لماذا لم تقبل أم كلثوم أن يلحن فريد الأطرش لها؟ وماذا عن عبد الحليم؟

شعار كتاب الأغاني الثاني

%d9%81%d8%b1%d9%8a%d8%af-%d9%88%d8%a3%d9%85-%d9%83%d9%84%d8%ab%d9%88%d9%85-2

أم كلثوم وفريد .. مساران لم يلتقيا

الرأي الشائع عند الغالبية من محبي فريد الأطرش ، يقطع بأن أم كلثوم لم تقبل أن يلحن فريد  لها ، لأنه لم يكن مصرياً.
أنا أخالف هذا الرأي .. أنا أرى أنه حتى لو كان فريد مصرياً ، بل ومولوداً في القاهرة ، لما كان لأم كلثوم أن تغني من ألحانه ، لا هي ولا عبد الحليم حافظ ! وإليكم الأسباب:

الفرص والتهديدات هي الأساس
كانت  الأمور عند أم كلثوم تقاس بمبدأ الربح والخسارة ، لها ، و للأطراف الأخرى التي تتعامل معها ( علمياً : الفرص والتهديدات المتبادلة ) ، وأنها كانت تحرص على أن تكون فرصها دائماً مفتوحة ، و على أن تقلِّصَ من فرص الآخرين أمامها!
في البداية غذّت تنافس الملحنين ، لكي تحفز إبداعهم ، ولم تقترب من عبد الوهاب ، المطرب ذي النجومية المماثلة لها ، والملحن لنفسه ، بل اعتبرته منافساً لايجدر الاقتراب منه ، حتى في غناء ثنائيات مشتركة ، رغم محاولات حثيثة قامت بها أطراف عديدة للجمع بينهما في السينما.

%d8%a3%d9%85-%d9%83%d9%84%d8%ab%d9%88%d9%85-%d9%88%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%84%d9%8a%d9%85

قبلة على يد أم كلثوم أنهت خلافهما الشهير

مع عبد الحليم حافظ
عندما برزت نجومية عبد الحليم حافظ في منتصف الخمسينات ، وخاصة على المسرح ، بعد أن تركز نشاط أم كلثوم الغنائي على حفلاتها الشهرية ، اعتبرته ، فيما أرى ، المنافس الأخطر ، و ارتأت بالتالي أن لها فائدة في اجتذاب ملحنيه إليها ، من خلال أغانٍ وطنية ودينية أولاً ، و عاطفية ثانياً .. وهنا ، وفي ميزان الربح والخسارة ، كانت هي المستفيدة من ضم ملحني عبد الحليم إلى باقة ملحنيها ، سواء لتحفيز الإبداع بينهم جميعاً ، من خلال إدخال ملحنين جدد ، أو لاجتذاب قسم من جمهور عبد الحليم إلى جمهورها ، أو لإضفاء مسحة من المعاصرة على أغانيها ، فيما خسر عبد الحليم ، وهو ما خططت له أيضاً ، احتكار جهود الموجي والطويل وبليغ ، الذين كانوا ” أجنحته التي يطير بها ” ، وذلك بعد أن فُتح أمامهم باب كبير ، كان سيفتح أبواباً أخرى ، إذ أن تلحينهم لأم كلثوم كان سيحرض الطلب على ألحانهم من آخرين ، و سيقوي موقفهم أمام عبد الحليم ، وقد كانت بينه وبين ملحنيه خلافات معروفة الأسباب .. وهو ما أدى إلى تفاقم الخلافات بينها وبين عبد الحليم ، وهنا من المفيد التوقف عند ذروة الصدام العلني بينهما في احتفالات ثورة 23 يوليو / تموز لعام 1964 ، في الحادثة الشهيرة ، والذي حرضه ، فيما أرى ، نجوميتهما المتنافسة في الغناء على المسرح ، و كذلك أغنية ما تصبرنيش بوعود ! .. ولهذا تفصيل خاص .. ذلك الخلاف الذي لم ينته إلا عندما طبع عبد الحليم قبلة على يد أم كلثوم!
و بالنتيجة وفَّر دخول ملحني عبد الحليم إلى عالمها فرصاً كبيرة لها مقابل تهديدات كبيرة لعبد الحليم!

