حياة وفن أسمهان – الفصل الثاني – 4 : لم تعد القمة بعيدة ..

شعار كتاب الأغاني الثاني

الفصل السابق : حياة وفن أسمهان – الفصل الثاني – 3

 أسمهان 2

الكتاب المسموع : حياة وفن أسمهان
الفصل الثاني – القسم الرابع

مدحت عاصم مجدداً مع أسمهان يقود إلى عبد الوهاب والسنباطي


التسجيل الصوتي للاستماع المتزامن مع قراءة النص :


لنترك القصبجي يحلم بالدنانير، ولنترك الأستاذ عبد الوهاب الذي كان يمر بأيام صعبة، لنتركه يفكر كيف سيردّ على القصبجي ، ولنعد إلى مدحت عاصم الذي قدّم الآن لـ أسمهان المونولوج الذي سيرفعها لأول مرة، لكي يكرّسها في قمة منافسة للسيدة أم كلثوم ، إنه مونولوج دخلت مرة في جنينة .

كيف حكمتُ أنه رفع أسمهان لهذه القمة المنافسة؟..  الأستاذ عباس محمود العقاد يصف كيف أنه تعب لكي يحصل على نسخة من هذا المونولوج بعد أن سمع كثيراً عنه، لأن أسطواناته كانت قد نفذت جميعاً من السوق. وإذا كانت أم كلثوم قد حكمنا بأنها وصلت إلى القمة من يوم أنها باعت من أسطوانة مونولوج إن كنت أسامح وانسى الأسيّة ربع مليون أسطوانة، فإننا نحكم من نفاد اسطوانات هذا المونولوج أن أسمهان أصبحت في قمة منافسة لـ أم كلثوم .

لنستمع إلى هذا المونولوج دخلت مرة في جنينة لنتأكد أنه في تلك الفترة كان جديداً تماماً على المستمع العربي.


 (قطع إلى مونولوج دخلت مرة في جنينة لـ أسمهان )

دخلت  مرة  في  جنينة..  أشم  ريحة الزهور

وهنّي نفسي  الحزينة..  واسمع  نشيد  الطيور

بصيت لقيت على الغصون بلبل و ويّاه وليفته

واقف  معاها  فـ سكون  أنا فرحت لما شفته

فارد    جناحه     عليها    و  بيراعيها    بحنان

وهو   من  حبه  فيها ..  غنّى لها  لحن الأمان

 هل لاحظتم معي الأسلوب الحزين الذي عبرت به أسمهان عندما أدّت عبارة “ونفسي الحزينة” ، عندما تحدثت عن ذلك الطير الذي كان يفرد جناحه على وليفته؟ هل كانت تتذكر تلك الأيام التي كان فيها زوجها يفرد جناحه عليها؟ فعلاً المعاني في هذه الأغنية، أو في هذا المونولوج ، في رأيي، تمسّ دواخل عواطف أسمهان ،  وخاصة عندما نصل إلى المقطع التالي، عندما تتحدث عن الوليفة التي تركت ذلك الطير الذي فرد جناحه عليها. هل كانت تروي قصتها مع زوجها وكيف تركته؟

 (قطع إلى مونولوج  دخلت مرة في جنينة لـ أسمهان )

وبعد  مدة  طويلة.. في  شرب كاس الوصال

لقيت  حبيبته  الجميلة..  ساقت  عليه الدلال

طارت  ما  سألتش  فيه..  و خلفتله العذاب

مسكين يا روحي عليه.. قلبه من الوجد داب

خرجت  صعبان   عليَّ .. حالته  تبكّي  الجماد

حفظ  ودادها  وهيّ..  خانت  عهود  الوداد


 عبد الوهاب وأسمهان في قيس وليلى

في البداية، الأستاذ عبد الوهاب انتبه إلى البيانو الذي ورد عند مدحت عاصم في يا حبيبي تعال الحقني وفي مونولوج دخلت مرة في جنينة ، وقدّمه في قصيدة الصبا والجمال في فيلم يوم سعيد .

على كل حال ما لنا ولهذا، ولنبقَ مع أسمهان والأستاذ عبد الوهاب . الأستاذ عبد الوهاب معروف أنه لم يقدِّم صوتاً جديداً، كان دائماً يتمهل، يحسبها، يتأكد، وبعد أن يثبت ذلك الصوت أنه قادر متمكن، عندها يقدّم له عملاً غير مسبوق، وكان هذا صحيحاً مع الأستاذ عبد الحليم ، مع السيدة فايزة أحمد ، مع آخرين.

آلة الأوبوا من أوبريت انتصار الشباب

آلة الأوبـوا من أوبريت انتصار الشبـاب

وهكذا قرّر، وهو محرَّض بنجاح القصبجي في تلحين أسقنيها بلحن تميز عن لحنه هو، وبتفوق مدحت عاصم في مونولوج دخلت مرة في جنينة ، قرّر أن يختار عملاً من قصائد شوقي ، من أعمال شوقي، هو أوبريت قيس وليلى الدرامية المعروفة العابقة بالشجن والحزن الملائم للتعبير عند أسمهان ، وهكذا قدّما سويةً فعلاً تلك الأوبريت التي ستبقى علامة مميزة في تاريخ الموسيقى العربية.

في هذه الأوبريت عبّرت أسمهان تماماً. لنتوقف عند بعض المقاطع، مثلاً في المقطع التالي نتوقف عند الدلال الذي يعبق في أدائها عند كلمة “حطبا”، هل كانت تتأثر بحياتها اللاهية قليلاً؟ نتوقف أيضاً عند عبارة “يا مرحبا” ويظهر هنا أداؤها تماماً مثل أداء شقيقها فريد الأطرش الغائب الحاضر معها ، وهنا يُكتشف دوره في تدريبها أيضاً، ونصل أخيراً إلى أن الأستاذ عبد الوهاب ، عندما قدّم مقطع “قيس ابن عمي عندنا” طبعاً لصوت أسمهان ، ابتدأه بآلة: الأوبوا في الموسيقى الغربية، وهي آلة ذات صوت مزدوج، ولعلّها الأقرب إلى صوت أسمهان ذي الطبيعة المزدوجة التي سميتُها بالصوت الأغنّ.


 (قطع إلى أوبريت قيس وليلى لـ محمد عبد الوهاب و أسمهان )

المهدي: (مناديا): ليلى، انتظر قيس، ليلى

ليلى: (من أقصى الخباء): ما وراء أبي؟

المهدي: هذا ابن عمك ما في بيتهم نارُ

(تظهر ليلى على باب الخباء)

ليلى: قيس ابن عمي عندنا يا مرحبا يا مرحبا

قيس: متِّعت ليلى بالحياة وبلَغتِ الأربا

ليلى: (تنادي جاريتها بينما يختفي أبوها في الخباء) عفراء

عفراء: (ملبية نداء مولاتها): مولاتي

ليلى : تعالي نقضِ حقا وجبا

خذي وعاءً واملئيه لابن عمي حطبا

(تخرج عفراء وتتبعها ليلى)

لندقق أيضاً، الدلال الذي بدأ يظهر مرة ثانية في أدائها، والذي يُظهِر، لعلّه، تأثير حياتها اللاهية في تعبيرها في مقطع “أتُرى سلوتنا وعشقت المها الأُخر”

 (قطع إلى أوبريت قيس وليلى لـ محمد عبد الوهاب و أسمهان )

ليلى: نبِّني قيس ما الذي لك في البيد من وطر ؟

لك فيها قصائد جاوزتها إلى الحضر

أتُرى قد سلوتنا وعشقت المها الأُخر ؟

لن أتوقف طويلاً في تحليل أوبريت قيس وليلى لأنني سأفعل ذلك عندما أنظر في رد الأستاذ فريد الأطرش عليها في أوبريت انتصار الشباب.

مشهد انتباه ليلى لاحتراق يدي قيس

الآن يهمني أن أتوقف عند مشهد محدَّد لم يرِد مثله في الغناء العربي، وهو ذلك التقاطع في العواطف والمعاني عندما يكون قيس مسترسلاً في وصف حبه، وإذ بليلى تتنبّه إلى الجمرات التي تحرق يدي قيس، وتحاول أن تنبهه دون جدوى إلى ذلك.

