حياة وفن أسمهان – الفصل الثاني – 2 : مونولوج نويت أداري آلامي ورسائله التي لم تصل .. والتي وصلت

شعار كتاب الأغاني الثاني

الفصل السابق : حياة  وفن أسمهان – الفصل الثاني – 1

أسمهان 2الكتاب المسموع : حياة وفن أسمهان
الفصل الثاني – القسم الثاني

مونولوج نويت أداري آلامي ورسائله التي لم تصل .. والتي وصلت


التسجيل الصوتي للاستماع المتزامن مع قراءة النص :


وهكذا نصل الآن إلى المقدمة الموسيقية لمونولوج  نويت أداري آلامي . من المقدمة، الأستاذ فريد الأطرش يعرض رسائله للجميع، للأستاذ عبد الوهاب ، إنه منافس له في المزج. للأستاذ عبد الوهاب أيضاً، إنه يحاول أن يجذبه لكي يلحن لـ أسمهان  ولكن أيضاً للسيدة أم كلثوم .. إن أسمهان تُقدِّم في السويّة ذاتها التي تُقَدَّم عبرها السيدة أم كلثوم في أغانيها.

إذاً نصل الآن إلى هذه المقدمة الموسيقية، ولنستمع إليها، ولنلاحظ …هي على إيقاع التانغو ، الأكورديون الآلة الأساسية في التانغو موجودة، وكانت موجودة في مقدمة سهرت منه الليالي على إيقاع التانغو ، وهنا أيضاً الأكورديون موجود، وندقق في الضربات الإيقاعية الممهدة للغناء، كانت عند الأستاذ عبد الوهاب أربع ضربات، وعند الأستاذ فريد ست ضربات.

 (قطع إلى مونولوج نويت أداري آلامي لـ أسمهان )

نويت أداري آلامي.. واخبّي دمعي ونحيبي

واحكي شجوني وغرامي.. لحالي ولطيف حبيبي

 لم تكن هذه إلا البداية.. هناك رسائل عديدة في مونولوج نويت أداري آلامي ! الرسالة التالية تتعلق بقالب المونولوج .

صورة أسطوانة نويت أداري آلامي

صورة أسطوانة نويت أداري آلامي

تعديلات محمد عبد الوهاب على مونولوج محمد القصبجي الرومنسي

كان الأستاذ محمد القصبجي ذو الفكر الموسيقي المتألق قد حوَّل المونولوج الرومانسي إلى مجموعة من المقاطع الغنائية، حيث كل مقطع له مقدمته الموسيقية، ولحنه الموسيقي المختلف عن المقاطع الأخرى، بحيث أن  تحول إلى أغنية لا تكرار فيها.

الأستاذ عبد الوهاب وجد أن هذا يُحقق غربة عند المستمع، لأن التكرار دائماً يساعد المستمع على الاستجابة، على الطرب، على الترنُّم. والتكرار كان موجوداً في أغلب القوالب في الغناء العربي، إلا في المونولوج ، كما وصل إليه في تطوره مع القصبجي في الثلاثينات، عندما أصبح أغنية لا تكرار فيها.

الأستاذ عبد الوهاب أراد أن يغيّر ذلك، وفي مونولوج كروان حيران الذي قدّمه في عام 1935 في فيلم دموع الحب ، أضاف مقطعاً إضافياً، مقطعاً صغيراً، في نهاية كل مقطع غنائي، هذا المقطع متكرر في كل المقاطع، إضافة إلى أنه جعل المقدمة الموسيقية متكررة، وهي ذاتها بين جميع المقاطع، وذلك لتحقيق البُعد عن الغربة بين اللحن وبين المستمع.

لندقق ذلك ونستمع إلى مونولوج كروان حيران في المقطع المتكرر في عبارة “رقّ قلبه” مع المقطع الموسيقي المتكرر أيضاً.


 (قطع إلى مونولوج كروان حيران لـ محمد عبد الوهاب)

رق قلبه.. رق قلبه ومال إليه.. رد من شوقه عليه..

هايم ينادي حبيبه.. من غير ما يعرف فين

فريد الأطرش والغناء المرسل في المونولوج بعد الإيقاع الراقص

 الأستاذ فريد الأطرش طبعاً المتربّص دائماً لكل ما يقدمه الأستاذ عبد الوهاب انتبه إلى هذا التجديد، ولكنه قال في نفسه: لن أتابعه تماماً، أنا قدّمت المونولوج الرومانسي على إيقاع التانغو، ماذا بقي لي لكي أسمّيه مونولوج ، لا بد من أن أحافظ على القالب ،  ولهذا فإنه أخذ نصف التجديد فقط في مونولوج نويت أداري آلامي ، أخذ فكرة تكرار المقدمة الموسيقية في المونولوج ، ولم يُضِف هذا المقطع الغنائي المتكرر، وللمحافظة على قالب المونولوج وللوفاء لقالب المونولوج لأكثر ما يمكن ضمن إيقاع التانغو ، فقد ترك بعض المقاطع فيها غناء مرسّل، مثلاً مقطع “وليه بكايا وأنيني” قدَّمه في غناء مرسَل، مع استمرار إيقاعية التانغو في الخلفية، ولكن تُقدّم أسمهان غناء مرسَلاً، للدلالة على أن ما يُقدَّم هنا هو مونولوج ، وأيضاً للتعبير عن المعنى، لأن هذا التساؤل بحاجة إلى امتداد في اللحن.

(قطع إلى مونولوج نويت أداري آلامي لـ أسمهان )

يفيدني إيه النواح..  والناس تشاهد أسايا

والدمع فات الجراح.. وكنت فاكره دوايا

وليه بكاي وأنيني واللي بحبه سعيد

تلوينات عبد الوهاب!

 كانت مدرسة الغناء الراقص التي ابتدعها الأستاذ عبد الوهاب تقوم على عنصر هام ابتدعه أيضاً الأستاذ عبد الوهاب ، وهو يُسْر الانتقال من الغناء الراقص إلى التعبير، إلى التطريب، إلى المقامات الشرقية، في تلوين عجيب برع فيه الأستاذ عبد الوهاب في غايته المثلى في إرضاء جميع الأذواق، في عمل واحد.

وكان ذلك يظهر، طبعاً في أول عمل راقص قدّمه الأستاذ عبد الوهاب ، كقصيدة راقصة، وهو قصيدة جفنه علَّم الغزل التي قدّمها في فيلم الوردة البيضاء عام 1932. هنا كان في البداية يُغنّي على إيقاع الرومبا ، إيقاع راقص في هذه القصيدة ، وإذ به ينتقل إلى مقام البيات الشرقي التطريبي عند مقطع ” يا حبيبي “، نُحسُّ فوراً أننا انتقلنا من عالم راقص إلى عالم شرقي تطريبي. لنتابع..

 (قطع إلى قصيدة جفنه علّم الغزل لـ محمد عبد الوهاب )

كيف يشكو من الظما مَن له هذه العيون

يا حبيبي..

فريد يقوم بتحفيظ أسمهان أحد ألحانه لها

فريد يقوم بتحفيظ أسمهان أحد ألحانه لها

وتلوينات فريد!

الأستاذ فريد الأطرش في مونولوج نويت أداري آلامي استطاع تنفيذ يُسْر الانتقال بين الراقص إلى التطريب في يُسْرٍ واضح.

لنستمع إلى المقطع التالي الذي نجد فيه أولاً مقدمة موسيقية شرقية مطربة، ثم مع مقطع غنائي أصيل على مقام البيات الشرقي تؤديه أسمهان في تمكُّن واضح.

لنستمع.. طبعاً .. بعد قليل سنصل إلى الختام وسنبين من أين استقاه الأستاذ فريد الأطرش ولكن لنتابع أولاً هذا المقطع الذي يبيّن لنا بوضوح يُسْر الانتقال من الراقص إلى التطريب إلى المقامات الشرقية الأصيلة.


 (قطع إلى مونولوج نويت أداري ألامي لـ أسمهان)

وان كان يغيب عن عيوني.. كفاية أصون له العهود

أفرح واضحّي بحبي.. واخلّي ذكره عزايَ

وادعيله من كل قلبي يزداد هناه وهنايَ

أعيش أسامر خياله والليل نسيمه عليل

واشوف بعيني جماله.. في البدر والكون جميل

واغنّي ألحان هوايَ.. للطير وأبوح للزهور

الختام المعلّق!

في ختام مونولوج نويت أداري آلامي سيعود الأستاذ فريد الأطرش إلى الغناء المرسَل لكي يؤكد على أن ما يقدمه هنا هو مونولوج كما رأينا، ولكنه سيستوحي هذا الختام من ختام مونولوج كروان حيران الذي قدّمه الأستاذ عبد الوهاب في عام 1935، وأنهاه بغناء مرسَل في أسلوبية محددة.

لنستمع إلى أسلوب الختام في كروان حيران عند الأستاذ عبد الوهاب ولنبدأ انطلاقاً من المقطع المتكرر “رقّ قلبه” الذي سينتهي عبره كروان حيران.

(قطع إلى مونولوج  كروان حيران لـ محمد عبد الوهاب )

رق قلبه.. رق قلبه ومال إليه.. رد من شوقه عليه..

نصل الآن إلى ختام مونولوج نويت أداري آلامي والذي سيظهر فيه استيحاء من ختام مونولوج كروان حيران الذي استمعنا إليه، وخاصة في نهايته.

