حياة وفن أسمهان – الفصل الخامس – 1 : حياة حافلة بالألم وبتحفيز الجديد عند الملحنين

شعار كتاب الأغاني الثانيالفصل السابق : حياة وفن أسمهان – الفصل الرابع –  6 : إنها الحرب .. !

أسمهان 2الكتاب المسموع : حياة وفن أسمهان
الفصل الخامس – القسم الأول

حياة حافلة بالألم وبتحفيز الجديد عند الملحنين


التسجيل الصوتي للاستماع المتزامن مع قراءة النص :


وهكذا نصل إلى الحلقة الأخيرة من برنامج أسمهان .

في الحلقات السابقة، استعرضنا أولاً البدايات، كيف استقرت الطفلة آمال الأطرش ، أو أسمهان ، مع والدتها وشقيقيها فؤاد وفريد في القاهرة في عام 1924، ثم كيف تكوّن صوتها في نهاية العشرينات، وكيف سجّلت بعض الأسطوانات في بداية الثلاثينات، ثم ما كان من زواجها من ابن عمّها الأمير حسن الأطرش وعودتها إلى سورية لتُقيم معه هناك ست سنوات كاملة، انتهت بفراق اختارته مجبرة.

فريد وأسمهان

صورة تبرز العلاقة مدى إيمان أسمهان بموهبة فريد

عادت إلى القاهرة في عام 1938 في حالة ضياع، ليأخذ بيدها شقيقها فريد الأطرش ، فيقدّمها عبر ألحانه إلى كبار الملحّنين الذين اجتذبهم صوتها فتعاونوا معها، وقدّموا لها أغنيات ستبقى علامات مضيئة في تاريخ الغناء العربي. قدّم مدحت عاصم مثلاً دخلت مرّة في جنينة ، وقدّم القصبجي ، بين ما قدّم مونولوج يا طيور ، وتعاون معها عبد الوهاب في أوبريت قيس وليلى ، وقدّم فريد يا ليالي البشر ، كلّها أغنيات ستبقى علامات مضيئة في تاريخ الغناء العربي، ولكنها جميعها أغنيات مفعمة بالشجن والحزن الدفين الذي عبّر عن واقع حياتها، وواقع آلامها وعواطفها الدفينة.

ولكن هذه الأغنيات المفعمة بالشجن والحزن لا تلائم المسرح. المسرح كانت فيه السيدة أم كلثوم قد ابتدعت خطّة تطريب مع زكريا أحمد ، لمواجهة خط التجديد الذي تبنّته أسمهان . وهكذا، بعيدة عن المسرح، الذي يؤمّن الدخل للفنان، كانت فقيرة، وعاشت في فقر إلى أن أتى أيضاً شقيقها فريد الأطرش وقدّمها معه في فيلم انتصار الشباب . في هذا الفيلم، كان هناك نقاش علني بينها وبينه: هو يتحدّث عن التفاؤل، أنّ الفن كفيل بأن يوصل صاحبه إلى احترام المجتمع، أن يحترمه المجتمع، وهي تتحدّث عن التشاؤم، وعن الحسرة، وعن الفقر، وعن الهوان.

وهكذا بعد أن انتهى هذا الفيلم ، عادت إلى أرض الواقع. في الفيلم كان هناك نقاش، ولكنّه كان في السينما. في أرض الواقع عاشت في فقر، فعاشت تُغنّي. غنّت في يا ليالي البشر ، فغنّت عن الفقر، عن الهوان. وفي مونولوج كان لي أمل ، ضمن أوبريت انتصار الشباب ، غنّت” لكن زماني كتب هواني”، وأيضاً هنا في الأغنية التي سترافقنا في شارة البرنامج، تغنّي عن الزمان الذي فرض عليها الفراق والهوان.

 (قطع إلى شارة البرنامج مع أغنية فرّق ما بينّا ليه الزمان لأسمهان )

فرّق ما بينّا ليه الزمان ده العمر كله بعدك هوان

فؤادي في حبك مجروح وقلبي من بعدك بينوح

تعال شوف يا حبيب الروح ده العمر كله بعدك هوان


 القصبجي وأسمهان في فرق ما بيننا ليه الزمان

أسمهان وأغانيها المفعمة بالشجن والحزن الدفين

أسمهان وأغانيها المفعمة بالشجن والحزن الدفين

في تحليلنا لحياة أسمهان ، هناك مساران دوماً: مسار تعبير أغانيها عن حياتها الواقعية وعن عواطفها الدفينة، هذا واحد، أمّا المسار الثاني فهو تحريض صوت متألّق كصوتها لكبار الملحّنين، لكي يتطوّر فكرهم الموسيقي.

في المسار الأول … فرّق ما بينّا ليه الزمان عبّرت فيها أسمهان عن إحساسها بوطأة الزمان، وعن الهوان الذي تعيش فيه بعيدة عن أسرتها، وقد فارقتها، ولكن في مجال الفكر الموسيقي والتحليل الموسيقي… فرّق ما بينّا ليه الزمان، هي أيضاً أغنية ، و هذه الأغنية أتت بجديد لـ القصبجي .

لكي نفهم الجديد، نتذكر أولاً أن الطقطوقة … هي على قالب الطقطوقة هذه الأغنية … فيها المقطع الغنائي كامل، ثم يأتي مقطع موسيقي، ولا تصادم ولا تقاطع بين الغناء والموسيقى، على عكس المونولوج الرومانسي الذي رأيناه مثلاً في يا طيور ، عندما الموسيقى تتقاطع وتتصادم مع الغناء. إذاً هناك تبادل في المونولوج ، غير موجود في الطقطوقة التقليدية.

هنا، وكمثال على تفاعل القوالب الغنائية في فكر القصبجي الموسيقي نجد أنه اختار أغنية، وبصوت أسمهان ، لكي يقدّم جديداً، وهو تقاطع المقاطع الموسيقية مع الغناء في الطقطوقة ، وسنجده واضحاً في” فرّق ما بينّا ليه الزمان ” ، الغناء يتقاطع مع اللوازم الموسيقية .


 (قطع إلى أغنية فرّق ما بينّا ليه الزمان لـ أسمهان )

عاهدت قلبي أصون هواك   مهما تقاسيني أطلب رضاك

واشوف نعيمي ساعة صفاك ده العمر كله بعدك هوان

 القصبجي الذي راهن رهاناً نهائيّاً على أسمهان منذ مونولوج يا طيور ، يُخضِعها لامتحان عسير، وأعتقد أن غايته كانت إبراز إمكاناتها للناس. في “فرّق ما بينّا ليه الزمان ” ، الإيقاع أصلاً رباعي، وهو فيه جوّ متكرِّر… عندما يأتي إلى المقطع الأخير، اللحن الذي هو على إيقاع رباعي .. يفرض على أسمهان أن تؤديه في إيقاع مختلف، هو إيقاع الفالس الثلاثي، وهذا صعب… إذا المطرب في تلك الأيام… المطرب يحفظ بالسمع اللحن، فكيف ذات اللحن عليه أن يؤدّيه بإيقاع مختلف؟ كان هذا صعباً، ولكن أسمهان أدّته باقتدار، وذلك عند مقطع “ياريت فؤادك يعطف عليَّ”. لكن، بعد قليل لا يكتفي القصبجي بذلك، لأنه يريد أن يُعيدها إلى الإيقاع الرباعي، ويتم ذلك أولاً بغنائها مرتين لعبارة “وافرح بقربك وانسى الأسية” ، مرتين على الإيقاع الثلاثي، ثم الثالثة تنتقل هي مباشرة غنائياً للحن ذاته لهذا المقطع على الإيقاع الرباعي… إذاً هي التي تعود مباشرة. كان هذا عسيراً وأدّته أسمهان باقتدار. يبقى أن أؤكّد على ختام هذه الأغنية مع لفظة الهوان التي تُفرِغ فيها أسمهان نفَسها مع الهاء المشبعة التي تُبرِزها كلما أحسّت أسمهان بأن المعنى الذي تُغنّيه يُعبّر عن حياتها وعن عواطفها الدفينة.

(قطع إلى أغنية فرّق ما بينّا ليه الزمان لـ أسمهان )

يا ريت فؤادك يعـطف عليّ وتعـود إليَّ يا نور عينيّ

وافرح بقربك وانسى الآسيّة ده العمر كلـه بعدك هوان

د. سعد الله آغا القلعة


يتبع :  مهمة تاريخية وعودة للزوج

فهرس مجلد أسمهان الإلكتروني

Tagged , , , , , . Bookmark the permalink.

Comments are closed.