هنا عبّرت أسمهان ، ولو أن الأستاذ عبد الوهاب قيّد صوتها في مساحة صوتية تشابه مساحة صوته هو.. لم يُضِرْها ذلك، واستطاعت أن تعبّر أداءً في تعبيرية مماثلة لتعبير الأستاذ عبد الوهاب الرائع. ولكن لأتوقف عند المقدمة الموسيقية لهذا المقطع بعد كلمة ” خذ الحذر” .. هنا ستأتي مقدمة موسيقية استطاع الأستاذ عبد الوهاب فيها أن يعبّر عن العاطفتين سويةً، وهذا جديد أيضاً في الغناء العربي، عندما هناك في المقدمة الموسيقية لونان تلحينيان: لون مسترسل بطيء يعبّر عن قيس وهو مسترسل في وصف حبّه، ولون ديناميكي يعبِّر عن توتّر ليلى وهي تشهد الجمرات كيف تحرق يدي حبيبها قيس دون أن ينتبه. فعلاً كان هذا  تجديداً من الأستاذ عبد الوهاب وكانت هذه المعاني المتعارضة فعلاً جديدة، أدّاها عبد الوهاب وأسمهان في سويّة رائعة.


 (قطع إلى أوبريت قيس وليلى لـ محمد عبد الوهاب و أسمهان )

قيس:غرتِ ليلى من المها والمها منكِ لم تَغر

لستِ كالغِيدِ لا ولا  قمر البيد كالقمر

ليلى وقد رأت النار تكاد تصل إلى كم قيس:

ويح عيني ما أرى

قيس؟

قيس : ليلى

ليلى: (مشفقة): خذ الحذر!

قيس (غير آبه):

رب فجر سألته هل تنفستِ في السحر

ورياحٍ حسبتها  جررت ذيلكِ العطِر

وغزالٍ جفُونُه  سرقت عيَنكِ الحور

ليلى : ويح قيسٍ تحرقت راحتاه // قيس: ليلى.. // ليلى : وما شَعر!


واكتمل العقد مع السنباطي

طبعاً أسمهان لم تشارك في الفيلم ولا في الأوبريت تمثيلاً، وإنما أدّت بصوتها فقط، وكان عذرها إنها لا تستطيع أن تشارك في الفيلم أو تظهر في السينما خوفاً من أهلها. لكنني أعتقد أن فريداً .. الأستاذ فريد الأطرش كان خلف هذا، كان يريد لها أن تظهر لأول مرة في السينما معه هو./ملاحظة: ثبت لاحقاً أن تخوف أسمهان كان في محله إذ طلقها زوجها عندما علم أنها بدأت بتصوير فيلم انتصار الشباب/.

على كل حال، كُرِّست أسمهان بناتج مجموع هذه الأعمال في قمة منافسة للسيدة أم كلثوم ، لدرجة أنها اعتذرت عن المشاركة في حفلة أقامتها “دار آخر ساعة”، مجلة “آخر ساعة”، بمناسبة عودتها للصدور، بعد توقف دام ثلاثة أشهر. أقامت هذه الحفلة مجلة آخر ساعة، وشاركت فيها أو كانت ستُشارك فيها السيدة أم كلثوم .. اعتذرت أسمهان ، وكان عذرها أنها لا تستطيع أن تشارك في هذه الحفلة لأن الحفلة لن تتحملهما معاً، هي و أم كلثوم !

كيف سترد السيدة أم كلثوم ؟ والقصبجي كيف سيلحّن قصيدة هل تيَّم البان ؟ والأستاذ فريد الأطرش كيف سيرد على أوبريت قيس وليلى ؟ كل هذه الأسئلة نتابعها في الحلقة القادمة.

أما الآن فلأودعكم مع شارة البرنامج التي تحمل قصيدة  يا لعينيك ، تلك القصيدة التي لحَّنها الأستاذ رياض السنباطي أولاً للسيدة أم كلثوم ، ولما رفضتها عرضها على أسمهان لتغنيها مكرِّساً لها في المكانة الثانية بعد أم كلثوم ، ولكن أيضاً محقِّقاً دخول رياض السنباطي عالم أسمهان الغنائي.


( قطع إلى شارة البرنامج و قصيدة يا لعينيك لـ أسمهان)

يا لعينيكِ ويالي من تسابيح خيالي

فيهما ذكرى من الحب ومن سهد الليالي

د. سعد الله آغا القلعة


يتبع .. الكتاب المسموع حياة وفن أسمهان : الفصل الثالث – القسم الأول : أسمهان و فريد الأطرش بين السنباطي وعبد الوهاب .. وأم كلثوم

الفهرس العام لمجلد أسمهان الإلكتروني

Tagged , , , . Bookmark the permalink.

Comments are closed.