في ذكرى المصالحة بين أم كلثوم وزكريا أحمد : أغنية هو صحيح الهوى غلّاب عبَّرت نصاً ولحناً وأداءً عن الأسف على ضياع 12 عاماً من الإبداع إلى غير رجعة بسبب خلافٍ حول الحقوق الفكرية!

شعار كتاب الأغاني الثاني 

مصالحة أم كلثوم مع زكريا أحمد بوجود القاضي

مصالحة أم كلثوم مع زكريا أحمد بوجود القاضي عبد الغفار حسني

أتوقف اليوم عند أغنية هو صحيح الهوى غلّاب ، التي جاءت كنتيجة للمصالحة التي تمت في يوم 25 كانون الثاني / يناير 1960 ، بين أم كلثوم وزكريا أحمد ، بعد 12 سنة من النزاع في المحاكم، ما  كان أدى إلى أن زكريا امتنع عن التلحين لأم كلثوم على مدى اثني عشر عاماً ، فضاعت سنوات من الإبداع. عندما حلَّت المصالحة ، لحن لها زكريا أغنية واحدة هي : هو صحيح الهوى غلّاب ، ثم رحل عن هذه الدنيا! وكذلك ناظمها بيرم التونسي!

أتوقف أولاً عند الخلاف حول حقوق الملكية الفكرية للملحن في لحنه ، ثم أعرض للمصالحة ، ودور الأغنية في التعبير عن الأسف ، على ضياع 12 سنة من الإبداع!

الخلاف

في نهاية الأربعينات من القرن العشرين ، كان الحديث عن حقوق المؤلف والملحن قد أخذ أبعاداً جديدة في مصر ، بسبب الخلاف الكبير بين زكريا أحمد وأم كلثوم ، بعد عرض فيلم فاطمة عام 1948 ، حول حقوق زكريا في ألحانه.

كان الشائع أن يشتري المغني اللحن والنص لمرة واحدة، وهو مارفضه زكريا ، مستنداً إلى عقدٍ كان وقعه مع الإذاعة في منتصف الثلاثينات ، يقضي بأن يحصل ، مقابل ألحانه ، على 5% من أجر أى مطرب أو مطربة يغني اللحن . استثنى العقد أم كلثوم ، تاركاً تحديد النسبة للتفاوض حسب الأغنية ، فيما كانت أم كلثوم ترى أنها تشتري اللحن لمرة واحدة.
أقام زكريا الدعوى على الإذاعة أمام المحاكم المصرية ، ثم ضم إليها السيدة أم كلثوم ، وطالبهما ، متضامنين ، بدفع مبالغ كبيرة ، وصلت إلى آلاف الجنيهات. دام النظر في القضية حوالي 12 سنة ، صدر خلالها ، وفي عام 1954 تحديداً ، قانـون حماية حقوق الملكية الفكرية والفنية في مصر الذي حمل الرقم 354 ، وقضى بحفظ حقوق الملحن والشاعر و الناشر ، وتحصيل تلك الحقوق ، من قبل جمعية المؤلفين والملحنين ، لدى بيع نسخ الأسطوانات التي تحمل الأغنية ، أو لدى بث الأغنية عبر أثير الإذاعات ، ما أبرز توجهاً قانونياً جديداً ، أثر على مسار القضية.

المصالحة

انتهت المحاكمة بمصالحة في يوم 25 كانون الثاني / يناير 1960 ، و قام بها المستشار عبد الغفار حسني ، القاضي الذي كان سيحكم في القضية ، وكان محباً لفن أم كلثوم وزكريا.

قضت المصالحة بأن يلحن الشيخ زكريا لأم كلثوم ثلاث أغنيات خلال العام 1960 ، مع تحديد المقابل المالي لذلك مسبقاً ، وكأنما كان هناك سعيٌ لاستدراك ماضاع طيلة سنوات الخلاف. وضع بيرم التونسي رفيق عمر زكريا نص الأغنية الأولى: ” هو صحيح الهوى غلّاب ” معبراً عن المصالحة التي تمت ، وعن لسان حال زكريا وأم كلثوم ، وهما أيضا رفيقا عمر ، قائلاً :

هو صحيح الهوى غلاب … معرفش أنا
والهجر قالوا مرار وعذاب .. واليوم بسنه

صاغ زكريا اللحن على مقام الصبا ، معبراً أيضاً عن أسفه على ضياع تلك السنوات ، ولعله كان يشعر أن العمر سيخذله في القادمات من الأيام ، وأنه لن يتمكن من تلحين الأغنيتين التاليتين حسب بنود المصالحة ،  فيما غلف الأسى تعبير أم كلثوم لدى أداء الأغنية ، التي أتوقف عندها بالتحليل لاحقاً.

أدت أم كلثوم الأغنية لأول مرة في حفل يوم 1 كانون الأول / ديسمبر 1960 ، ما يعني أن بيرم استطاع الاستماع إلى الأغنية مرة واحدة ، في ذلك الحفل ، إذ توفي قبل أن تعيد تقديمها مرة ثانية في حفلها يوم 2 شباط / فبراير 1961 ، أما زكريا فقد استطاع الاستماع إلى الأغنية في ذلك العرض الثاني أيضاً ، ليرحل عن هذه الدنيا بعد ذلك بأيام!

أدت أم كلثوم الأغنية على المسرح 19 مرة ، بين عامي 1960 و 1968 ، منها 7 مرات في عام 1961 ، وهو العام الذي شهد رحيل زكريا وبيرم ، في تعبير واضح عن الأسف على سنوات من الإبداع ، ذهبت إلى غير رجعة!


د. سعد الله آغا القلعة

Bookmark the permalink.

One Response to في ذكرى المصالحة بين أم كلثوم وزكريا أحمد : أغنية هو صحيح الهوى غلّاب عبَّرت نصاً ولحناً وأداءً عن الأسف على ضياع 12 عاماً من الإبداع إلى غير رجعة بسبب خلافٍ حول الحقوق الفكرية!

  1. Yasser58 says:

    الاغنيه رائعه للعمالقه بيرم التونسي وذكريا احمد وربما هذا الخلاف مع ام كلثوم كان له نتائج لصالح المؤلفين والملحنيين

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading