فصل ” صناعة الغناء ” في مقدمة ابن خلدون : لمحة تلخص مراحل تطور” صناعة الغناء ” و تبين علاقتها بالعمران و لكنها تحدد أيضاً متى تولد ومتى تزول! – نسخة رقمية

كعادته ، يوجز ابن خلدون في مقدمته ، لتكون لكل كلمة معناها،  فهاهو في الفصل الثاني والثلاثين من المقدمة ، وفي بضع صفحات، يعطي لمحة موجزة و شاملة عن صناعة الغناء ( حسب مصطلحاته ) ، وتطورها عند العرب ، وعن علاقتها بالعمران ، كما يحدد ولادتها وظروف تشكلها في المجتمعات .. و مآلها!

يتوقف ابن خلدون أولاً عند ( صناعة الغناء وهذا المصطلح ورد سابقاً في كتاب الأغاني للأصفهاني ) ، فيشرح أسسها و دورها في المجتمعات ، ثم يستعرض الآلات الموسيقية المعروفة في عصره ، وتأثير كل منها ، ويحلل الأسباب التي تجعل الغناء ملذاً للنفوس ، ليدخل لاحقاً في تحليل أساليب الغناء المختلفة ، ما يدلك على أنها كانت متعددة متغيرة ، في سعي للتعبير عن المعاني!

وفي السياق ذاته ، يستعرض ابن خلدون تطور ( صناعة الغناء ) عند العرب ،  في بداوتهم وجاهليتهم ، أولاً ، ليتتبع تطورها بعد الإسلام ، وصولاً إلى الأندلس.

وفي سياق آخر ، يتوقف ابن خلدون عند أحكام قراءة القرآن الكريم بالتلحين ، والآراء التي عالجت هذا الموضوع ، ليصل أخيراً إلى تحديد الأسباب والظروف التي تتسبب ، في المجتمعات ، في ولادة ( صناعة الغناء ) .. وفي زوالها!

أدعوكم لقراءة هذا الفصل من المقدمة ، و للتمعن في الأسطر الأخيرة:
وهذه الصناعة آخر ما يحصل في العمران من الصّنائع، لأنها كماليّة في غير وظيفة من الوظائف إلّا وظيفة الفراغ والفرح، وهي أيضا أوّل ما ينقطع من العمران عند اختلاله وتراجعه.

ملاحظة لاحقة للنشر:

كان هناك اعتراض على مصطلح ابن خلدون : صناعة الغناء، والواقع أنه اعتمد مصطلح الصناعة للشعر أيضاً ، إذ جاء عنوان الفصل الخامس الوالخمسون من المقدمة : في صناعة الشعر. يعود السبب في اعتماد ابن خلدون لهذا المصطلح إلى أنه لا يتحدث عن الغناء كنشاط إنساني رافق الإنسان منذ فجر التاريخ ، ولكنه يتحدث عن صناعة الغناء ، أي الغناء كمهنة ، لأناس ممتهنين لها ، يلتزمون بأسس وقواعد جمالية لها معتمدة في عصرهم ، تتطور بتطور الأزمان ، و القصد من حديثه عن اضمحلال صناعة الغناء مع اختلال العمران ، هو توقع  انحسار الأبعاد الفنية والأسس الجمالية في تلك الصناعة.

يمكن إخفاء أسهم تقليب الصفحات عند اللزوم إذا كانت القراءة تتم من خلال جهاز خليوي أو لوحي  وذلك بالنقر على الصفحة كما يمكن تقليب الصفحات بدون الأسهم عبر سحب الصفحة بالأصبع باتجاه اليمين أو اليسار

Bookmark the permalink.

One Response to فصل ” صناعة الغناء ” في مقدمة ابن خلدون : لمحة تلخص مراحل تطور” صناعة الغناء ” و تبين علاقتها بالعمران و لكنها تحدد أيضاً متى تولد ومتى تزول! – نسخة رقمية

  1. سعد الله آغا القلعة says:

    من التعليقات الهامة التي وردت على نشر فصل الموسيقى في مقدمة ابن خلدون ما كتبه الأستاذ عبد العزيز الحامدي على صفحتي على منصة فيس بوك وأنا أنقل ذلك هنا مع إجاباتي على محاور التعليق..
    عبد العزيز الحامدي:
    فصل رائع شامل ممتع .. وجامع كعادة ابن خلدون في تناولاته وعادة الموسوعيين القدامى في ترابط مناحي الحياة لاسيما لدى أبي علم الاجتماع (ابن خلدون) .. لكن لاشك أن التطور الحاصل اليوم يجعلنا نستدرك على ماجاء ببعض ملاحظات تخص عصرنا لا عصرهم ربما أجزئها في تعليقات خشية الإطالة.
    طبعا تطرق الفصل بإيجاز عن الموسيقا بما قد لا يستوعبه الا من اوتي حظاً موسيقياً ويبدو أنه ملم وموهوب بالموسيقا أيضاً ونعتقد بذلك .. ففرق بين خصائص الصوت الفيزيائية العامة (شدة وارتفاع وغلظة … ) وبين التناسب النغمي كجمل موسيقية.
    ثم فرق مابين التذوق البسيط (ومعه الأداء البسيط) للنغم وأسماه (المضمار).. وببن التركيب المعقد للنسب الصوتية (التلحين)..
    وعليه نستنتج في الناس ثلاثة:
    ١. البعيد غير المتذوق ويمارس (نشازاً) وهو غير مذكور في الفصل.
    ٢. الذواق والمؤدي البسيط .
    ٣. الملحن .
    وهما مذكوران.
    ++++++++++++++++++++++++++
    د. سعد الله :
    طبعاً هذه نظرة علمية للموسيقى جاءت في نص مختصر جداً يدل على اطلاع ابن خلدون على كتابات علماء وفلاسفة سبقوه أمثال الكندي والفارابي وابن سينا الذين قدموا مؤلفات كاملة في الموضوع والتي سأنشرها لاحقاً في المكتبة الموسيقة عبر الانترنت لمن يرغب في الاطلاع عليها من مكتبتي الموسيقية. طبعاً هو أشار لهؤلاء المؤلفين في نصه عندما قال بأنه ( تبين في علم الموسيقى ) أو ( حصرها أهل علم الموسيقى ) في الصفحة الأولى من الفصل.
    +++++++++++++++
    عبد العزيز الحامدي:
    على ماسبق استطاع ان يوضح لنا حكماً فقهياً مهماً مايزال قائماً لدى قراء القرآن الكريم .. فيبين أن الإمام مالك حرّم أي تناول للنغم في التلاوة.
    بينما أجاز الشافعي الترنم بالنوع البسيط غير المركب (غير التلحين)…
    لكن أضيف أنا هنا شيئاً لابد منه وهو عدم جواز التوقيع (استخدام الإيقاع) مطلقاً في التلاوة .. ولم يذكره ابن خلدون لأنه كان بديهياً في عصره ربما .
    +++++++++++++
    د. سعد الله
    أنا أرى أنه كان من الطبيعي ألا يشير إلى الإيقاع لأنه ترافق في رؤيته للإيقاع مع اللذة الي يثيرها في السامعين إذ قال في الصفحة الأولى : وقد يساوق ذلك التّلحين في النّغمات الغنائيّة بتقطيع أصوات أخرى من الجمادات إمّا بالقرع أو النّفخ في آلات تُتَّخذ لذلك، فتزيدها لذّة عند السّمع. كما قال في الصفحة التالية: وقد يكون القرع في الطسوت بالقضبان أو في الأعواد بعضها ببعض على توقيع مناسب يحدث عنه التذاذ بالمسموع.
    وهي وظيفة للإيقاع بعيدة عما يرافق تلاوة القرآن من خشوع.
    +++++++++++
    عبد العزيز الحامدي:
    كأن ابن خلدون في فصله هنا يلمّح إلى أن الأداء البسيط (المضمار) هو مايسمى (الفالت) لا أدري … لكن لابد من ان الفالت قد يكون مركباً ومدروساً وقد يكون مرتجلاً.. وقد يكون آلياً وقد لايكون.
    +++++++++
    د. سعد الله:
    هذا صحيح فالمضمار هو الغناء المرسل البسيط ( الفالت أو المنسرح.. ) ودليله ما ورد في حكم تلاوة القرآن إذ أجاز الإمام الشافعي التلاوة بالتلحين البسيط الذي أسماه المضمار لأنه لا يتعارض مع أحكام التجويد الذي ” يحتاج إلى مقدار من الصّوت يتعيّن أداء الحروف به من حيث اتباع الحركات في مواضعها، ومقدار المدّ عند من يطيله أو يقصّره، وأمثال ذلك” ما يتعارض بشكل واضح مع الإيقاع ذي الطبيعة المتكررة ..
    +++++++++++++++++++++
    عبد العزيز الحامدي:
    نجد أيضاً ان الفصل لايتطرق إلى فكرة المقامات أو العقود أو الأطوار برغم أنها ضرورية عندنا حتى لو تذكر في إيجاز واستعاض بوجود نسب وتراكيب.
    ربما أعود لاحقاً فالفصل غني ونستضيء به وأشكركم لطرحه .
    ++++++++++++++
    د. سعد الله :
    لاشك في أنه قصد بالتراكيب المقامات إذ يقول : وليس كل تركيب منها ملذوذاً عند السّمع، بل تراكيب خاصّة هي التي حصرها أهل علم الموسيقى وتكلّموا عليها، كما هو مذكور في موضعه.

    ++++++++++++++++
    عبد العزيز الحامدي:
    مما يجدر قوله ايضاً عن الفصل : الربط مابين كماليات العمران والموسيقا .. اذ يعتبرها من رفاهية المجتمع وتتطلب فراغاً فيعتبر أن انشغال المجتمع بالضروريات في بداية دولته ثم بالحاجيات يمنعه من الاهتمام بالموسيقى .. وهذا احد أسباب مانراه اليوم إذ إن لهاث الناس وراء الضروريات والحاجيات يحجبهم عن تذوق وإبداع الموسيقا…
    بيد أني أرى أن الموسيقا حين يكون غرضها دفاع الشعوب عن حقوقها أو استنهاض موروثها وإحياء القيم تكاد تصبح حاجة أو ضرورة …
    فاليوم من السهل تناول الموسيقا ببساطة وبوسائط التواصل للتأثير في الناس وبالتالي قد تكون عاملاً عمرانياً مهماً.
    +++++++++++++++++++
    د. سعد الله
    نعم لقد أغفل ابن خلدون أدواراً أخرى للموسيقى في المجتمع إذ اعتبرها من الكماليات بينما لم يغفلها غيره كما سنرى في نشرة تالية فيما يستلزم الأمر التدقيق في تلك وجود تلك الأدوار في عصور سبقت ابن خلدون لنرى إن كان سها عنها .. وهو ما سندققه أيضاً في نشرة أخرى تالية..

    ++++++++++++++++++++
    عبد العزيز الحامدي:
    مايلفت النظر أيضاً تفسير نغمية الشعر العربي وظهوره التاريخي في الجاهلية بالنزعة الموسيقية لدى الشعوب حين يلمح للمقارنة بين ماهو موجود عند العجم بسبب سلطانهم العمراني المترف وبين حياة البداوة التي استعاضت عن الغناء الموسيقي الصُراح بالشعر الموقع الموزون والحداء والهزج (وهو بحر من بحور الشعر) …
    وكان الشعر فخر العرب وديوانهم..
    هنا نجد ابن خلدون يحلل الظاهرة الموسيقية عند العرب إلى أصولها الشعرية فكأن الموسيقا العربية بدأت شعراً وانتهت غناءً به ..
    وهذه فرضية خلدونية – إن صح قولي- فرضية جميلة وجديرة بالدراسة إذا ما أضفنا أن من خصائص لغتنا أساساً وجود ميزان صرفي وأن الأفعال الثلاثية ذات عوائل وزنية متطابقة ..
    كتب
    قرأ
    نظر
    هي نفس الوزن بينما نجدها في النكليزية مختلفة كوزن لفظي وإيقاعي..
    وهذا مايربط شعرنا بالوزن والايقاع ربطاً مبررا لوجود امكانية رحبة في استخدامات اللغة أساساً..
    +++++++++++++++
    د. سعد الله:
    أعتقد أن ابن خلدون رغم تقديره للشعر و في تحليله للظاهرة الموسيقية وإرجاعها إلى أصولها الشعرية وإلى خصائص اللغة العربية في البعد الموسيقي في توليد الأفعال وتركيبها ومن ثم بناء البحور الشعرية كما ورد عند الخليل بن أحمد فإنني أعتقد أنه اعتبر أن تلك الخصائص التي اعتمدت فقط على تناوبات مختلفة للساكن والمتحرك ليست إلا قطرة من بحر تناسب الأصوات إذ قال:وهذا التّناسب الذي من أجل الأجزاء والمتحرّك والسّاكن من الحروف قطرة من بحر تَنَاسُب الأصوات كما هو معروف في كتاب الموسيقى. إلّا أنّهم لم يشعروا بما سواه لأنهم حينئذ لم ينتحلوا علما ولا عرفوا صناعة، وكانت البداوة أغلب نحلهم. ثمّ تغنّى الحُداة منهم في حداء إبلهم والفتيان في قضاء خلواتهم، فرجّعوا الأصوات وترنّموا.
    وأنا أرى هنا أنه قارن بين إمكانيات الظاهرة الشعرية والظاهرة الموسيقية التي رآها أوسع وأغنى بكثير ، كما أرى بأنه كان عليه أن يتابع ليقول أنهم لاحقاً ( الملحنون ) خرجوا على قيود ذلك التناسب المقتصر على الساكن والمتحرك عندما ابتدعوا ما سمي ” الغناء المتقن ” منذ العصر الراشدي كما سنرى في نشرة تالية!