلاً للنفس.
  10. حدد لنا الإيقاعات المعروفة 6 أولاً ثم 8 .
  11. أعلمنا أن الألحان كانت تمتد على البيت الواحد ، إلى أن أتى ابن محرز فأصبح اللحن يمتد على بيتين متتاليين.
  12. شرح لنا كيف انتقل ابن سريج من النوح إلى الغناء الخفيف ، بعد أن سبقه الغريض تلميذه في النوح ، وهذا يدل على أن الإبداع يرتبط بالطلب.
  13. أعلمنا أن الملحنين كانوا محبوبين لا محترمين ، فها هو اسحق الموصلي يخفق في أن يولّى القضاء ، أو أن يصلي مع الخليفة يوم الجمعة. يذكرنا هذا يذكرنا كيف قتل ابن عائشة من محب له (الغمر) بسبب رفضه أن يغني له ما أراد.
  14. شرح لنا أسلوب اسحق في ترميز المقام الموسيقي ، ودرجة استقراره ، والمقامات التي كانت متداولة مع ضرورة التمييز بين المجرى والمقام.
  15. شرح لنا أن الناس كانت تميل للخفيف دوماً ، وذلك عبر حادثة لحكم الوادي ، الذي سأله ابنه لماذا تغني الخفيف ، فقال غنيت الثقيل 60 عاماً فلم أنل إلا القوت وغنيت الخفيف سنوات فأكسبتك ما لم تر مثله.
  16. شرح لنا الصراع بين مدرستي الأصالة المعتمدة على العلم ، والحداثة المعتمدة على جمال الصوت والموهبة ، أي بين ابراهيم الموصلي وابن جامع ، وبين اسحق الموصلي وابراهيم بن المهدي.
  17. أعلمنا عن التعليم في ذلك الزمان عبر أخبار معهد ابراهيم الموصلي ، و مشهد أداء 30 جارية لأحد الألحان ، وكيف شذ وتر فأعلمه ابن جامع عن ذلك ، فقال الموصلي يا فلانة شدي مثناك ( وتر المثنى هو أحد أوتار العود ).
  18. أعلمنا غن ضرورة اتقان عزف العود ، وكيف أن اسحاق الموصلي كان يمكنه أن يتجاوز ضبط أوتار العود ثم يعزف مع الآخرين دون أي نشاز!
  19. أعلمنا عن تنويع الإيقاع ، بأن يأخذ الدلال قصيدة لابن ربيعة ، ويغني أبياتها على مقام واحد ، وكل بيت على إيقاع.
  20. أعملنا عن وضع لحن من قبل الموصلي ابراهيم ، وكيف بحث له عن لحن لمدة طويلة قبل أن يجده في بيت لذي الرمة : ألا يا اسلمي يادار مي على البلا ولا زال منهلاً بجرعائك القطر
  21. أعلمنا عن إمكانية وضع نص جديد للحن قديم  وذلك عندما أورد كيف وضع أبو العتاهية شعراً للحن سابق أحبه الرشيد فقال: خانك الطرف الطموح أيها القلب الجنوح
  22. أعلمنا أن ابن مسجح وابن محرز قطبا الغناء العربي زارا الشام والعراق واتخذا ألحاناً وضعا لها نصوصاً عربية وسمح الخطف والمد بذلك بسبب اختلاف الإيقاعية.
  23. أعلمنا أن الغريض أخذ ألحاناً من رهبان .
  24. أعلمنا أن اللحن العربي مختلف عن اللحن الرومي في إيقاعيته: حادثة اسحق والجارية الرومية التي وضعت لحناً رومياً على شعر عربي.
  25. أعلمنا أن اسحق وابن المهدي أحصيا ألحان ابن سريج واختلفا على العدد 68 حسب الموصلي و63 حسب ابن المهدي ،  ثم تبين أن كان يعيد توظيف ألحانه على نصوص مختلفة ، ومن أسباب تغيير النص الخوف من أشخاص يأتون والنص فيه هجاء لهم.
  26. أعلمنا من خلال هذه العملية الإحصائية عن إرهاصات فكرة إرجاع الألحان لأصحابها والحفاظ على حقوقهم في ألحانهم.
  27. أعلمنا أن التدوين كان موجوداً ، وأن اسحق أرسل بلحن إلى المهدي فغناه من كتابته .
  28. أعلمنا عن مدى الاهتمام بتلحين اللفظ : حييا أم يعمرا قبل شحط من النوى 3 ياء حسب ابن المهدي أم أربعة حسب اسحق ، واعتبر أن إهمال ذلك أرَّخ لبدايات السقوط.
  29. أوضح ملامح وضع اللحن عند بعضهم ، حيث كان منهم من يضع صيحة اللحن قبل أن يضيف إليه الكلام ، ومنهم من كان يلجأ إلى ولده عازف العود لتوثيق لحنه .
  30. أوضح أن مكانة المغني أكبر من مكانة الموسيقي.
  31. لم يرد فيه أي نص عن : ياليل.

د. سعد الله آغا القلعة

 

Bookmark the permalink.

Comments are closed.