ولكن هنا نصل إلى نقطة هامة: أسمهان عندما تؤدي ختام هذا المونولوج ستؤديه في حرارة صادقة، وخاصة عندما يتصاعد اللحن في تصاعد انفعالي في مقطع “واكتم عن الناس شقايَ ويبان عليّ السرور” لنتتبع الزفرة الحرّى التي ستُصدرها أسمهان  عندما تذكر عبارة الشقاء “واكتم عن الناس شقايَ.. ويبان عليّ السرور”. فعلاً، لقد كانت هذه المعاني تُعبّر عن حياتها فعلاً، عن عواطفها فعلاً، وسنتتبع هذا المسار دوماً لنكتشف أين فَضح تعبير أسمهان المواقع التي عبّر فيها النظم عن حياتها.

 (قطع إلى مونولوج نويت أداري ألامي لـ أسمهان )

واغني ألحان هوايَ.. للطير وأبوح للزهور..

واكتم عن الناس شقايَ.. ويبان عليّ السرور..


على عكس من أرسلت لهم الرسائل ..  مدحت عاصم أول المهتمين

فعلاً.. لقد استطاعت أسمهان أن تُعبّر عن الشجن الراقص، عن السرور الزائف، في جدليّة عاطفية ملفتة. كما أن الأستاذ فريد الأطرش استطاع أن يقدم نفسه أيضاً كملحن قادر على المنافسة.

لنترك الآن الأستاذ عبد الوهاب يستمع ويؤكد.. لنترك الآن السيدة أم كلثوم تدقق وتلاحظ، ولنترك أيضاً باقي الملحنين يتحسّبون الخطوات لبدء التعامل مع هذا الصوت الجديد.

ولنتساءل من كان أول من تعامل مع أسمهان ؟

إنه مدحت عاصم . كان الأستاذ مدحت عاصم رئيس الدائرة الموسيقية في الإذاعة المصرية آنذاك، كان مؤلفاً موسيقياً وعازفاً متميزاً على البيانو وملحناً، وكانت له آراؤه في تطوير الموسيقى العربية عبر تلقيحها بأساليب الموسيقى الغربية، وكان أيضاً قد تبنى فريد الأطرش وقدّمه للناس عبر ألحان لم تنل حظاً كبيراً من الشهرة.

الأستاذ مدحت عاصم .. لاحظ أسمهان، انتبه إليها .. لم يلاحظ شخصية صوتها المغلَّفة بالشجن والحزن، ولكنه انتبه إلى قدراتها في الغناء مع الفرقة الموسيقية الكبيرة، مع التوزيع الهارموني ،  حتى في مقاطع غنائية أدّتها أسمهان ، كانت الفرقة تُنفّذ توزيعاً هارمونياً ،  وكان هذا جديداً، قدّمه فريد الأطرش ليُثبت قدرات أسمهان في الأداء، وكانت، لم يكن هناك أي مطربة قبلها أدّت هذا إلا السيدة أم كلثوم في مونولوج يا مجد لـ القصبجي في عام 1937.

إذاً انتبه مدحت عاصم إلى هذا، وأراد أن يتعاون معها، ولكنه هنا رأى أنه ليس لديه وقت لكي يلحن لها، مثلما حصل مع الأستاذ فريد الأطرش ، وهكذا قدّم لها لحناً تركياً كان قد أعدّه وقدّمه لـ ماري كويني لكي تؤديه في فيلم زوجة بالنيابة في عام 1937، أخذ هذه الأغنية، هذا اللحن، وقدّمه لـ أسمهان لكي تغنيه.

غنّته أسمهان ، ولكن هذا اللحن، في تقديري، لم يكن ملائماً لها تماماً، لأن مسحة الشجن التي في صوتها لا تلائم لحناً معرَّباً راقصاً. وعلى كل حال، لندقّق في أداء أسمهان لعبارة “وغرامي هالكني” لأن هذه الهاء دائماً هي التي تفضح، هذه الهاء المعبِّرة، هذه الزفرة الحرّى، هي التي تعبّر دائماً عن تلاؤم المعاني مع عواطف أسمهان عندما تتحدث، أو تغنّي “وغرامي هالكني”. وتبقى ملاحظة أخيرة، مثلما في مونولوج  نويت أداري آلامي ، غابت نسخة صوت الأستاذ فريد الأطرش ، وبقيت واشتُهِرت نسخة أسمهان لهذا المونولوج ، أيضاً بقي لنا نسخة هذه الأغنية التي قدّمها مدحت عاصميا حبيبي تعال الحقني شوف اللي جرى لي”، غابت نسخة ماري كويني ، وطواها النسيان، وبقيت لنا نسخة أسمهان .

 (قطع إلى مونولوج يا حبيبي تعال الحقني لـ أسمهان )

يا حبيبي تعال الحقني شوف اللي جرى لي .. من بُعدَك

سهرانة من وجدي بناجي خيالك..  مين قدّك

وأنا كاتمة غرامي .. وغرامي هالكني..

ولا عندي لا أب ولا أم ولا عم أشكي له ..  نار حبك

د. سعد الله آغا القلعة


يتبع .. القسم الثالث : قصائد القصبجي تدخل عالم أسمهان من جديد 

الفهرس العام لمجلد أسمهان الإلكتروني

Tagged , , , , , . Bookmark the permalink.

Comments are closed.