نظام معلومات الموسيقى العربية و مشروع كتاب الأغاني الثاني : خلاصات واقتراحات على طريق تنفيذ مشروع تأريخ الموسيقى العربية -المؤتمر الأول للمؤرخين الموسيقيين العرب الذي عُقد في سلطنة عُمان

شعار كتاب الأغاني الثاني

أثناء إلقاء المحاضرة 1

في مثل هذه الأيام من عام 2014 ، وتحديداً بين 15 و 18 من شهر كانون الأول / ديسمبر 2014، عقد في سلطنة عُمان الملتقى الأول للمؤرخين الموسيقيين العرب ، تحت عنوان : نحو قراءة معاصرة في تأريخ الموسيقى العربية ، بالتعاون بين المجمع العربي للموسيقى ومركز عُمان للموسيقى التقليدية ، على أن يقام كل عام في دولة عربية تتقدم لاستضافته.  شارك في الملتقى نخبة من المؤرخين الموسيقيين العرب.

 أنشر في هذه المناسبة محاضرتي التي ألقيتها في الملتقى ، وهي بعنوان : نظام معلومات الموسيقى العربية و مشروع كتاب الأغاني الثاني : خلاصات واقتراحات على طريق تنفيذ مشروع تأريخ الموسيقى العربية ، كما أنشر في نهاية المحاضرة  بعض ملاحظاتي التي دونتها أثناء حضوري لفعاليات الملتقى ، وصوراً من حضوري لتلك الفعاليات.

ركزت المحاضرة على شرح أسلوبي في توظيف تقانة المعلومات والاتصالات ، لجمع وتوثيق التراث الموسيقي العربي ، على حوامل رقمية موحدة ، تكفل الترابط بين الوثائق المكتوبة والسمعية والبصرية ، بما يسمح بإجراء عمليات البحث ، وتدقيق المعلومات ، وتحليل مراحل التطور ، وصولاً إلى نشر نتائج عمليات التأريخ على شبكة الإنترنت.

نظام معلومات الموسيقى العربية و مشروع كتاب الأغاني الثاني : خلاصات واقتراحات على طريق تنفيذ مشروع تأريخ الموسيقى العربية

دراسة مقدمة من الدكتور سعد الله آغا القلعة إلى ملتقى المؤرخين الموسيقيين العرب الأول
ضمن محور : تجارب نموذجية في التأريخ الموسيقي العربي
سلطنة عُمان – من 15 إلى 18 كانون الأول / ديسمبر 2014

 مقدمة:

تم الاستناد في هذه المحاضرة إلى الخبرة المكتسبة خلال 35 عاماً في إنجاز مشروع كتاب الأغاني الثاني ، وهو كتاب سمعي بصري نقوم  على تأليفه على غرار كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ، نُشر أولاً على شكل برامج تلفزيونية ، عُرضت على أغلب محطات التلفزة العربية ، واستندنا في تنفيذها  إلى نظام معلومات الموسيقى العربية ، الذي صممناه ونفذناه. أتت هذه البرامج التلفزيونية في محورين : محور توثيق وتحليل حياة وفن أعلام الموسيقى العربية   ، وكان ضمنه برامج ” عبد الوهاب مرآة عصره ، وأسمهان ، وحياة وفن فريد الأطرش ” ، و محور توثيق أهم الأعمال الغنائية والموسيقية ، مما اختزنته الذاكرة العربية حتى نهاية القرن العشرين ، والسعي لاختيار أهم مائة عمل غنائي أو موسيقي منها ،  وكان ضمنه برنامج ” نهج الأغاني “. نحن نتابع اليوم مشروعنا بأسلوب جديد يوظف شبكة  الإنترنت والإنتشار الذي توفره ، للوصول إلى محبي ومتلقي الموسيقى العربية . الهدف من هذه المحاضرة هو أن ننقل لكم التجربة المكتسبة من عملنا ، لأن أي تجربة منجزة يجب أن توضع في خدمة المشروع الأكبر ، وهو مشروع تأريخ الموسيقى العربية .

 ملخص:

  • يهدف أي مشروعٍ لتأريخ الموسيقى العربية إلى تقديم صورة منطقية متماسكة لها ، تكفل استدامتها.
  • لابد في أي مشروع لتأريخ الموسيقى العربية ، من الإحاطة بمجمل عناصر الموسيقى العربية الواجب توثيقها ، و كذلك استنباط مراحل تطورها ، وتطور كل عنصر من عناصرها. علينا ألا نسجل فقط ما تم ، وإنما أن نسجل أيضاً كيف تم ، مع تحديد القفزات النوعية ضمن مسار التطور.
  • لابد من أجل تنفيذ المشروع ، من الاعتماد على أسس أي عملية تأريخ للموسيقى العربية ، وهي : بناء نظامٍ خاص لمعلومات الموسيقى العربية ، و توظيف شبكة الإنترنت ، وتحقيق مبدأ التشاركية في التأليف.
  • سنقدم برنامجاً تنفيذياً مقترحاً لإنجاز مشروع التأريخ الموسيقي العربي.
  • سنعطي ملاحظات عامة حول خصوصية عملية التأريخ للموسيقى ، والخيارات المتعددة التي توفرها تقانة المعلومات والاتصالات لإنجازها. فالتأريخ للموسيقى بشكل عام مختلف تماماً عن التأريخ لأي مظهر ثقافي آخر.
  • سنعرض تجربتنا في بناء نظام معلومات الموسيقى العربية ، و منهجية التوثيق والتحليل و الاستغلال المعتمدة لدينا ، من خلال عرض تطبيقي عبر موقعنا على شبكة الإنترنت.

أهداف أي مشروع لتأريخ الموسيقى العربية

يهدف أي مشروع لتأريخ الموسيقى العربية ، إلى تقديم صورة منطقية متماسكة لها ، على طريق تحقيق استدامتها من خلال ما يلي:

  • توثيق الرصيد الموسيقي العربي.
  • استنباط مراحل التطور الإبداعي.
  • نشر الرصيد الموسيقي العربي و مراحل تطوره ، بما يحقق استدامة الجمهور .
  • نشر نتائج التوثيق والتحليل  وتزويد مؤسسات التعليم الموسيقي بها ، بما يكفل تشجيع الإبداع الموسيقي المعتمد على الأصول.

عناصر الموسيقى العربية الواجب توثيقها واستنباط مراحل تطورها :

  • النصوص ، وتتضمن العناصر التالية: الشعراء ، و النصوص ، من شعر و زجل ، والأوزان ، والأشكال الشعرية ، و القوافي ، والصور ، والمضامين ، وموسيقا الشعر… يتطلب الأمر دراسة تطور النص الغنائي ، وأساليب توزع القوافي والأوزان ، والأشكال المتعددة لبناء النص…
  • الألحان ، وتتضمن العناصر التالية: الملحنون ، والمؤلفون الموسيقيون ، والإيقاعات ، والمقامات ، و الجمل اللحنية ، و أساليب التلحين ، من طرب وتعبير ، و كذلك القوالب ، و المساحة اللحنية  ، والمدارس اللحنية ، و السلم الموسيقي . يتطلب الأمر دراسة تطور القوالب ، والجملة اللحنية ، وتحديد أبعاد السلم الموسيقي العربي ، وتوثيق الإيقاعات ، والمقامات ، ومقارنة الجمل اللحنية …
  • أساليب الأداء الغنائي ، وتتضمن العناصر التالية: المغنون ، و اللفظ ، و المساحة الصوتية ، و طرق التنفس ، والتعبير  ، إضافة إلى أساليب الغناء الفردي والجماعي. يتطلب الأمر دراسة المساحة الصوتية ، ومساحة التنفس ، وأشكال التعبير في الأداء …
  • أساليب الأداء الموسيقي ، وتتضمن العناصر التالية: الموسيقيون العازفون ، وأساليب العزف ، والتعبير ، والطابع الصوتي للآلات .يتطلب الأمر دراسة هندسة الآلات الموسيقية ، ومقارنة أشكال العزف ، وتطور الطابع الصوتي…
  • عناصر أخرى للتوثيق ودراسة التطور قلما أشير إليها: المرحلة الزمنية – التعليم – الإنتاج – النشر ووسائله – الإطار وشكل التقديم – النقد الموسيقي – التوثيق الموسيقي – التدوين-  الجمهور و تطور التذوق – التنافس ضمن الموقع الإبداعي الواحد – التنافس بين المواقع الإبداعية – التفاعل مع الغير – الرعاية العامة والخاصة للمبدعين – الوضع السياسي – الوضع الاقتصادي وأهميته في تحريض الطلب على الغناء وتحريض تطويره وتجديده – تأثيرات التكنولوجيا على الناتج الموسيقي العربي – تأثير البيئة والأسرة – الارتباط بالمفهوم الفني العام – الارتباط بمجالات إبداعية أخرى –  الحقوق الفكرية – معايير الجودة – شعور المجتمع بالحاجة للموسيقا – الدافع الشخصي – المكانة الاجتماعية للموسيقيين والمطربين والشعراء -..

بناءُ نظامٍ لمعلومات الموسيقى العربية وتوظيف شبكة الإنترنت و تحقيق مبدأ التشاركية أسس لأي عملية تأريخ وتحليل للموسيقى العربية:

  • يتعامل المؤرخ الموسيقي ، في مجال سعيه لتأريخ التراث الغنائي العربي وتوثيقه وتحليله ، وصولاً إلى تقديم صورة  ( نموذج – خوارزمية ) منطقية متماسكة زمنياً للموسيقى العربية ،  مع عدة أشكال من المعلومات ، كالأسماء والنصوص والأحداث والتواريخ المكتوبة من جهة ، والمعلومات السمعية  والبصرية  التي ينقلها إليه تسجيل موسيقي ما. تجدر الإشارة إلى أنه كثيراً ما يتم التركيز على المخطوطات عند الحديث عن التأريخ للموسيقى ، فيما تشكل التسجيلات العنصر الاهم في فهم تاريخ الموسيقى العربية الحديث .
  • بما أن التسلسل المنطقي في التاريخ وأحداثه مرتبط دوماً بالزمن ، فمعيار أي معلومة هامة هو ارتباطها الدقيق زمنياً. إن تحديد السنة التي أنتج فيها العمل الغنائي هو العنصر الأهم لتعريف ملامح العصر المحيط بولادة ذلك العمل في مختلف جوانبها.
  • لا يمكن إنجاز أي عملية توثيق لتاريخ الموسيقى العربية ، عبر نموذج متماسك منطقياً ، وقابل للتطوير مع ورود معلومات جديدة ، في ظل الحجم الهائل للمعطيات المتصلة بتاريخ الموسيقى العربية ، وخاصة ابتداء من القرن العشرين ، دون اللجوء إلى تقانة المعلومات والاتصالات ، التي تسمح بإجراء عمليات البحث وتقاطع المعلومات بشكل تشاركي ، على امتداد ساحة العالم العربي ، بما يكفل تشكيل نموذج متكامل منطقياً لأي عنصر يتم تأريخه. يكفي أن نتوقف عند ما أنتجه القرن العشرون من رصيد موسيقي لندرك أن هذا الكم الهائل من المعلومات لا يمكن التعامل معه إلا من خلال تقانة المعلومات والاتصالات وبدونها لا يمكن إنجاز أي عملية تأريخ الموسيقى العربية.

مراحل إنجاز عملية التأريخ للموسيقى العربية عبر نظام معلومات للموسيقى العربية وشبكة الإنترنت والتشاركية:

  • يتضمن التأريخ للموسيقى العربية بالتالي المراحل التالية:
  • التوثيق : يتصل إدخال التقنيات الحديثة إلى علم التأريخ الموسيقي أولاً بتحقيق مرحلة أساسية، لعلها الأهم والأخطر في مجال التأريخ العلمي للموسيقى العربية، وهي توثيق مجمل الأحداث والوثائق المكتوبة والمسموعة والمرئية ، التي أنتجها الرصيد الفكري العربي في مجال الموسيقى ، بشكليها التقليدي الورقي والسمعي البصري  ، و تخزينها في أشكال رقمية قابلة للمعالجة عبر الحاسوب ، إضافة إلى توثيق دورها في حياتهم وتوثيق ارتباطها بالتطور الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي في العالم العربي .
    • تتضمن عملية التوثيق الإجابة على الأسئلة الشهيرة: متى؟ من ؟ أين ؟ ماذا ؟ و مع أن هذه المرحلة طويلة نسبياً ، فلا بد من الاقتناع بأنه لابديل عنها إن أردنا دخول عالم المعلوماتية الحديث ، خاصة إن علمنا  أن الحاسوب أصبح قادراً على وضع البيانات على اختلاف أنواعها (عددية ، حرفية، سمعية، بصرية ، مكتوبة ) في قواعد للمعلومات قابلة لإجراء جميع أشكال المعالجة الآلية عليها ، بغية تأريخ التراث الموسيقي العربي وتصنيفه وتوثيقه وتحليله ، كما أنه أصبح قادراً على تخزين حجوم هائلة من المعلومات ، أي كل التراث الموسيقي العربي ، على حامل رقمي واحد من خلال تقنية Cloud Computing .
    • الانتقال إلى تحليل المعلومات الموثقة بالأساليب المعلوماتية الحديثة ، على طريق فهم الماضي الموسيقي ، وآلية تأثير الموسيقى في المزاج العربي ، و من ثم  وضع نموذج متماسك قابل للتطوير بشكل مستدام ، على شكل نصوص مترابطة مع التسجيلات السمعية البصرية ، تتضمن استنباط المراحل التي قطعها كل عنصر من عناصر الموسيقى العربية في تطوره ، سواء أكان ذلك على مستوى النص أو اللحن أو الأداء الغنائي أو الموسيقي  . تتضمن عملية التحليل  والتركيب الإجابة على الأسئلة الشهيرة: كيف ؟ هل ؟ ما هي؟
    • لابد من تحقيق التشاركية  في إنجاز عمليات التوثيق  والتحليل  والتركيب عبر شبكة الإنترنت، من قبل كتابٍ من دول عربية مختلفة متباعدة جغرافياً ، يعملون على الموضوع ذاته ، وهذا غير ممكن دون تقانة المعلومات والاتصالات.
    • نشر نتائج التأريخ الموسيقي العربي على شبكة الإنترنت.

برنامج تنفيذي مقترح لإنجاز مشروع تأريخ الموسيقى العربية:

  • إنشاء مركز لتأريخ الموسيقى العربية ، يرتبط به في كل دولة عربية نقطة اتصال مرتبطة بالمركز ، عن طريق بوابة معلوماتية إلكترونية .
  • يقوم المركز بالأعمال التالية ، علماً بأننا نقوم بهذا العمل في مشروع كتاب الأغاني الثاني فيما يخص مجالات اهتمامنا:
    • التوثيق الفيزيائي:
      • جمع الوثائق المكتوبة والمطبوعة.
      • جمع الوثائق السمعية والبصرية ، والحصول على أنقى التسجيلات لها ، وربطها بالمعلومات الخاصة بكل من وما له علاقة بها وبزمانها ومكانها.
    • التوثيق الرقمي:
      • تحويل الوثائق المكتوبة والمطبوعة ، بما فيها جميع المراجع والكتب والدراسات الموسيقية العربية على الحاسوب ، إلى ملفات ممسوحة بالسكانر ، ثم رقمنتها ، وتحويلها إلى ملفات قابلة للبحث فيها ، حيث تسمح أدوات القراءة الآلية ، بتحويلها إلى صيغة رقمية . يتم وضع الملفات الناتجة في قواعد للبيانات تسمح بالبحث عن أي كلمة فيها ، مما يسهل عمل الباحث بالرجوع إلى أي موضوع يختاره ، فيعلمه الحاسوب وعبر الكلمات المفتاحية المطلوبة ، عن جميع الفقرات التي ورد فيها تعامل مع تلك الكلمات المفتاحية ، أو وردت فيها الكلمات التي يجري البحث عنها.
      • تحويل التسجيلات السمعية والبصرية ، بعد انتخاب أجودها إلى ملفات رقمية ، مع توثيق العناصر التي تعرّفها. يتم وضع الملفات الناتجة في قواعد للبيانات تسمح باسترجاع أي تسجيل بشكل مباشر.
      • وضع نتائج التوثيق الرقمي على البوابة المعلوماتية الإلكترونية ( أنظر لاحقاً ).
    • نظام المعلومات:
      • بناء نظام معلومات قادر على توظيف قدرات الحاسوب ، في معالجة المعلومات من نصوص وتسجيلات سمعية بصرية محولة إلى الشكل الرقمي ، للوصول إلى تحليل تلك المعلومات مجتمعة بالأساليب المعلوماتية الحديثة ، وصولاً إلى الإجابة على الأسئلة التي يطرحها عالم الموسيقى ضمن أبحاثه العلمية الموجهة لتأريخ التراث الموسيقي العربي.
      • يتشكل النظام من عدد كبير من قواعد البيانات المتنوعة والمترابطة علائقياً  ، التي تضم ما سبق توثيقه رقمياً ، حيث يتم ربط بيانات الملفات الرقمية للتسجيلات السمعية والبصرية ، ببيانات الملفات الناجمة عن الوثائق المكتوبة ، ووضعها في قواعد للبيانات ، و تكمن  أهمية ذلك أنه يصبح من الممكن في معرض دراسة أي عمل غنائي محدد ، طلب جميع ما كتب عن هذا العمل الغنائي في مراجع الموسيقى العربية لتكون أمام الدارس ، كما  ستكون الوثائق الصوتية والبصرية للألحان والأغاني العربية  مترابطة مع المعلومات المرتبطة بها عنها ، مع توثيق الكلمات والألحان والتحليل الموسيقي  ، جاهزة أيضاً ، بغية مساعدة الباحث على استرجاع أي عمل غنائي مع الكلمات ، وسماع اللحن في أي نقطة منه مباشرة وبشكل آني ، ومشاهدة المقطع البصري إن كان له تسجيل سينمائي .
      • بناء برمجيات خاصة، تمكن الباحثين من إجراء المقارنة بين أعمال غنائية مختلفة  ، لدراسة التأثير والتأثر ، وتحديد القواسم المشتركة للفن الموسيقي العربي ، وكذلك إجراء البحث في  قاعدة المراجع آنياً ، عن أية فكرة ذكرت من قبل الباحثين المؤلفين لتلك المراجع والكتب المخزنة في قاعدة المراجع ، تخص اللحن الذي تتم دراسته.
    • البوابة المعلوماتية الإلكترونية :
      • إنشاء بوابة معلوماتية على شبكة الإنترنت ، مخصصة للباحثين العرب ، تشرف عليها لجنة عليا من كبار المؤرخين الموسيقيين العرب ، تعرض مخزون نظام معلومات الموسيقى العربية ، وتسمح بتغذيته من مختلف نقاط الاتصال على طريق تخزين خلاصة الإبداع الموسيقي العربي ، كما وصلنا مع نهاية القرن العشرين ، بشكل تشاركي ، كما تسمح بتحليل ذلك الإبداع ، موسيقياً  ، وتاريخياً ، ما يسمح بتشكّل جدلية جديدة للتوثيق والتحليل بين الخبراء العرب ومراكز التوثيق الموسيقي العربية  ، قادرة على تجاوز المسافات التي تفصل بين المؤرخين  العرب ، وعلى تحريض صياغة مشاريع مشتركة ، تتصل بفترات زمنية ومناطق جغرافية محددة ، بما يؤدي إلى كتابة التاريخ الموسيقي العربي بشكل تشاركي ومتكامل ، وتخزينه في قواعد خاصة بالبيانات ، ونشر تلك البيانات على البوابة الإلكترونية ، بعد اعتمادها من اللجنة العليا.

ملاحظات عامة حول خصوصية عملية التأريخ للموسيقى ، والخيارات المتعددة التي توفرها تقانة المعلومات والاتصالات لإنجازها:

  • تختلف عملية تأريخ الموسيقى عن عملية تأريخ أي نشاط إنساني آخر ، نظراً لخصوصيتها المتمثلة أساساً في تداخل الوثائق الموسيقية المكتوبة ، مع الوثائق السمعية والبصرية ، التي تشكل منتجها التقليدي ، وهو ما تسبب سابقاً في غموض كبير في نتائج عمليات تأريخ الموسيقى ، بسبب عدم وجود إمكانية الربط بين حوامل وثائقها في حامل واحد ، نجم عنه فصلٌ تامٌ بين النص ومضمونه الموسيقي. هذا مختلف عن الحديث عن الفلسفة أو الأدب  حيث البيانات كلها نصوص بينما في الموسيقى النص هو نصف الحقيقة ، و التسجيل الصوتي ، إن وجد ، هو الأساس.
  • تسبب هذا الواقع في تأخر التأريخ للموسيقى عند الشعوب كافة ، نسبة لمظاهر النشاط الإنساني الأخرى ، ومع ذلك فقد استطاعت أمم عديدة أن تنجز التأريخ لموسيقاها ، فيما بقي العرب بعيدين عن إنجاز هذه المهمة التاريخية.
  • بالمقابل ، ولد التطور الكبير الذي شهده التوثيق الرقمي للنصوص و الوثائق السمعية والبصرية في العقود الأخيرة ، و بسبب تطور الأدوات المعلوماتية ، أمالاً كبيرة في تجاوز العوائق الموصوفة أعلاه ، ولكنه تسبب ، وبالنسبة لعملية تأريخ الموسيقى ، في ضرورة إعادة النظر في المنهجيات التقليدية ، لعدم صلاحيتها ، سواء لجهة توثيق المعلومات ، أم لتقاطعها و لتحليلها أم لاستغلالها ، كما ولَّد خيارات متعددة لها ، بسبب الإمكانيات المتعددة لتداخل المضمون الموسيقي وحوامله المكتوبة والسمعية والبصرية ، مع أحدث التقنيات المعلوماتية ، التي توظف آليات البحث ، و التأليف الرقمي التشاركي ، و التغذية الراجعة الآنية  ( التدقيق وتوثيقه ) ، للوصول إلى المنتج النهائي الذي أصبح موحد الحامل ، وهو ما أجسده في الكثير من المنشورات على موقعي على الإنترنت ، حيث يتداخل النص مع الوثائق السمعية والبصرية بليونة كاملة.( اللون الأزرق ، المتداخل مع النص ، في الصورة المرفقة لاحقاً من موقعي ، هو لمشغل صوتي ، يسمح بالاستماع المباشر إلى اللحن ، موضوع البحث ، كما تُظهر السورة تداخل المفات السمعية البصرية ، مع الصورة ، مع الملفات الصوتية ، ضمن النص ذاته ، لتسهيل المقارنات).
  • من هنا فإن علينا ألا نقلد تجارب الدول الأخرى المنجزة في تأريخ الموسيقى، لأنها تمت في ظروف سبقت ولادة الأدوات المعلوماتية في صورتها الحديثة ، وعلينا أن نبني تجربتنا المتأخرة باستخدام أحدث التقانات ، وخاصة في تقاطع المعلومات بين ما هو مكتوب ومكتوب ، ولكن أيضاً بين ما هو مكتوب ومسجل ، حيث هناك الكثير من الأخطاء والمغالطات التي انتشرت واعتبرت حقائق ، عندما كانت ترد مكتوبة في الكتب بينما أي مقارنة بسيطة لها مع التسجيل الصوتي تكشف زيف التحليل الوارد و ضعف النتائج.
  • لابد بالتالي لتحديد منهجية نهائية لتوثيق المعلومات ، وتالياً لتحليلها و استغلالها ، من تحديد شكل المنتج النهائي ، وأسلوب النشر المستهدف وأدواته ، عبر قرار من الجهة المسؤولة عن المشروع ، ينجم عنه تحديد الأسلوب الأفضل لتبويب المعلومات ، و تشكيل قواعد المعلومات ، وخاصة الكلمات المفتاحية ، و كذلك رقمنة المراجع ، وصولاً إلى تحديد منهجية التحليل و الاستغلال ، و أسلوب تركيب المعلومات المدققة ، و تشكيل الوثائق النهائية التي تدمج النصوص المكتوبة بالوثائق السمعية البصرية . إننا نرى أن الاكتفاء بالنشر الورقي ، يعني أننا سنكرر الأخطاء التي كانت قبل ولادة تقانة المعلومات والاتصالات ، ما يحتم اعتماد النشر الرقمي  ، حيث تترابط الوثائق المكتوبة والصوتية والمرئية ،  دون أن يمنع هذا نشر نسخ ورقية للتوثيق الفيزيائي.
  • من هنا فقد ركزت المحاضرة على كل ما هو عام وصالح لأي خيار من الخيارات المتعددة ، سواء على مستوى التوثيق أم التحليل أم التركيب ، فبينت المستلزمات المعلوماتية لعملية توثيق و تحليل المعلومات المتوفرة ، حسب تنوع الوثائق الحاملة للرصيد الموسيقي ، و مع ذلك فإنها  لم تدخل مثلاً في تفاصيل أساليب تبويب النصوص الناجمة عن رقمنة المراجع ، بما يسهل البحث فيها وتدقيق معلوماتها ، ولا  في شرح آليات ربط قاعدة المراجع والقواعد الأخرى بقاعدة الكلمات المفتاحية ، التي تعتبر الملاط الذي يربط جميع عناصر المشروع بعضها ببعض ( أنظر لاحقاً ) ، ولا في أساليب تشكيل هذه القاعدة وتبويبها ، ولا في آليات اعتماد الكلمات المفتاحية وعلاقاتها ببعضها ، أو في أساليب توثيق نتائج عمليات تقاطع النصوص ، .. فهذه كلها وغيرها نقاط ترتبط أيضاً بالخيار المعتمد للمنتج النهائي .
  • وفي السياق ذاته ، مرت المحاضرة بسرعة على مرحلة استغلال المعلومات ، إذ لم يكن ممكناً عرض خياراتها المتعددة ، كما تم شرحه أعلاه ، فهذا كله يتطلب محاضرة خاصة ، تستعرض منهجيات التوثيق والتحليل و الاستغلال التقليدية التي استخدمت في العصور السابقة ومشاكلها ، والمنهجيات البديلة  التي تعتمد على أدوات المعلوماتية والاتصالات ، وهذا يخرج عن إطار محاضرتنا هذه.

 تجربتنا في بناء نظام معلومات الموسيقى العربية : يتشكل النظام من قواعد البيانات التالية المرتبطة فيما بينها علائقياً:

  • قاعدة الكلمات المفتاحية للموسيقى العريية. ( يبلغ عدد الكلمات المفتاحية حوالي 1600 كلمة مفتاحية بني لكل منها سجل كامل من المعلومات).تتعلق القاعدة بتحديد المراحل الزمنية وتحديد الكلمات المفتاحية لكل مرحلة زمنية من أسماء أشخاص من مؤلفين وملحنين ونقاد ومؤرخين وتكون بمثابة الملاط الذي يربط قواعد المعلومات الأخرى مع ضرورة توحيد أسلوب كتابتها حرفياً.
  • قاعدة مراجع الموسيقى العربية: وهي قاعدة بيانات وثقت فيها عشرات الكتب والمراجع والدراسات في الموسيقى العربية، تسمح وعبر الكلمات المفتاحية ، وتجزئة النصوص و ربط كل نص جزئي بالكلمات المفتاحية المستخصلة من النص ذاته ،  بالبحث عن أية فكرة يطلبها الباحث ، حيث يحدد له الحاسوب الكتاب الذي وردت فيه هذه الفكرة أو المصطلح ، مع تحديد الصفحة والمؤلف والنص . ترتبط القاعدة مع قاعدة الكلمات المفتاحية وفق مفاتيحها.
  • قاعدة الأعمال الغنائية العربية: وهي قاعدة بيانات يتم فيها توثيق مئات الأغاني والأعمال الموسيقية على الحاسوب ، من خلال تسجيلاتها السمعية والبصرية مع نصوصها وتحليلها الموسيقي ، على مستوى البيت الواحد ، مع توثيق المعلومات الخاصة بها ، كالمؤلف والملحن والمؤدي وسنة الإنتاج والمقام والإيقاع والقالب ، وكذلك أي كلمات مفتاحية مرتبطة بمضمونها . تساعد القاعدة في استرجاع أي عمل غنائي مع الكلمات ، وسماع اللحن في أي نقطة منه مباشرة وبشكل آني ، ومشاهدة المقطع البصري إن كان له تسجيل سينمائي ، ومن ثم وعبر برمجيات خاصة،  يمكن إجراء المقارنة بين أعمال غنائية مختلفة  ، لدراسة التأثير والتأثر ، وتحديد القواسم المشتركة للفن الموسيقي العربي ، كما تسمح باكتشاف القالب على اختلاف تعقيداته في الموسيقى العربية، وكذلك طول الجملة اللحنية والفقرة اللحنية . يسمح النظام بإمكانية البحث في  قاعدة المراجع آنياً ، عن أية فكرة ذكرت من الباحثين المؤلفين لتلك المراجع والكتب المخزنة في قاعدة المراجع ، تخص اللحن الذي تتم دراسته . ترتبط القاعدة مع قاعدة الكلمات المفتاحية وفق مفاتيحها. يمكن أيضاً إجراء الإحصاءات المتعلقة بالأعمال الغنائية لملحن محدد أو لشاعر أو لمطرب ، أو الأعمال الموسيقية لمؤلف موسيقي ، باستخدام الرسوم البيانية .
  • قاعدة تاريخ الموسيقى العربية وتضم نتائج أعمال التحليل والتحرير لمختلف العناصر المدروسة التي تشكل تاريخ الموسيقى العربية.( سيتم شرحها خلال عرض منهجية التركيب والاستغلال عبر موقعنا على الإنترنت ).

منهجية التوثيق والتحليل و الاستغلال المعتمدة لدينا:

سيتضمن الجانب التطبيقي من المحاضرة عرض تطور خيارات منهجية التوثيق والتحليل و الاستغلال التي نفذت في مشروعنا ، وفق ما يسمح به الوقت المخصص للعرض ، إذ تغيرت تلك المنهجية حسب المراحل التي قطعها المشروع ، الذي بدأ منذ بداية التسعينات ، فكانت أولاً بغرض إنجاز البرامج التلفزيونية / عبد الوهاب مرآة عصره ثم أسمهان ونهج الأغاني وفريد الأطرش/ ، حيث تم تشكيل قواعد البيانات وفقاً لهذا الغرض ، كما اعتمدت النصوص التسلسلية المكتوبة على الورق ، ومن ثم دمج تقديم مضامينها مع التسجيلات السمعية والبصرية عبر التصوير التلفزيوني .

 ثم تحولت المنهجية تالياً ، في العقدين الأول والثاني من هذا القرن ، ومع تطور معالجة الأصوات والصور رقمياً ، لغايات النشر الإلكتروني بالنصوص والوسائط المتعددة / موقعنا على الإنترنت / حيث اعتمدنا تقنية وضعناها خصيصاً ، وهي تقنية التأليف الرقمي التفاعلي ، والنصوص القصيرة المتشعبة ، سواء في رقمنة نصوص المراجع ، وربطها عبر الكلمات المفتاحية ، أو في أسلوب تأليف النصوص النهائية ، حيث يتم ربط جميع نصوص المعلومات المرتبطة بذات الكلمات المفتاحية ، لوضعها أمام الباحث الذي سيدرسها للخروج بنصوص محققة ، مرتبة بشكل هرمي ، و تكون هي نتاج عملية التركيب ، القابل للتدقيق من قبل الآخرين ، قبل اعتماده ،  مع إمكانية توثيق ذلك التدقيق ، بشكل مترابط ودائم مع الوثيقة النهائية.

 وتجدر الإشارة إلى أن هذه التقنية  أسهمت في تمكننا من دمج مناهج التحليل جميعها في أعمالنا ، لتأريخ حياة وفن المبدعين ، سواء أكان المنهج السياقي ، المعتمد على إدماج دراسة التطور التاريخي و الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي وحتى النفسي للمبدع ، وارتباط ذلك التطور  بمضمون العمل وعناصره لاكتشاف العناصر الجديدة ، أم في المنهج النصي ، المعتمد على تحليل مضمون عناصر العمل الإبداعية وأسلوب تركيبها ، بغض النظر عن سياقاتها ، مع أننا في كثير من الأحيان كنا نعود مرة أخرى لدراسة تطور العناصر الداخلية في سياقها ، عندما نجد ذلك ضرورياً ، خاصة عند الشك في وجود قفزة جديدة في ذلك العنصر المدروس ، تضيف إلى اللغة الموسيقية العربية جديداً ، فنخضع ذلك العنصر إلى المنهج السياقي لاكتشاف مدى جدَّته.. ولولا أسلوبنا في ترتيب المعلومات لما تمكننا من تطبيق هذه التقنية في استغلال المعلومات .

عرض تطبيقي لأسلوب توظيف نظام معلومات الموسيقى العربية و للأسلوب التشاركي في مشروع كتاب الأغاني الثاني من خلال موقعنا على شبكة الإنترنت.

  • تعريف بمشروع كتاب الأغاني الثاني من موقعنا على شبكة الإنترنت :
    • تعريف بالمشروع في صورته الأولى وهي البرامج التلفزيونية من الموقع.
    • التحول إلى الكتاب الإلكتروني بعد نشوء الإنترنت الذي يدمج النص مع التسجيل الصوتي والمرئي.
  • مراحل الإنجاز
    • مرحلة التوثيق: وتتضمن كيفية رقمنة النصوص ( باستخدام الإدخال المباشر أو تطبيق OCR ) والتسجيلات وربطها بالكلمات المفتاحية والبحث فيها.
      • رقمنة المراجع – استعراض أحد الكتب بصيغتين : ورقية و رقمية – البحث في النص– تجزئة النص وربطه بكلماته المفتاحية .
      • رقمنة التسجيلات الصوتية والمرئية مع إضافة كلماتها المفتاحية.
    • مرحلة التحليل: وتتضمن كيفية إجراء البحث والمقارنة بين نصوص وتسجيلات من خلال الكلمات المفتاحية:
      • البحث عن نصوص تشترك في كلمة مفتاحية.
      • البحث عن نصوص تشترك في عدة كلمات مفتاحية.
      • التعارض بين المعلومات عبر البحث من خلال الكلمات المفتاحية.
      • الإحصائيات.
      • دراسة تطور القوالب الغنائية.
      • مقارنة الألحان.
    • مرحلة التركيب والتشاركية : وتتضمن أسلوب تركيب نتائج التحليل وكتابة نصوص جديدة مرتبطة بكلمات مفتاحية تحقق الهدف المرسوم ، وكذلك أسلوب التشاركية في الكتابة وأسلوب التدقيق والاعتماد.
      • النصوص الجديدة : نصوص مدققة مترابطة تشعبياً وهرمياً ، تتداخل ضمنها الموسيقى وتربط من جديد بالكلمات المفتاحية .
      • النصوص المتشعبة.
      • التشاركية .
      • التأليف الرقمي.

صورة لنص من نصوص موسوعة كتاب الأغاني يبين تداخل النص مع التسجيلات الصوتية والبصرية

ملاحظات لاحقة من أجواء المؤتمر:

  • لماذا علينا أن نكتب تاريخ الموسيقى العربية ، مع توظيف تكنولوجيا المعلومات الاتصالات في التدقيق وتقاطع المعلومات ، و أن ننشره على أوسع نطاق ؟ أرى أننا إن لم نكتبه نحن فسيكتبه غيرنا كما يهوى .. ويبني عليه !
  • لاحظتُ أن أغلب دراسات تاريخ الموسيقى العربية لا تزال تتوقف عند حدود نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين .. متأثرة في ذلك بالمنهج الذي اختطه المستشرقون .. وبالصورة السلبية للممارسة الفعلية للفن الموسيقي في المجتمعات العربية التقليدية .. وبتوفر المادة الصوتية التي اعتبرت على أنها تعبر عن ذاتها بذاتها .. ما استتبع أن تتركز دراسة التاريخ الموسيقي في الجامعات على تحقيق المخطوطات.. أو توصيف التراث اللامادي مجهول المؤلف الملحن! و أن تتركز الكتابات الصحفية بالمقابل على نقد متعجل لنتاج القرن العشرين الموسيقي ، ما أفقد ذلك النتاج الثري ، ولمدة طويلة ، ما يحتاجه من الاعتماد على المنهج العلمي في دراسته.. كان هذا مبرراً فيما مضى ، ولكنني أرى أن الزمن تجاوز ذلك الآن .. فالقرن العشرون أصبح في ضمير الزمن ، وعلينا أن يكون من أولوياتنا إخضاع نتاجه المكتوب والصوتي لأدوات البحث العلمي المقارن.
  • لا تزال دراسات تاريخ الموسيقى العربية تتركز على تحقيق المخطوطات فيما تتركز الكتابات الصحفية على نقد متعجل لنتاج القرن العشرين الموسييقي الثري وهذا واقع أرى ضرورة تغييره.
  • من متابعتي لأبحاث الشبان الدارسين في الغرب في تاريخ الموسيقى العربية ، استوقفتني ملاحظتان وآمل أن لا أخرج في هذا عن الموضوعية : ملاحظة إيجابية ، في نظرتهم إلى التراث  الموسيقي كما وصفته الكتب القديمة نظرة نقدية متحررة من القيود التي طالما سيطرت ، في تبجيل كل ما هو فيه ، لطالما زرعها المستشرقون ، في سعيهم لتجميده كما كان في عهود سابقة ، دون أي تطوير ولو منبثق من الجذور ، لكي ينفصل شيئاً فشيئاً عن وجدان الناس فيستبدلونه بتراث أمم أخرى ، و هم بهذا يتسقون مع طموحات جيلهم ، وملاحظة سلبية  ومناقضة للأولى ، في اعتمادهم لآراء ذات الأساتذة من المستشرقين ، على أنها كلام منزل ، ما يوقعهم في تناقض واضح بين الحرية الظاهرية التي يتناولون بها التراث الموسيقي العربي بالبحث ، والالتزام الدقيق بآراء أساتذتهم التي تناقض تلك الحرية ، ما قادني لاستنتاج غريب ، إذ بدأت أخشى أن اهتمام بعض الباحثين الشبان العرب الدارسين في الغرب بتراثهم ، لا ينبع من تقديرهم الشخصي له ، بقدر تقديرهم لاهتمام أساتذتهم المستشرقين به!
  • أسعدني مشاركة باحثين شباب في إلقاء المحاضرات حول تأريخ الموسيقى العربية وفاجأني اعتمادهم الكلي على مقولات المستشرقين واعتبارهم لها حاسمة في مضامينها!
  • أرى أن الانفصال التاريخي بين الوثيقة المكتوبة والوثائق الصوتية والمرئية تسبب في الكثير من المغالطات والأخطاء في الكتابات وخاصة الصحفية التي تناولت الرصيد الموسيقي في القرن العشرين ، وقد حان الوقت لكشف هذه المغالطات ، خاصة بعد أن تمكنت النصوص الإلكترونية من دمج الوثائق المكتوبة والصوتية والمرئية في حامل واحد.. بحيث أن ما تقرأ عنه تستمع إليه في اللحظة ذاتها..
  • أرى أن هناك مساران للعمل في كتابة التاريخ : الوثائق محددة التاريخ ، علينا أن ندرس تطور اللغة الموسيقية من خلال تطور تلك الوثائق أي أن نصعد في دراسة التاريخ من الأقدم للأحدث ، أما في الوثائق مجهولة التاريخ وأعني بها الفولكلور فعلينا أن ندرسها باتجاه معاكس في محاولة لتحديد التاريخ الذي تعود إليه من خلال خلاياها اللحنية.
  • طُرحت في الملتقى  أسئلة كثيرة ، مثلاُ : عن أي تاريخ نتحدث ؟ تاريخ الموسيقى العربية ؟ أم تاريخ الموسيقات العربية ، أم موسيقى العرب حتى لو امتد نشاطهم إلى المغتربات وإلى موسيقات أخرى ، أم تاريخ الموسيقى في المنطقة العربية بمختلف مكوناتها.. ؟ أم تاريخ المضارات القديمة في المنطقة العربية ؟ هل هو تاريخ موسيقى الحواضر العربية الذي كان محرك التطور ؟ أم موسيقى الأرياف مع اختلاف درجة تأثرها بموسيقى الحواضر .. هل هو تاريخ الموسيقى العربية  كما عكستها المخطوطات ؟ أم كما حفظتها الممارسة العملية العابرة للزمن ؟ في رأيي .. لابد من أولويات لكي ننجز العمل .. وأن نحدد طيف المرحلة الأولى دون أن نستثني أي عنصر في وقت لاحق .. والمرحلة الأولى هي التأريخ  للموسيقى التي تحكمت اللغة العربية في مسارها وتطورها..
  • أرى بأننا كثيراً ما نسمع عن مساعٍ حثيثة لتفتيت الأمم والدول .. وهذا للأسف واقع معاش .. ولكن لا أحد يتحدث عن تفتيت التراث والوجدان .. سواء بالدعوة إلى التخلي عن التراث لصالح تراث مستورد ، أو بالترويج لتراثات “مختلفة” لا تختلف في أساسياتها شيئاً!
  • تساءلتُ : هل نعيد كتابة التاريخ فقط أم نجسده بتوظيف تقانة المعلومات والاتصالات فنبعث فيه الحياة..
  • علمتُ من خلال فعاليات المؤتمر أن سلطنة عمان قامت منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي بحملة لتسجيل التراث الموسيقي العماني وتم ذلك في 841 شريط فيديو و 509 شريط صوتي و حوالي 25000 صورة و أكثر من 100 وثيقة مكتوبة ، وقد قاد تلك العملية الدكتور يوسف شوقي.
  • علمتُ أيضاً وأن هذه الأشرطة محفوظة في حيز مغلق ثابت درجة الحرارة والرطوبة ومعزول عن أي تأثيرات خارجية .. ذكرني هذا بحملة لتسجيل التراث الغنائي السوري من الأغاني الشعبية قام بها الراحل مصطفى هلال في بدايات إذاعة دمشق وأطلقها من خلال برنامجه الشهير ” من نشوة الماضي ” وبلغ عددها أكثر من 300 أغنية..
  • تم تنظيم الملتقى بمستوى عال من التحضير والتجهيز.
  • في العام التالي ، ركز الملتقى الثاني للمؤرخين العرب ، الذي استضافته سلطنة عُمان مرة أخرى ، على دور المستشرقين ، و لم أشارك فيه إذ أنني كنت أرى ضرورة الإنطلاق في عملية تنفيذية و هيكلية تؤدي إلى تأريخ الموسيقى العربية وليس المتابعة في عرض بحوث بالأسلوب التقليدي أولاً ، والتركيز على دور المستشرقين ثانياً، على أهميته ، لأن هذا الدور سلط الأضواء دائماً على العصور القديمة وعلى تحقيق المخطوطات ، ولم يهتم بالفترة المعاصرة التي يأتي غناها من أنها وفرت لنا الوثائق الصوتية، وهي بحاجة ملحة أكثر للتأريخ والتوثيق.

صور من فعاليات المؤتمر : مع الدكتور كفاح فاخوري أمين عام المجمع العربي للموسيقى والأستاذ كمال قصار من لبنان

صور من فعاليات المؤتمر : مع الدكتور محمود قطاط ( تونس ) والدكتورة منى غانم ( لبنان )

صور من فعاليات المؤتمر : مع الدكتور محمود قطاط ( تونس ) والدكتورة منى غانم ( لبنان )

صور من فعاليات المؤتمر : مع الأب يوسف طنوس عميد كلية الموسيقى في جامعة الكسليك( لبنان )

صور من فعاليات المؤتمر: مع الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة في مصر حالياً و الأب يوسف طنوس عميد كلية الموسيقى في جامعة الكسليك في لبنان و الدكتورة منى غانم ممثلة لبنان في المجمع العربي للموسيقى

Tagged , , . Bookmark the permalink.

Comments are closed.