في ذكرى إطلاق الشيخ أحمد أبو خليل القباني الدمشقي لعروض مسرحياته الغنائية في القاهرة في منتصف شهر تشرين الأول / أكتوبر عام 1884

شعار كتاب الأغاني الثاني

في مثل هذه الأيام من عام 1884 انتقل الشيخ أحمد أبو خليل القباني الدمشقي مع فرقته المسرحية من الإسكندرية التي كان بدأ فيها عروضه المسرحية في مصر إلى القاهرة . كان القباني قد قدم إلى الإسكندرية لأول مرة في شهر حزيران / يونيو  1884 و عرض مسرحياته فيها على مدى أربعة أشهر ( فصل الصيف ) ثم انتقل إلى القاهرة في منتصف شهر تشرين الأول / أكتوبر 1884 وكان هناك مواكبة يومية من جريدة الأهرام لتلك العروض.

وبهذه المناسبة أنشر اليوم مواكبة جريدة الأهرام شبه اليومية لانتقال الشيخ القباني بعروضه المسرحية إلى القاهرة وفق ما وثقها الدكتور سيد علي اسماعيل في كتابه : جهود القباني المسرحية في مصر ،  التي تبين مدى تقدير المصريين لإبداع القباني ، إذ دمج التمثيل بالغناء والألحان الجديدة مع رقص السماح المترافق بالحركة مع الألحان والإيقاع ، مع تحميل المضامين العبر و الدعوة لمكارم الأخلاق.

توثيق جريدة الأهرام:

جريدة الأهرام في 14 / 10 / 1884

لا خفاء أن فريق التمثيل العربي بإدارة حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني الدمشقي قد أظهر من بدائع ألعابه (بدائع عروضه ومسرحياته) في المدة التي أقامها بالإسكندرية ما دعا إلى الثناء عليه حتى استدعى الجميع إلى ملازمة الحضور في أوقات تشخيصه . أما الآن وقد توجه أمس إلى العاصمة لقصد التمثيل فقد تكدر الإسكندريون من ذلك إذ كانوا يودون بقائه عندهم ولكنهم لم يأنفوا من أن يقاسمهم كرام العاصمة داعية المسرة من مشاهدتهم فريقاً عربياً يجتهد في إحياء هذا الفن البديع المفيد باتقانه روايات عديدة محكمة الوضع جامعة أطراف النظم والنثر بعبارة بليغة وأسلوب رائق ومواضيع أدبية مع اتقان التمثيل عن رشاقة حركات ( رقص السماح ) وحسن إجادة بحيث يمثلون الماضي بصورة الحاضر حتى يتوهم السامع والمشاهد أن الأمر الممثل واقع طبيعيا ً. وفي يقيننا أن أهالي العاصمة الكرام لا يتأخرون عن مقابلة هذا الفريق بالوجه الباش والحضور المستمر لاستماع الروايات التي يمثلها. ومتى علمنا محل التشخيص والروايات التي ستمثل لا نتأخر عن إعلان ذلك لإفادة العموم ونتوقع إذ ذاك أن نتقبل عن وكيلنا عن نجاح هذا الفريق ما يستقدمنا إلى إعلان الثناء.

جريدة الأهرام في 16 / 10 / 1884

أتى إلى العاصمة فريق التمثيل العربي الذي طالما طالع قراء الأهرام ما أتاه في تمثيله بالإسكندرية من الاتقان والإجادة الشاهدة بفضل حضرة رئيسه الفاضل الشيخ أبي خليل القباني واهتمام الفريق ولسنا نشك بأن أهالي العاصمة الكرام سيتقبلونه بالمسرة ويوالون الحضور لمشاهدة التمثيل والارتياح إلى إنجاح هذا الفن الجميل.

جريدة الأهرام في 21 / 10 / 1884

اتصل بنا أن فريق الروايات العربية الذي أعلنا عن توجهه إلى العاصمة قد استأجر فيها تياترو البوليتياما وسيكون ابتداء التشخيص برواية (أنس الجليس ) ليلة الخميس الآتي الواقع في ٢٣ الشهر الحاضر وهي رواية بديعة الاتقان فصيحة العبارة مدهشة المناظر فالمأمول من أهالي العاصمة الكرام أن يعضدوا هذا المشروع المفيد ونحن موقنون بأنهم سيصادفون ما يسر منهم الخواطر فيفوز هذا الفريق برضاهم كما فاز برضى أهالي إسكندرية والله الموفق . أما الأوراق فتباع نهاراً في محل أحمد أفندي صبح بجوار البوسطة في ملك قطاوي بك، وتباع ليلاً في باب محل التشخيص.

