في ذكرى ولادة نور الهدى : لقاءٌ جمعنا وحديثُ ذكريات و أسئلةٌ بقيت معلَّقة و قصيدة شهدت الولادة السينمائية لصوتٍ وملحن!

شعار كتاب الأغاني الثاني

في ذكرى ولادة نور الهدى التي تحل في 20 كانون الأول / ديسمبر من كل عام ، رأيت أن أشارككم ذكرى لقـاءٍ جمعني معها في عام 1994..

ذات مساء في ذلك العام ، رن جرس الهاتف في مكتبي ، وكانت السيدة نور الهدى على الطرف الآخر. عرَّفتني بنفسها فرحبت بها ، وسرعان ما كان حديث ذكريات عابر ، إذ تذكرنا سوية مسيرتها في حلب في بداياتها ، التي كانت والدتي تحدثني عنها ، و عن زياراتها إلى منزلنا ، قبل ولادتي ، ثم تذكرنا أهمية الـدور الذي لعبه والدي الدكتور فؤاد رجائي آغا القلعة في تعريفها بيوسف وهبي في حلب عام 1942 ، ما فتح لها الطريق إلى نجومية سينمائية في القاهرة ، دامت عشر سنوات ، قبل أن تنتهي بشكل مفاجئ عام 1952!

قالت بأنها قادمة إلى دمشق ، وترغب في لقائي لتهنئني ، بعد أن تابعت برنامجي التلفزيوني عبد الوهاب مرآة عصره ، وقد كان يبث في ذلك الوقت على عشر فضائيات عربية.

خلال اللقاء ، وخلال حديث ذكريات مطوَّل ، عرضتُ صورة لها ، كانت أهدتها إلى والدتي بخط يدها في عام 1944 ، أي بعد عرض فيلميها جوهرة وبرلنتي، إذ عادت إلى حلب ، لتشكر والدي ، وتبلغه عن النجاح الذي حققته.

حدثتني مطولاً عن مسيرتها الناجحة في القاهرة ، و ألمها عندما علمت ، في عام 1952 ، بأنها لن تستطيع العودة إليها مجدداً ، بحجة تهربها من دفع الضرائب ، و ألمها المتجدد ، عندما لم تجد في لبنان الترحيب الذي يليق بمسيرتها الناجحة ، فيما رحبت بها دمشق وقدمت لها دائماً المجال لتقدم فنها وأغانيها.

كانت في حديثها تطرح آلامها على شكل أسئلة ، وكأنها كانت تنتظر مني أن أجيب .. فيما كانت تعبر في خاطري إجابات تركتُها حبيسة أمامها ، لأنني كنت أعرف أنها لاشك تعرفها ، فصوتها كان جاهزاً في عام 1952 ، تحديداً ، للإخلال بتوازن كان قائماً في عالم الغناء في القاهرة ، فيما كانت عودتها ستؤدي إلى وضع مماثل ، لو استقبلها عالم الغناء في بيروت بترحاب ، فيختل فيه توازن مماثل ، كان قد بدأ يستقر في لبنان ..

بقينا على تواصل على الهاتف ، إلى أن رحلت عن هذه الدنيا في عام 1998 ، رحمها الله.

و لكن ، و طالما أننا في إطار الاحتفاء بولادتها، فقد رأيت أن أعرض لها أغنية نادرة من فيلمها الأول : جوهرة ، الذي شهد ولادتها السينمائية ، و هي قصيدة مولاي حبك قد سما بي ، على مقام النهاوند. وأنا أعرضها أيضاً ، لأهميتها المزدوجة ، إذ أنها شهدت ولادة نور الهدى سينمائياً ، و لأنها شهدت أيضاً ولادة ألحان رياض السنباطي السينمائية في مجال تلحين القصائد ، ( بعد قصيدة عابرة غناها بنفسه في فيلم قصير بعنوان حلم الشباب من أعمال عام 1937 و هي قصيدة حلم يسري بين الشباب ) ، ماجعله يضع لقصيدة مولاي مقدمة موسيقية طويلة ، استغرقت نصف مدة الأغنية ، ولما كانت القصيدة تؤدى في الفيلم في مجلس الأمير ، فقد اضطر المخرج لإضافة مشاهد صامتة خلالها لتسلية الأمير والمشاهدين ، لا علاقة لها بالأغنية ، فقمتُ باستبدالها بمشاهد من الفيلم!

يلاحظ في أدائها للأغنية محاولتها الاقتراب من أسلوب السيدة أم كلثوم في أداء الأغاني السينمائية ، كما بقي أن أذكر أن أغلب القصائد السينمائية التي لحنها السنباطي لاحقاً كانت لنور الهدى!


د. سعد الله آغا القلعة

Bookmark the permalink.

Comments are closed.