في عام 1972 ، قدمت السيدة فيروز ، وضمن مسرحية ” ناس من ورق ” ، أغنية ” دقيت طل الورد ع الشباك” ، من كلمات سعيد عقل وألحان الأخوين رحباني . تميز نص الأغنية بكثافة في التصوير ، وبعمق في التعبير ، لرواية “ماريا ” للروائي الكولومبي جورج إيساك ، مع إسقاطات مستقبلية لها ، فيما جاء اللحن ومضة عاطفية استندت إلى بيانوزياد رحباني.
أبدع سعيد عقل في هذا النص في تكثيف اللحظة العابرة والمديدة ، وفي تضمين نصه أسئلة إجاباتها خفية ، كما أبدع الأخوان رحباني ، في نقل أسلوب التعبير اللحني ، عن الحوار المسرحي ، بين شخوص مختلفة ، إلى ألحان الأغاني المقدمة بصوت واحد ، معتمدين على قدرات فيروز التعبيرية الفريدة ، وكذلك في الانتقال بين الأجواء اللحنية المختلفة ، في سرعة ملفتة على مستوى الكلمة الواحدة ، فيما أبدعت فيروز في إحاطتها بالنص وصياغته بأسلوب حوله بعد انتهائه إلى “عطر يبقى بها الكون” ، فيما أتى بيانو زياد لتعبر ضرباته على طول الأغنية ، عن دقّات الباب ، أولاً ، ثم عن نبضات القلب ، قبيل تلقي الخبر المشؤوم بوفاة الحبيبة ، ثم عن عودة الخبر المشؤوم إلى الذهن ، كلما غيَّبته صور الذكريات الجميلة!
لم تسجل الأغنية ، في حدود علمي للتلفزيون ، وإنما جاءت بتسجيل صوتي ، ولذا ، ووفق الأسلوب المعتمد في الصفحة ، في تقديم التسجيلات الصوتية مع إخراج بصري ملائم ، فقد وضعتُ لها صيغة إخراجية ، استندتُ فيها على مشاهدَ من فيلم ” ماريا ” ، الذي جسد رواية الكاتب الكولومبي جورج إيساك.
تبدأ المقدمة الموسيقية على مقام النهاوند ، بتمهيد من البيانو ، يعبر عن دقات الباب ، وعن نبضات القلب ، وكذلك عن المفاجأة المغلفة لجو الأغنية ، في وفاة الحبيبة ، فكأن ضرباته صدى يذكر دوماً بالخبر الحزين ، مثلما عندما تحل مصيبة بشخص ، ويسعى لتجاوزها ، تعود ضربات من هواجسه لتعيده إلى الذكرى الأليمة ، وسيتأكد هذا في استمرار ضربات البيانو على طول الأغنية ، في لحن متكرر آسر .
يبدأ الغناء المرسل عند كلمة دقيت ، ممتداً في تصويره لانتظار قدوم من يفتح الباب ، ثم يتخافض في تصوير لإطلالة الورد ، والتخافض هنا ضروري لأنه ينقل معلومة : ” ل الورد ع الشباك ” ، ليتصاعد اللحن عند وينها؟ ويتخافض مجدداً لإيصال معلومة” تلبك ما عاد يحكي ” ، ثم صيحة استنكار و ألم ” ماتت ” !، فاستسلام وتخافض في اللحن ، مع تطوير لإيقاع اللحن الداخلي عند ” وحدنا يا ورد رح نبكي ” يمهد للمشهد التالي الذي سيصاحبه الإيقاع غناءاً ، في جسر لحني خفي برع فيه الأخوان رحباني دائماً ..
يبرر هذا التكثيف في النص ، وتوقع موت الحبيبة ، أنها ، في القصة ، كانت مريضة بمرض صعب الشفاء ، وأن الحبيب كان قد غادر القرية ، لكي يدرس الطب ليعالجها ، وهو ما أبرزتُه في إخراجي للصورة البصرية .
ينتقل اللحن إلى المشهد التالي : الذكرى .. مع الإيقاع ، إذ أن الصور الجميلة تتوالى عن التعارف بينهما .. مع تطوير الجرعة العاطفية في اللحن ، بانتقال إلى مقام البيات الشجي عند ” فايق وشو طالت ” ، ونلاحظ أن اللحن لم يطل عند : طالت ، إذ أن النص يوحي بأن الحكاية لم تأخذ وقتاً : قالت حلوة أنا وخلصت الحكاية ! كما توقفتُ طويلاً عند وجهها ، عند كلمة ” الحلواية ” ، حيث يتموج اللحن ، وأبرزتُ مشهد قصها لشعر الحبيب ، والشوك الذي أدمى يدها ، لأننا سنجد هذا في المشاهد ، عندما يدمي الشوك يده ، وهو يقتلع باقة الورد ، ليضعها على قبرها ، كما سنجده في المشهد الأخير ، عندما تترك له جدايلها لتبقى معه .. أما عند ” خلصت الحكاية ” ، فقد اخترت مشاهد مرضها ، الذي سينهي الحكاية مع وفاتها ..
المشهد الأخير .. يعود بأجواء اللحن إلى البداية .. وإلى تكثيف النص ، والأسلوب المسرحي ، في الأسئلة والإجابات الخفية ، و إلى إبداع فيروز ، في التعبير عن تغيرات المعاني ، على مستوى الكلمة الواحدة .. عبر اللحن ببراعة ، في تكراره وتصاعده ، عند ” سنين ” عن توالي السنين ، وكذلك في امتداد اللحن عند كلمة ” سنين” الأخيرة ، للتعبير عن طول المدة .
جاء ختام الأغنية مبدعاً ، في تصاعد اللحن وامتداده ، عند كلمة ” الكون ” ، وهو ما صورته بصرياً ( من خلال مشاهد الفيلم ) ، في تصاعد الصورة إلى السماء .. حيث روح الحبيبة ..
هذه أغنية مبدعة فعلاً .. في نصها ولحنها وأدائها وإيجازها .. فكانت ومضةً إبداعيةً أوجزت رغم جمالها أوجاع الحياة!
النص:
دقيت .. طل الورد عالشباك
وينها ؟ .. تلبك ما عاد يحكي
ماتت ؟ لشو تخبّر؟
انا واياك .. أنا واياك
وحدنا يا ورد رح نبكي
انت و انا يا ورد
وحدنا بهونيك ليلة برد
حكيت لنا حكاية الحلوايه
فايق و شو طالت .. حكاية الحلواية
قالت : حلوة انا
خلصت الحكايه
و دقيت عالشباك بعد سنين .. سنين
شفته انفتح كيف شكل ؟ بعدك هون ؟
قال علمتني حلوة الحلوين
إن فليت اترك عطر بهالكون
البحث في الموسوعة
فهارس مجلدات موسوعة كتاب الأغاني الثاني
فهارس مجلدات موسوعة كتاب الأغاني الثاني
المجلدات الخاصة بمشروع نحو نهضة موسيقية عربية جديدة
مجلد حياة وفن محمد عبد الوهاب
مجلد حياة وفن محمد عبد الوهاب
الباب الأول – النسخة التلفزيونية – برنامج عبد الوهاب مرآة عصرهمجلد أسمهان
مجلد حياة وفن أسمهان
الباب الأول : النسخة التلفزيونية – حلقات البرنامج التلفزيوني أسمهان
الباب الثاني : النسخة المقروءة والمسموعة والمتشعبة
الباب الثالث : أحداث وشخصيات أثرت في حياة أسمهان – قيد استكمال النشر
الباب الرابع : الهوية ، الفرص ، التهديدات والضياع – قيد النشر
الباب الخامس : أغاني أسمهان مع الكلمات
الباب السادس : الشعراء الذين كتبوا أغاني أسمهان
الباب السابع : الملحنون الذين غنت أسمهان من ألحانهم
الباب الثامن : الأفلام التي مثلت فيها أسمهان أو اتصلت بحياتها أو بأغانيها
الباب التاسع : آلات موسيقية تميزت في أغاني أسمهان
الباب العاشر : مقالات تحليلية تناولت فن أسمهان
الباب الحادي عشر : ملاحق
لا توجد مقالات.مجلد نهج الأغاني
مجلد نهج الأغاني
الباب الأول – النسخة التلفزيونية – برنامج نهج الأغاني
مجلد حياة وفن فريد الأطرش
مجلد حياة وفن فريد الأطرش
الباب الأول – النسخة التلفزيونية – برنامج حياة وفن فريد الأطرش
مجلد برنامج نحو نهضة موسيقية عربية جديدة
مجلد نحو نهضة موسيقية عربية جديدة
اللقاء مع صباح فخري