جريدة الأهرام في 24 / 10 / 1884

بدأ فريق التمثيل العربي ليلة أمس بالتشخيص في تياترو البوليتياما ولم تأت الساعة المعينة للابتداء حتى غص المقام بالحضور غيرة من كرام أبناء لغتنا العربية الشريفة في سبيل تعضيد هذا الفن البديع ولا غرو فغيرة أهالي العاصمة مشهورة ولا شك أنهم سيوالو ن الحضور في جميع أوقات التشخيص . أما الرواية التي شخصت فهي (أنس الجليس ) المشهورة وقد أتقن الممثلون العمل إلى حد استدعى مسرة العموم وكان التصفيق يتخلل الألعاب وقد انقبضت القلوب لدى تمثيل عامل الخليفة لكونه أطرد خطة الظلم ثم انبسطت عند حضور الوزير جعفر الذي كشف الظلامة وخصوصاً لدى تمثيل الخليفة هرون الذي أيد العدل . وبالاختصار أن العموم كانوا منشرحين صدراً مما شهدوا وقد أثنوا الثناء المستطاب على حضر ة الفاضل الشيخ أبي خليل وفريقه . وبعد تتمة الرواية انتصب حضرة الفاضل الأكتب والخطيب المصقع فارس أفندي نمر  محرر المقتطف الأغر وألقى خطبة غراء جمعت إلى بلاغة المعاني فصاحة الألفاظ أبان فيها فضل فن الروايات على الهيئة الاجتماعية وشكر الفريق الممثل ورئيسه واستنهض همة المصريين إلى تعضيد هذا المشروع وختمه داعياً لسمو الخديو المعظم فصفق له الجمهور وامتدحوه كثيرا ً. وبعد ذلك مثل الفريق فصلاً مضحكاً سر ا لجمهور الذي انصرف شاكراً مثنيا ً. وسيمثل في هذه الليلة رواية (ولادة) المشهورة التي قال عنها أحد العلماء المصريين الأفاضل أنها في سبك الجمل والفصاحة لمن أجلّ الكتب العربية.

جريدة الأهرام في 27 / 10 / 1884

مثل أمس الفريق العربي رواية (لباب الغرام) التاريخية الشهيرة وكان المقام غاصاً بالحضور وقد تفنن الممثلون بالتمثيل كل التفنن فشرحوا صدر الحاضرين الذين قابلوهم بعلامات الاستحسان وأثنوا عليهم الثناء المستطاب والحق يقال إن الغيرة البادية من كرام المصريين في تعضيد هذا الفريق وإنجاح هذا الفن تستحق المدح والشكر.

جريدة الأهرام في 28 / 10 / 1884

في ليلة أمس مثل فريق الروايات العربية رواية (الخل الوفي ) وهي رواية تاريخية وقعت في مملكة فارس يستفاد منها حوادث تاريخية ج ليلة يمكن للمر ء قياسها على حوادث هذ ه الأيام من أبواب عديد ة. وقد جمعت هذه الرواية من كل فن مستطاب فجاءت مشتملة على خالص الحكم وضروب الحماسة والمروءة ووفاء العهود وخديعة النساء إلى غير ذلك ولا تسل عن براعة المشخصين الذين أجادوا غاية الإجادة وأتقنوا أدوارهم غاية الاتقان . أما الحضور فكانوا جميعا ً مسرورين مما شهدوا من إحكام التشخيص وحسن الإلقاء وفصاحة ال لغة وبلاغة المعاني وحسن الإشار ة. وفي هذه الليلة ستشخص رواية (الأمير محمود) وغداً رواية (ناكر الجميل ) وليلة الخميس رواية (عائدة) وأما ليلة الجمعة فرواية (عنترة العبسي ) فنحث الجمهور على ابتياع تذاكر اللوجات والكراسي فيرون ما يسرهم ويبرهنون بعضدهم هذا الفن على ما طالما شهدناه من هممهم وحميتهم.

جريدة الأهرام في 29 / 10 / 1884

نقل إلينا بعض الذوات الذين قدموا من العاصمة في هذين اليومين أن الروايات التي مثلها الفريق العربي تحت إدارة حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني كانت متقنة غاية الاتقان حسنة الو قع لدى الجماهير الذين حضروها جديرة بأن يثني على مؤلفها ومشخصيها جميل الثناء وكتب إلينا مدير الجريدة أن ذوات العاصمة وأعيانها مصممون على مولاة الحضور منعطفون إلى إحياء هذا الفن البديع بما تعودوا من مد يد المساعدة إلى إحياء كل مشروع مفيد فشكرنا لهم هذه الغيرة العربية ورجوها للفريق المذكور نجاحاً تاماً.

جريدة الأهرام في 1 / 11 / 1884

شخص الجوق العربي ليلة أمس رواية (عائدة) وفي الليل الفائت رواية (عنترة العبسي) وكانت قاعة الملعب في الروايتين وخصوصاً الأخيرة غاصة بالجموع بأنواع لم يسبق له مثيل في الليالي السالفات أو في تشخيص أي جوق عربي أو أوبرالي فدلنا ذلك على ارتياح رجال العاصمة إلى جودة التمثيل وحقق آمالنا في كرامهم فتفآلنا بالدخول في عصر جديد يجدد في دمائنا حياة المروءة والشهامة والغيرة و تكاتف مبادئ أجدادنا الأقدمين وقلنا لا بد من النجاح وإن كان المبدأ في كل عمل صعبا ً. أما المشخصون فقد أتقنوا تمثيل أدوارهم وأحسنوا الإلقاء بقدر ما وصل إليه الإمكان والاستطاعة وتصفيق الاستحسان المتكرر من الشهود يؤيد كلامي . ولا ريب في أن إقدام حضرات الذوات والأعيان إلى موالاة الحضور سيستقدم حضرة مدير الجوق الفاضل الشيخ أبي خليل إلى بث اهتمامه في تحسين الروايات وزيادة اتقان التشخيص وقد سرني ما علمت من أن حضراتهم موجهون العناية إلى تعضيد هذا الجوق وأن مديره شارع في نوفمبر زيادة عدد المشخصين والمغنيين ليكون العمل مستوف جميع الشروط . أما الفصل المضحك الذي يشخص في ختام كل رواية فحدث عنه ولا حرج فقد تفنن فيه عامله كل التفنن وكثيراً ما يصفق له الجمهور استحساناً ويستعيدون إشاراته وحركاته.

Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading