على طريق استشراف مستقبل موسيقانا العربية الأصيلة : الدراسات في الغرب تكشف خطأ الفكرة السائدة في أن الشباب المتابعين لموسيقى ذات سوية فكرية متدنية ، سيتحولون إلى موسيقى أعمق ، عندما يكبرون!

شعار كتاب الأغاني الثاني

تردني رسائل كثيرة تعبر عن قلق محبي الموسيقى العربية الأصيلة على مآلها في المستقبل .. وقد رأيت أن أخصص مساراً خاصاً من النشرات ،  لطرح هذا الموضوع ، والبحث عن تطوير أفكارٍ تنير الطريق ، لمن يسعى لمعالجة الواقع المتردي لموسيقانا الأصيلة ، ولإعادة الاعتبار إليها ، لكي تبقى رصيداً حياً للأجيال القادمة!
سأطور خلال هذا المقال أسئلة محددة ، استناداً إلى دراسات تجرى في الغرب ، وتعنى باستشراف مستقبل التراث الكلاسيكي الغربي.. فتجارب الشعوب تتماثل!

دراسة فرنسية حول مستقبل الموسيقى الكلاسيكية في الغرب
في دراسة هامة نشرت مؤخراً في فرنسا ، نبَّه عالم الاجتماع الفرنسي ستيفان دوران ، إلى أن العمر الوسطي لمرتادي حفلات الموسيقى الكلاسيكية في فرنسا ارتفع إلى 61 عاماً ، مقابل 36 عاماً في عام 1981 ، ما يعني أن الأجيال الجديدة لا تقبل على تلك الحفلات ( الدراسة تمت على 5000 شخص حضروا 110 حفلات قدمتها 19 فرقة سمفونية ) وأن مرتادي تلك الحفلات يشيخون مع الوقت.
تبين الدراسة أيضاً أن نصف المتابعين ( وهم من كبار السن وسطياً ) سبق أن درسوا الموسيقى الكلاسيكية في مرحلة من مراحل الدراسة ، وأن ربعهم درسها في معهد موسيقي . المقلق في نتائج الدراسة ، أنها تعارض الفكرة التي كانت معتمدة ، في أن الشباب المتابعين لموسيقى ذات سوية فكرية متدنية ، سيتحولون إلى موسيقى أعمق عندما يكبرون ، وتثبت أن الأجيال الشابة ترتبط ذكرياتها بالموسيقى التي تابعتها ، وهي في سن الشباب ، فتصبح تلك الموسيقى رفيقة تلك الأجيال في الكِبَر ، بغض النظر عن مستواها الفني .. وهي فكرة منطقية ، ولكنها تنبئ بمستقبل قاتم للموسيقى الكلاسيكية في الغرب ، كما في الشرق ..

حلول مقترحة قد نستفيد منها!
كنتيجة للدراسة ، بدأت الجهات المعنية بالموسيقى الكلاسيكية في فرنسا ، بتوفير حفلات موسيقية كلاسيكية للأطفال بين سن 3 إلى 6 سنوات ، وهي السن المثلى لتوفير استيعاب مستدام لها ، تضمن خلالها رعايتهم ، دون ضرورة لتواجد الأهل ، لكي تشجعهم على قبول الفكرة ، و على إحضار أولادهم لحضور تلك الحفلات ، مع توفير برامج موسيقية ملائمة للأطفال ، ومتدرجة السوية مع الوقت ، فيما قررت إدارة مسرح شاتليت ، وهو مسرح كبير في باريس ، اعتاد احتضان حفلات الموسيقى الكلاسيكية ، أن تدمج في حفلاته بين مضامين كلاسيكية و مضامين موسيقية أو غنائية معاصرة ، ذات جماهيرية واسعة ، في سعي لبناء الجسور مع الأجيال الشابة.. وهي تجربة بدأت تحقق بعض النجاح ، إذ انخفض العمر الوسطي لمرتادي تلك الحفلات إلى 53 عاماً مقابل 61 على المستوى الوطني الفرنسي ، كما تتم العناية بدروس الموسيقى في المدارس الإعدادية والثانوية وفي الجامعات ، وتشكيل فرق موسيقية فيها ، تقدم التراث الموسيقي الكلاسيكي ، وتعرضه للجمهور المشكل أساساً من أهالي الطلاب .. ما يخلق حالة من التواصل بين الأجيال تكفل استدامة ما لذلك التراث..

أسئلة تطرحها الدراسة
تطرح هذه الدراسة علينا أسئلة مماثلة : هل نتوقع لتراثنا الموسيقي أن يشيخ جمهوره كما في الغرب .. أم أن الوضع مختلف ؟ ما هي العناصر التي دعت محبي الموسيقى الأصيلة والمتقنة للارتباط بها ؟ هل كانت أجواء الأسرة أم اهتمام المدرسة أم أن هناك أسباباً أخرى؟ وأخيراً .. وهو السؤال الأهم : هل لازلنا نتوقع أن يتحول الشباب إلى موسيقى أكثر إبداعاً ، مع الوقت ، أم أنهم سيبقون متعلقين بأغانٍ ارتبطت بذكرياتهم ، رغم تدني سويتها الفنية ؟ أسئلة كثيرة سنتشارك في الإجابة عنها.. وللحديث بقية!

د. سعد الله آغا القلعة

Bookmark the permalink.

Comments are closed.