مقام الصبا – 1 : فضاءات حزينة في أجواء مقام الصبا يولِّدها سعد الله آغا القلعة على القانون 

شعار كتاب الأغاني الثاني

أشرتُ في نشرتي حول حوارية آن الأوان ، إلى أنني سأركز ، على مدى نشرات متتالية ، على مقام الصبا ، الذي اختاره سيد درويش ، للتعبير عن الحزن ، في تلك الحوارية ، مدركاً في الوقت ذاته ، أن هذه الصفحة ليست موجهة للمختصين، مما يجعل الشرح وصفياً أكثر منه تقنياً.

مقام الصبا
مقام الصبا مقام موسيقي عربي يعتمد على أرباع الأصوات، و يتميز بأجوائه الحزينة ، خاصة إن كان اللحن مرسلاً أو بطيئاً ، فيما قد تتغير الأجواء ، إن داخلَ اللحنَ إيقاعٌ حيويٌ أو حثيث ، أو بنيت الجملة اللحنية ، بأسلوب مختلف عن الأسلوب التقليدي الشائع ، لدى مقاربة هذا المقام .
يوصف مقام الصبا أحياناً بأنه مقام ناقص ، لأن درجة استقراره لا تتكرر في الطبقات الحادة ، كما هي الحال في جميع المقامات الموسيقية الأخرى ، علماً بأن هذه الخاصة تكسبه في الواقع مرونة قل نظيرها ، كما يلاحظ أن أغلب الملحنين ابتعدوا عنه لأنه مقام ضيق كما يقولون، لا يفتح آفاقاً متنوعة، ورغم ذلك ، فقد تناوله الملحنون المقتدرون في أساليب متنوعة ، كان بعضها فرحاً ، بل و حتى يشع منه المرح ، سأتوقف عندها في النشرات التالية!
يتعلق الأمر إذاً بعوامل محددة ، لكي يكون مقام الصبا حزيناً ، وهي أولاً بطء اللحن ، أو أن يكون مرسلاً بدون إيقاع ، مع البدء بإبراز أصوات محددة في سلمه الموسيقي ، تُنفذ بتتالٍ محدد ، سرعان ما تشيع أجواء الحزن ، وذلك وفق ما سنتابع في التسجيل المرفق ، وهو عبارة عن مشهد مقتطف من ارتجال لي على آلة القانون ، مدته الكاملة 16 دقيقة ، كنت قدمته على المسرح الكبير في دار الأوبرا بالقاهرة عام 1993 ، حيث اقتطفت من ذلك الارتجال هذا المشهد الذي جاء على مقام الصبا ، واستخدمت فيه تقنية عزف خاصة بي ، تبرز البعد الحزين للمقام ، مع سيطرة عاملي البطء والاسترسال ، إضافة على التركيز ومن البداية ، على إطلاق تتالٍ معينٍ للأصوات الموسيقية المشكلة لمقام الصبا ، يساعد مباشرة على إشاعة أجواء الحزن التي عُرف بها المقام.



تفاصيل تقنية

يتشكل مقام الصبا من الدرجات الصوتية التالية مستقراً على درجة الري : ري – مي نصف بيمول – فا – صول بيمول – لا – سي بيمول – دو – ري بيمول – مي– فا ، وتحدد أجواؤه الحزينة من البدء بدرجة الفا ، ثم الصول بيمول ، والبعد بينهما نصف درجة يولد الشعور بالحزن ، ثم يتم الاتجاه إلى اللا ، حيث البعد بينهما درجة صوتية ونصف ، تحرض العواطف ، ثم التخافض تسلسلياً على الأصوات ، صول بيمول – فا – مي نصف بيمول ، حتى درجة الري ، مع توقفات تعبيرية ، حتى يتكامل الفضاء الحزين!

وثَّق مؤتمر الموسيقى العربية الأول المنعقد بالقاهرة عام 1932 مقام الصبا كما يلي:



في نشرة تالية ، أتوقف عند قصيدة قالوا أحب القس سلاّمة للسيدة أم كلثوم ، كنموذج غنائي على مقام الصبا ، يغلب عليه الحزن أيضاً ، ويسيطر عليه الاسترسال والبطء .

ومع ذلك ، ورغم أن العرف السائد يؤكد سيطرة أجواء الحزن على مقام الصبا ، فإنني أذكِّر هنا  بأغنية يا مسعدك صبحية ، من ألحان الشيخ أبي خليل القباني ، والتي أتت على مقام الصبا ، وفي أجواء حيوية ومتفائلة ، فيما سأتابع لاحقاً مع نموذجين آخرين  ، تشع منهما الحيوية ، وحتى المرح ، ويستخدمان مداخل مختلفة للحن ، بما يؤكد أن المقامات الموسيقية العربية قابلة لتوليد أجواء عاطفية كثيرة، انطلاقاً من عوامل ، تتعلق بمدى حيوية الجملة اللحنية أو بطئها ، و بتسلسل الأصوات الموسيقية المشكلة للجمل اللحنية وفق مقامات موسيقية متنوعة ، إضافة إلى عوامل عديدة أخرى ، تشكل غنى الموسيقى العربية وثراءها ، سأتوقف عندها في أحاديث أخرى!

د. سعد الله آغا القلعة

Bookmark the permalink.

Comments are closed.