%d8%a3%d9%85-%d9%83%d9%84%d8%ab%d9%88%d9%85-%d9%88%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%87%d8%a7%d8%a8-2

اعتزال عبد الوهاب الغناء على المسرح فتح الباب للتعاون

مع عبد الوهاب
بالمقابل ، عندما اعتزل عبد الوهاب الغناء على المسرح ، وأصبح ملحناً فقط ، لم يكن هناك مانع عندها من أن يلحن لها ، إذ انضم بالنتيجة إلى باقة ملحنيها ، وأصبحت ألحانه تتنافس مع ألحان السنباطي ، وحتى مع ألحان الموجي وبليغ ، ولم يعد في تنافس معها . صحيح أنه استفاد هو من الاقتراب من جمهور أم كلثوم ، ومن التغطية الإعلامية الكثيفة ، ولكن استفادته بقيت محدودة بصفته كملحن ، ولم يكن له أن يوظف هذه الاستفادة في مجال أم كلثوم الأساسي : الغناء على المسرح والنجومية التي يحققها، بعد أن كان سبق له الاعتزال .. أقصد اعتزال الغناء على المسرح ، و بالنتيجة يمكن القول أنه أصبح بالنسبة لأم كلثوم : واحداً من مجموعة ..


%d9%81%d8%b1%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b7%d8%b1%d8%b4-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%85%d9%87%d9%88%d8%b1-%d9%85%d8%b5%d8%ba%d8%b1%d8%a9

جماهيرية فريد في حفلاته على المسرح منعت تعاونه مع أم كلثوم

ماذا عن فريد الأطرش؟
وهنا نأتي إلى فريد الأطرش ، المطرب ذي الجماهيرية العالية. لم يكن هناك أمام أم كلثوم إمكانية تكرار ما فعلت مع عبد الحليم .. أي اجتذاب ملحنيه.. إذ أنه كان يلحن لنفسه ، كما كان يغني في السينما و على المسرح ، وهو الأهم بالنسبة لأم كلثوم ، التي كانت قد اكتفت منذ الأربعينات بالغناء في الحفلات الشهرية كما سبق وأسلفت …. إن قبلت أم كلثوم أن يلحن لها ، فسيحصل على شهادة منها بقدراته التلحينية ، تزيد من نجوميته ، وتجذب قسماً من جمهورها إليه ، وقد تحفز آخرين من الفنانين على طلب أن يلحن لهم ، فيما ستكسب هي لحناً جميلاً إضافياً .. فقط . صحيح أنه ، أي فريد ، سيدخل في منافسة مع باقي ملحنيها ، ولكن حقيقة أنه مطرب ذو نجومية مستقلة ستهمش هذه المنافسة ، إذ أنه ليس مثل باقي الملحنين ، بما فيهم عبد الوهاب ، الذين ينتظرون أن تكلفهم بلحن جديد ، فحفلاته الخاصة مستمرة ، وأفلامه مستمرة ، وجماهيريته ستزيد .. وهناك نقطة أخرى : صحيح أن عبد الوهاب غنى ألحانه لأم كلثوم ، إلا أن هذا لم يؤثر عليها ، لأنها كانت تسجيلات مع العود فقط ، ولكن.. ماذا إن غنى فريد لحنه لها في إحدى حفلاته على المسرح .. واشتعل الحفل بحماس جمهوره .. ألا يضع نفسه في منافسة مباشرة معها؟؟
لو أن فريداً كان اعتزل الغناء قبل أم كلثوم بمدة ، كما حصل مع عبد الوهاب ، لكانت قبلت أن يلحن لها ، ولكان حصل تركيز إعلامي كبير على ذلك .. أما و أنه كان نجماً شهيراً في الغناء على المسرح ، فإنها لم يكن لها أن تغني من ألحانه ، لأنه.. في ميزان الربح والخسارة .. وبرأيها .. سيكون فريد هو الرابح الأكبر.. وإذا تذكرنا أنها غنت من كلمات شعراء كبار من العالم العربي .. ومنهم نزار قباني من سورية ، و الهادي آدم من السودان ، و جورج جرداق من لبنان ، فإن هذا يعزز الفكرة الأساس ، في أن الأمور عندها في التعاون لا تقاس بما ذهب إليه السؤال الذي أجيب عنه ، بل بما يتيحه هذا التعاون من فرص لها وتهديدات لنجاحها .. و من فرصٍ للآخرين .. فإن فاضت فرص الآخرين على فرصها لم يكن لهذا التعاون أي يكون .. مهما تعاظمت الضغوط عليها .. أو برزت انتقادات لموقفها..

ولذا ، ولهذا السبب .. لم يكن لأم كلثوم أن تقبل أن يلحن لها فريد .. حتى لو كان مصرياً .. بل و ومولوداً في أعرق شوارع القاهرة.. لأن ذلك كان سيضعه ، وكما سبق و أسلفت ، في موقع الرابح الأكبر!

ولو أردنا تعميم الأمر لقلنا أيضاً : للأسباب ذاتها لم يكن لعبد الحليم حافظ أن يغني من فريد الأطرش!

د. سعد الله آغا القلعة

Tagged , , . Bookmark the permalink.

Comments are closed.