موشح باسمٌ عن لآل لصباح فخري : أكمل وصلة موشحات انتظرَتْه عشرين عاماً وعبَّر عن نيل الأرب بذروة لحنية حملتها لفظةٌ من خارج النص!

شعار كتاب الأغاني الثاني

صباح فخري وصالح المهدي

في عام 1955 ، أصدر الدكتور فؤاد رجائي آغا القلعة ، كتابه الشهير من كنوزنا. تضمن الكتاب ، بحثاً هاماً في فن الموشحات وبنائها ، كما تضمن ، في تعاون مع الأستاذ نديم الدرويش ، تدويناً لعدد كبير من الموشحات ، تم تصنيفها في وصلات حسب المقام الموسيقي الذي بني عليه لحن كل منها ، فكانت وصلات اليكاه والعجم عشيران و الراست والبيات والصبا .. تضمن الكتاب وصلة في مقام الجهاركاه ، مكونة من سماعي جهاركاه لمحمد رجب ، وموشحين فقط ، هما : كللي يا سحب تيجان الربى بالحلي لمحمد عثمان وابن سنّاء الملك ، و موشح أنت سلطان الملاح ، اللحن قديم والنص قديم. أتوقف اليوم عند موشح .. باسم عن لآل.. الذي أكمل وصلة الجهاركاه..


وصلة موشحات مقام الجهاركاه غير مكتملة في كتاب من كنوزنا

الأستاذ صباح فخري اعتمد على كتاب من كنوزنا ، في الموشحات التي وثقها بصوته على مدى عشرات السنين ، وكان دائماً يعترضه أن وصلة الجهاركاه غير مكتملة لكي تُعد وصلة ، نظراً لأن الوصلة يجب أن تتضمن على الأقل ثلاثة موشحات . لذا لجأ الأستاذ صباح إلى صديقه الدكتورصالح المهدي المعروف ب: زرياب تونس ، والذي كان سبق له أن لحن وصلة كاملة على مقام الجهاركاه ، فاختار منها موشح باسم ٌعن لآل ، لإكمال الوصلة المشرقية .

موشح بلحن جديد على نص قديم
نص الموشح موجودٌ ضمن المالوف التونسي الأندلسي ، بلحن قديم ، مع اختلاف في المفردات التي وردت في النص النهائي . يتميز النص بتكثيف نادر للمعاني في كلمات قليلة. اعتمد الدكتور المهدي النصَّ ، الذي ينسب للشهاب الموصلي ، في مفرداته الجديدة ، ولحَّنهُ مجدداًعلى مقام الجهاركاه . يمتاز اللحن الجديد بتعبيره عن مقام الجهاركاه في مسالكه النغمية ، كما هو معروف في المشرق العربي ، وخاصة في حلب ، رغم أن ملحنَه من المغرب العربي ، إذ أنه كان قرر ضمَّه إلى وصلة مشرقية!
يقتصر القالب المعتمد في حلب ، في الصورة الأبسط ، على أربعة مجموعات مختارة من الأبيات ، تسمى المجموعة الأولى بالدور الأول ، وتلحن بلحن ، يتكرر في المجموعة الثانية الذي تسمى بالدور الثاني ، ثم يأتي لحن مختلف للمجموعة الثالثة ، يسمى الخانة ، ويخصص لحنه لإبراز قدرات المطرب ، من خلال توسيع اللحن إلى مناطق الأصوات الحادة ، وتوفير الجمل اللحنية التي تسمح بالتكرار الذي يؤديه المطرب ، لتحقيق استجابة المستمع ، ودخوله في حالة من الطرب ، تميزت بها هذه المدرسة التلحينية ، وصولاً إلى المجموعة الرابعة التي تسمى الغطاء ، والتي تماثل في لحنها لحن الدورين الأول والثاني في جميع عناصره. وبالتالي فالموشح في صورته الأبسط التي اعتمدها الدكتور المهدي ، هو قالب تلحيني ليس فيه إلا لحنان فقط . كان على اختيارات الأبيات الشعرية أن تحقق متطلبات هذا القالب ، إلا أنها لم تكن كذلك!

استكمال متطلبات قالب تلحين الموشحات كما حدد في حلب
جاء النص الأصلي في سبعة أبيات ، حسبما هو مبين أدناه . شكل البيتان الأول والثاني مجموعة تلائم متطلبات الدور الأول ، فيما شكل البيتان الثالث والرابع مجموعة تلائم الدور الثاني ، في التماثل مع بيتي الدور الأول في القوافي والأوزان ، ولكن النص لم يلحظ نصاً خاصاً مختلفاً للخانة ، ثم عودة إلى أبيات متوافقة مع أبيات الدورين الأول والثاني ، تشكل مجموعة الغطاء ، إذ تضمن النص بعد ذلك ، ثلاثة أبيات متماثلة في الوزن ، ومختلفة عن أبيات الدورين الأول والثاني في قوافيها.

التحليل
تسبب هذا ، في أن يقتطف د. المهدي ، وهو العارف بتقاليد المدرسة المشرقية الحلبية في تلحين الموشحات ، بيتاً من الأبيات الثلاثة الأخيرة ، وهو : أي ظبي ربيب ليَ فيه أرب ، ليعتبره الخانة ، خاصة أنه يؤسس للذروة اللحنية المطلوبة في الخانة ، حيث النص يحتوي على ذروة عاطفية ، يصرح بها الشاعر عن غايته : ليَّ فيه أرب .
ضمن الدكتور المهدي الخانة الذروة اللحنية الأحدّ ، مع انفراد المطرب بلفظة ” أمان ” فيها ، في ذروة الموشح اللحنية ، بما يعبر عن تصوره لنيل الأرب ، ثم يعود إلى اللحن الأصلي ليتكرر في البيتين الأخيرين ، لتشكيل الغطاء ، ولو أنهما لا يماثلان أبيات الدورين الأول والثاني على الأقل في القوافي ..
ولم يكتف د. المهدي بذلك ، إذ رأى ، وبما أن الذروة اللحنية أتت على لفظة ” أمان ” ، أن يمهد لهذه الذروة بذرى أخرى أقل ارتفاعاً ، يؤديها المطرب أيضاً ، من خلال استخدام لفظة ” أمان ” أيضاً ، من خارج النص الأصلي ، في الدور الأول ، ثم في الدور الثاني ، وكذلك في الغطاء ، مع تكرار البيت الثاني من المجموعة بعدها لاختتام اللحن ، ما جعل الموشح يتكئ على ذروتين لحنيتين للمطرب!

موسيقياً
جاء اللحن على إيقاع السماعي الثقيل 8/10 ، و جاء في المستوى المقامي ، على مقام الجهاركاه ، في الدورين الأول والثاني والغطاء ، أما الخانة فقد احتوت تلويناً مقامياً متسلسلاً ومعبراً في خلاياه عن المعنى ، إذ أتى مدخلها من المطرب على مقام الصبا ” أي ظبي لي ربيب ” ، في تعبير عن بعد الحبيب ، ليعود اللحن إلى الجهاركاه عند ” أمان التالية ” من المجموعة ، في تذكير بالمقام الأساسي ، أما ” ليَّ فيه أرب ” فأتت من المطرب على مقام الشوق أفزا ، أي : زيادة العشق ، وهنا تعبير مقامي جميل عن لفظة الأرب ، لتأتي لفظة ” أمان ” ، من المطرب ، و التي تحقق الذروة اللحنية ، في تصاعد اللحن ، على مقام العجم الحماسي ، المعبر عن تصور نيل الأرب ، ليختتم اللحن عند تكرار : ليَّ فيه أرب ” ، في عودة إلى مقام الجهاركاه.

وهكذا يكون الملحن قد خلط الأوراق ، فضمّن جميع المقاطع ذرى لحنية ، تكون كالجسور بين المقاطع ، وأعطى الذروة اللحنية في الخانة مع لفظة ” أمان ” دوراً تعبيرياً ومقامياً عن تصور نيل الأرب . امتاز اللحن أيضاً بإعطاء المجموعة ( الكورس ) دوراً أوضح ، من خلال حوار بينها وبين المطرب ضمن الخانة ، في صدى لقالب الدور .. ولهذا حديث آخر!

النص
الدور الأول:
باسم عن لآل ناسم عن عطر
نافر كالغزال سافر كالبدر
الذروة اللحنية الأولى :أمان
نافر كالغزال سافر كالبدر

الدور الثاني بنفس اللحن:
باخلٌ بالوصال سامحٌ بالهجر
ليَّ أبقى الخبال حين أفنى صبري
الذروة اللحنية الأولى مكررة : أمان
ليَ أبقى الخبال حين أفنى صبري

الخانة: لحن جديد
أيُّ ظبي ربيب ( المجموعة : أمان ) ليَ فيه أرب ( المجموعة : أمان )
الذروة اللحنية الثانية:أمان للمطرب
ليَّ فيه أرب

الغطاء: بنفس لحن الدورين الأول والثاني
ريقُه كالضريب واللمى كالضَرَبْ
يا له من حبيب باسمٌ عن حبب
الذروة اللحنية الأولى مكررة: أمان للمطرب
يا له من حبيب باسمٌ عن حبب

الضَرَبْ هو العسل الأبيض

د. سعد الله آغا القلعة

Tagged , , . Bookmark the permalink.

Comments are closed.