د. آغا القلعة عن مؤتمر الموسيقا العربية

حوار: أحمد بوبس

الثورة الثقافي العدد 9003 تاريخ 13/12/1992

مؤتمر الموسيقا العربية الذي انعقد مؤخراً في  القاهرة كان حدثاً هاماً في تاريخ الموسيقا العربية فهو أول مؤتمر ينعقد بعد نحو ربع قرن من آخر مؤتمر موسيقي عربي وأيضاً شهد حشداً موسيقياً كبيراً تمثل في أكثر من ثمانين باحثاً من مختلف الدول العربية وتتجلى الأهمية الأخرى للمؤتمر من الأبحاث المقدمة له والتي توغلت في عمق الاشكالات القائمة للموسيقا العربية.

ومن بين الذين شاركوا من  سورية في المؤتمر الدكتور سعد لله آغا القلعة عضو اللجنة العليا للمؤتمر ورئيس لجنة الآلات والفرق الموسيقية وعضو في لجان أخرى، وإضافة إلى ذلك فقد قدم للمؤتمر بحثين هامين تناولا جوهر الموسيقا العربية.وآفاق مستقبلها، لذلك كان من الطبيعي أن يكون  لنا معه لقاء موسع حدثنا فيه عن كل ما شهده المؤتمر من جلسات وأبحاث مقدمة وحوارات مفيدة.

  • د.سعد الله ما هي الأسباب والدوافع التي حرضت على عقد المؤتمر؟

**  هناك العديد من الأسباب التي ساهمت في التحريض لعقد مؤتمر الموسيقا العربية أولها أن آخر مؤتمر للموسيقا العربية انعقد عام 1969 بمعنى أنه مر وقت طويل على عقد آخر مؤتمر للموسيقى العربية ،  وثاني الأسباب أن أول مؤتمر للموسيقا العربية كان في عام 1932 ، والقيّمون على الموسيقا العربية أرادوا أن يكون مؤتمر عام 1992 بعد مرور ستين عام على المؤتمر الأول  دلالة على التواصل والاستمرار، وأن  الموسيقا العربية تقع في صلب اهتمام المواطن العربي ، ويأتي انعقاد المؤتمر بمناسبة الاحتفال باليوبيل الفضي لتأسيس فرقة الموسيقا العربية التي أسسها الموسيقار الراحل عبد الحليم نويرة تكريماً له ، وهناك في رأي سبب هام لعله الأساس الذي انعقد المؤتمر لأجله هذا السبب هو واقع الموسيقا العربية الصعب فالمشاكل التي بحثت في مؤتمر عام 1932  والمؤتمرات التالية له لم تكن من نفس نوعية المشاكل التي بحثت في هذا المؤتمر ،اليوم هناك واقع جديد واقع الانفصال بين المبدع والباحث و أصبح هناك طفيليون في الموسيقا العربية، كما أصبح هناك مبدعون وبحاثة جدد لكن كل يعمل في وادِ ،النظريات والدراسات لا تجمع وتنشر في مؤتمر ، الطفيلية في الموسيقا العربية ترعرعت وأصبح هناك ملحنون لهم أسماؤهم وليس عندهم أي أساس موسيقي ،لا يعلمون عن مشاكل الموسيقى شيئاً ، فعندما نقول السلم الموسيقي ومشاكله نراهم غير معنيين، ولكنهم المبدعون في الظاهر  أمام الناس ، أيضاً هناك عدم تفاهم بين عناصر الإبداع الموسيقي من جهة وبين تكوين المؤسسات المعنية ، بسبب عدم تلاقي الموسيقيين والمفكرين الموسيقيين للتدارس في المشاكل.

هذه المشاكل لم يكن أحد يقدم لها حلاً ، وإنما كانت الأمور متروكة بشكل عشوائي، ففي مكان تسير بشكل جيد لأن المؤسسات الموسيقية موجودة، بينما في أماكن أخرى هذه المؤسسات غير موجودة ، وبالتالي تزاد مشاكل الموسيقا، لذلك كان لابد للموسيقيين والمفكرين الموسيقيين أن يجتمعوا كي يحددوا المشاكل الجديدة التي نشأت في الواقع الجديد للموسيقا العربية بسبب وجود طفيلية موسيقية، وبسبب هيمنة الموسيقا الغربية الكلاسيكية عليها، وهجوم الآلات الالكترونية غير المعنية أساساً بالسلم الموسيقي العربي ، ولا تلائم موسيقانا، وأيضاً بسبب انحسار موجة الأصوات الجميلة وانحسار موجة الملحنين المبدعين، ووجود سوق استهلاكية للموسيقا تتقبل أي شيء وترفض الجيد لأن الجيد والجاد ليس هو المطلوب.

* من كان وراء الدعوة لعقد هذا المؤتمر في القاهرة؟

** كان وراء الدعوة لعقد هذا المؤتمر الدكتورة رتيبة الحفني التي هي سليلة أسرة موسيقية فوالدها الدكتور محمود أحمد محمود الحفني سكرتير عام مؤتمر عام 1932. وما دعم  إمكانية عقد المؤتمر ونجاحه وجود المركز ا لثقافي القومي المصري (دار الأوبرا) هذه الدار المنوط بها العمل على تنشيط الموسيقا العربية قبل أن تكون مكاناً لعرض أعمال الأوبرا، وأيضاً وجود مدير المركز الثقافي القومي الدكتور ناصر الأنصاري الشخصية المتفهمة والواعية كان له دور هام في عقد المؤتمر، كما أن إحساس الموسيقيين في مصر بمشاكل الموسيقا العربية أكبر من إحساس الموسيقيين في بقية الدول العربية، لأن عندهم معاهد تدريسية عالية للموسيقا، عندهم كليات للتربية الموسيقية، والمعهد العالي للموسيقا الكونسرفتوار والمعهد العالي للموسيقا العربية، إضافة إلى وجود عدد كبير من الأساتذة والطلاب والباحثين الملحنين كما السوق الغنائية الموجودة في القاهرة معروفة على مستوى الوطن العربي.

* لندخل في صلب أعمال المؤتمر. ما هي اللجان التي ضمها المؤتمر وما عمل كل منها؟

**  كنت عضوا في لجنة المؤتمر العليا ورئيسا للجنة الآلات والفرق الموسيقية وعضواً في لجان أخرى؟

إضافة إلى اللجنة العليا للمؤتمر التي ضمت رؤساء لجان المؤتمر ورأستها الدكتورة رتيبة الحفني  ،  فقد شكلت ست لجان نوعية حسب المحاور الست التي حددت لأعمال المؤتمر. وهذه اللجان هي لجنة المقامات والإيقاعات التي هي العنصر الأساسي في اللغة الموسيقية العربية ، وترأسها الباحث أحمد باقر من الكويت، ولجنة التعليم والثقافة الموسيقية التي رأستها الدكتور سمحة الخولي وشمل مفهوم عمل اللجنة التعليم التخصصي وغير التخصصي، وهنك لجنة التراث الموسيقي العربي التي رأسها الأستاذ محمد القرفي من تونس، وهدف اللجنة تحديد علاقة التراث الموسيقي العربي بالتأليف الموسيقي العربي الحالي ، ولجنة السلم الموسيقى التي تولت رئاستها الدكتورة إيزيس فتح الله، وهذا المحور هام جداً وإشكالي، فمنذ عام 1932 وحتى الآن لم تحل إشكالية السلم الموسيقي العربي، وهناك لجنة المؤتمرات السابقة ، والتي غايتها تذكر الماضي واستخلاص العبر مما مر في المؤتمرات السابقة، وماذا تم فيها وماذا بقي من التوصيات دون تنفيذ ، وطبعاً كان هناك لجنة الآلات والفرق الموسيقية التي كان لي شرف رئاستها، وهذه اللجنة معنية بقسم كبير من الموسيقا العربية يتعلق بتقديمها وإيصالها إلى المستمع عبر الآلة وعبر الفرقة الموسيقية والغنائية وهذه اللجنة عنيت بكل ما يرتبط مع المتلقي مباشرة. لذلك فقد جمعت كبار العازفين العرب، وكبار قادة الفرق وعمداء المعاهد العليا والكليات.

  • ماذا دار في اجتماعات هذه اللجان؟ وما هي الأبحاث التي قدمت إلى هذه اللجان وتم مناقشتها؟

** في موضوع المقامات والإيقاعات الموسيقية قدمت مجموعة أبحاث منها بحث للباحث السعودي عبد الله ادريس الذي دعا إلى ضرورة حصر ومسح اللهجات المقامية الموسيقية في المناطق التي لم يسبق لها أن مسحت فيها تلك اللهجات، وفي الواقع هذا كلام سليم لأن اللهجات السائدة في الموسيقا العربية هي تلك التي نشأت في بلاد الشام ومصر، بعد ذلك ظهرت لهجات مقامية مختلفة في دول المغرب العربي والخليج، ولم تصل حتى الآن إلى أسماع العرب، ومن الضروري مسح هذه اللهجات بغية توثيقها وإيصالها إلى الجمهور العربي، كما كانت هناك أبحاث أخرى من باحثين مصريين حول الأساليب المقامية من خلال التدوينات القديمة للمؤلفات الموسيقية مثل البشارف والسماعيات.. فقدم الأستاذ عدنان إيلوش من سورية والمايسترو سليم سحاب من لبنان الذي يقود حالياً في القاهرة فرقة كورال الأطفال في دار الأوبرا والفرقة القومية للموسيقا العربية، كما تضمن بحثاهما نفس الأفكار دون أن توجد أية معرفة سابقة بينهما، وكانت الأفكار مرتبطة بتصنيف المقامات الموسيقية العربية لها أسماء كثيرة، وأي متعلم جديد قد يصعب عليه أن يفهم كل هذا الكم.

كما تقدم الباحث الأستاذ حميد البصري ببحث عن السلم الموسيقي اقترح فيه اعتماد السلم القائم على ربع الصوت والباحث عبد الرحمن جبقجي قدم بحثاً عن السلم الموسيقي يعتمد على ثمن الصوت.

وتقدمت أنا ببحث عنوانه نظرية الأجناس المتداخلة أتحدث فيها عن خصائص الموسيقا العربية وكيف تطورت ووصلت إلى أن الحداثة في الموسيقا العربية حالياً ارتبطت بأساليب تراث الغرب الموسيقي فقام الموسيقيون بتطبيق هذه الأساليب على جمل موسيقية مشرقية فولكلورية  ليقولوا هذه هي الحداثة الموسيقية وعرضت في بحثي كيفية تطور اللغة الموسيقية العربية في المقامات والإيقاعات منذ الجاهلية وحتى اليوم عبر عقلية تركيبية علمية ووصلت أن الحداثة الموسيقية التي تطلبها اليوم تكون عبر تفكيك الأساس التقليدي للموسيقا إلى عوامله الأولية، ومن ثم أعاد تركيبها بشكل جديد عبر التجريب، وعرضت نماذج تطبيقية عليها، وهذا الأسلوب يفتح آفاقا لا متناهية أمام الموسيقي كي يبدع في أسلوب حديث مرتبط بالأصالة وعرضت أساليب التشكيل الموسيقي باستخدام الحاسوب الموسيقي الذي يساعد الملحن والمؤلف الموسيقي على تشكيل المقام الملائم لعاطفة ملائمة. وفي موضوع التعليم والثقافة الموسيقية ركزت الأبحاث على ضرورة الاهتمام بتنشئة الجيل العربي الجديد على موسيقا عربية حقيقية من خلال التثقيف المتخصص وغير المتخصص، وأن نرفع درجة تذوق الجمهور، فنحن لسنا قادرين على منع الأغنية الطفيلية ولكن إن تمكنا من رفع سوية التذوق الموسيقي عند الجمهور فإننا نحضه ضد هذا الداء المستشري، وعندما نصل إلى التوصيات سنلحظ أهمية الأبحاث التي قدمت وموضوع التراث والتأليف الموسيقي كان موضوعاً إشكالياً، لأن اللجنة جمعت عنصرين متضادين التراث والتأليف الموسيقي العربي الذي يعتمد حالياً أساليب غربية ولعل اللجنة العليا للمؤتمر رأت أن تضع الطرفين في مواجهة كي يتم حوار بينهما، من أجل إيجاد صيغة للحداثة تحتفظ بالأصالة ومناقشات اللجنة كانت حادة وعندما عمدنا إلى صياغة التوصيات قمنا بتعديل صياغة بعضها حتى تتلاءم مع توصيات اللجان الأخرى.

وموضوع السلم الموسيقي كان أيضا موضوعا إشكالياً لأن السلم الموسيقي العربي لم يحدد حتى الآن تماماً، فهو بحاجة إلى رياضيين وفيزيائيين وليس فقط لموسيقيين والسلم الموسيقي العربي معرض للهجوم من آلات الأورغ التي غير مبنية على هذا السلم بل على السلم المعدل، وبدا يستشري فينا حتى بدأنا نفقد شيئاً فشيئاً حساسية الأذن الموسيقية العربية التي تعتبر أكثر الآذان حساسية، وأنا قدمت بحثاً حول استخدام الحاسوب ثم تحديد وتثبيت السلم الموسيقي العربي كما قدمت أبحاث مماثلة من الدكتورة إيزيس فتح الله من مصر بمعاونة أستاذ في الفيزياء بن جامعة القاهرة، ونتيجة المناقشات لم نتوصل إلى تثبيت السلم الموسيقي في المؤتمر ولكننا أصبحنا قريبين من تثبيت درجات السلم الموسيقي العربي، ووضعنا مصطلحات جديدة (السلم الموسيقي العربي العام) القادر على تقديم أي لحن موسيقي في كل أصقاع الوطن العربي مهما اختلفت اللهجات المقامية،وهذا كان نصراً كبيراً. يبقي موضوع الآلات والفرق الموسيقية وضمت لجنتها مفكرين هامين مثل الدكتور سعيد القصبجي عميد المعهد العالي للموسيقا العربية بالقاهرة وحسن شرارة عميد الكونسرفاتوار والدكتور حسين صابر عازف العود المشهور ومحمود عفت عازف الناي.

وقدمت في الموضوع عدة أبحاث عن صناعة الآلات منها بحث للأستاذ وديع نصري من مصر يبحث في وضع قوانين لصناعة العود بحيث نحصل على عود قابل للتكرار بنفس السوية، وأيضاً قدم الأستاذ عدنان إيلوش بحثاً عن عوده المقترح وكان هناك توصية من اللجنة بتوجيه شكر على جهوده في تطوير العود، وحفظت نسخة من العود في متحف دار الأوبرا،أيضاً تقدم الأستاذ رزق الله سلوم من مصر ببحث عن آلة ناي جديدة  لأن الناي الحالي لا يستطيع أداء كل الأصوات في السلم الموسيقي والآلة الجديدة ناي من القصب مضاف إليه مفاتيح تشبه مفاتيح آلة الفلوت،وتم مناقشة الآلة واعتمدت مرحلياً.

وقدمت أبحاث في الفرق الموسيقية دارت حول تشكيل الفرق الموسيقية التقليدية لنشر التراث العربي وفرق تجريبية تساعد المبدعين علي تطبيق النظريات الجديدة ورأت اللجنة أن تتألف الفرق من عوائل الآلات الشرقية مثل العود الصغير والأوسط والكبير والقانون الصغير و الكبير ومجموعة النايات وعائلة الكمان (الكمان الصغير، التشيلو، الفيولا ،الكونترباص). وليس كما هو قائم حالياً على أساس غربي مع تطعيم الفرقة بالعود والناي.

بعد الحديث حول أهم الأبحاث التي عرضت في مؤتمر الموسيقا العربية الذي انعقد مؤخراً في القاهرة. يتحدث الدكتور سعد آغا القلعة اليوم حول أهم التوصيات التي أقرها المؤتمر ومهرجان الموسيقا العربية المرافق له. يقول د. آغا القلعة:

في نهاية المؤتمر ا نقدت لجنه المؤتمر العليا وقامت بصياغة التوصيات التي نوقشت في الجلسة الختامية لهيئة المؤتمر وتم اعتمادها. وبقراءة سريعة لهذه التوصيات نجدها تتحدث أساساً  عن ضرورة تكوين مؤسسات للموسيقا العربية في مختلف بلدان الوطن العربي. ففي مجال الآلات الموسيقية اتخذت جملة من التوصيات بضرورة حصر صناعة الآلات الموسيقية العربية ووضع قوانين لصناعتها لنستطيع الحصول على صناعة جيدة لها عبر معامل متخصصة، مع الاحتفاظ بالصناعة اليدوية كأشكال تراثية فقط. لأن الصناعة اليدوية قد تعطي شيئاًَ جيداً وآخر سيئاً. بينما الصناعة الآلية تعطى نسخاً متماثلة.

وفي مجال المقامات اتخذت توصيات بحصر اللهجات المقامية المنتشرة في أرجاء الوطن العربي. وعندما نقوم بحصر كل المقامات يجب أن يتوفر لدينا ما أسميناه بالهندسة الموسيقية. ويجب أن يكون لدينا مهندسين موسيقيين مطلعين على مشاكل السلم الموسيقى وصناعة الآلات وكيفية خلق آلات جديدة. لأننا إذا أردنا أن نتطور بالموسيقا والتأليف الموسيقي. علينا أن نطور الآلات دون أن نتخلى عن شخصيتها العربية. ولكن يجب أن  تلائم إبداعات المؤلف الموسيقي الجديدة وفي مجال التراث اتخذت عدة توصيات بضرورة إجراء مسح ميداني شامل للتراث التقليدي مثل تكوين فرق غنائية تقليدية تقدم التراث. وهذه موجودة في بعض البلدان العربية وغير موجودة في بلدان أخرى .. ويجب ألا نوجه أفكارنا إلى الفرق الشعبية فمثلاً عندما نقول لفرقة زنوبيا أو فرقة أمية للفنون الشعبية فهذا فن شعبي وليس تقليدي والتراث الموسيقي العربي ليس فناً شعبياً فقط.

وتم تعريف الموسيقا العربية في المؤتمر بأنها الموسيقا المرتكزة على ثلاثة عناصر من ناحية اللغة الموسيقية وليس من ناحية المضامين فهناك الموسيقا الشعبية وهناك الموسيقا التقليدية وهناك الموسيقا الحديثة. والموسيقا الحديثة يجب أن تكون لها فرقها والموسيقا التقليدية يجب أن يكون لها فرقها أيضاً وهي فرق كورال تعتني بأساليب الغناء العربي. وللموسيقا الشعبية فرقها وأوصى المؤتمر في هذا المجال بضرورة عدم التوجه دائماً إلى الغناء الجماعي بل يجب أيضا الاهتمام بالغناء الإفرادي التقليدي الذي يتطلب الصوت الجميل.

كل هذه التوصيات تضعنا أمام ضرورة  إيجاد مؤسسات موسيقية فنحن بحاجة إلى مؤسسات تقوم بعملية مسح شامل لكل عناصر الموسيقا العربية سواء كانت الآلات أو الإيقاعات واللهجات المقامية المختلفة، والقوالب الموسيقية ومختلف المؤلفات الموسيقية القديمة وليس المسح فقط بل المسح والتحقيق كذلك يجب أن يكون لدينا مؤسسات معنية بنشر التراث التقليدي من خلال تكوين الفرق كما ذكرت ومؤسسات معنية بصناعة الآلات الموسيقية وتطويرها وإبداع الجديد منها.

أيضاً يجب إنشاء معهد للبحوث الموسيقية العربية يهتم بفيزياء الموسيقا فمشاكل الموسيقا العربية كبيرة جداً وليس هناك من يبحث فيها. باستثناء مصر التي يوجد فيها معهد عالي للموسيقا العربية ومعهد كلية التربية الموسيقية وبالتالي هناك باحثين وقسم كبير من توصيات المؤتمر ركزت على ضرورة  إيجاد مركز أبحاث للموسيقا العربية.

ونحن بحاجة إلى مؤسسات إعلامية موسيقية لقد نصت إحدى التوصيات على تقديم برا مج تلفزيونية موسيقية موجهة لطلاب المدارس وللجمهور وهي برامج تثقيفية لتنمية التذوق والتحليل الموسيقي وتم تكليف أعضاء اللجنة العليا للمؤتمر بمتابعة التنفيذ في مختلف البلدان العربية.

  • نحن في سورية.. كيف يمكننا ترجمة هذا. التوصيات؟

– أعتقد أننا في سورية معنيون أكثر من غيرنا بهذه التوصيات لماذا؟ لأن بلاد الشام وسورية خاصة كانت الموقع الذي احتوى غناء العرب خاصة في ما يسمى بعصور الانحطاط وبعد خروج العرب من الأندلس وقبل النهضة الموسيقية الحديثة فحافظنا على التراث الموسيقي الفنائي وطورناه لأكثر من ستمائة عام وكل الوطن العربي يعرف أهمية سورية في الحفاظ على التراث الموسيقي الغنائي لقرون عديدة  ويجب ألا نعتمد على الجهود الفردية التي لا تزال تحقق لسورية مكانة ما بل يجب الاتجاه نحو المؤسسات التي تعنى بالموسيقا لا يكفي وجود شخص يقدم برنامج في التلفزيون للتذوق

الموسيقي وإنشاء فرق كورالية في مختلف المدن السورية من قبل الهواة ولا تكفي برامج موسيقية يقدمها أساتذة بجهود فردية والتلفزيون مشكور لأنه  يفسح المجال لتقديم ما يعرض عليه في مجال الموسيقا الجادة لكن كل هذا لا يكفي يجب أن تكون لدينا مؤسسات موسيقية لرعاية الفرق التقليدية وإنشائها. ومؤسسات خاصة بالبحوث الموسيقية والتراث الموسيقي. ومؤسسات لصناعة الآلات الموسيقية وتعليم الموسيقا العربية يجب  ألا نكتفي بوجود معهد عال واحد للموسيقا يكون للموسيقا العربية قسم فيه نحن بحاجة إلى معهد عال للموسيقا العربية حتى لا تكون موسيقانا على الهامش.

وكلي أمل في أن وزارة الثقافة التي ترعى مختلف الفنون. وقد حققت لها مؤسسات مختلفة أن تولي الموسيقا العربية نفس الاهتمام. ونحن لا ننشىء هذه المؤسسات من أجل المؤتمر فقط. وإنما حفاظاً على مكانة سورية الموسيقية الكبيرة جداً.

أعتقد أن مستقبل الموسيقا العربية الآن في نقطة توازن قلق وهذا المؤتمر جاء صيحة نجدة، وعندما أتكلم عن موضوع المؤسسات لا أعني سورية فقط. هناك العديد من الدول العربية التي تفتقد مثل هذه المؤسسات.

  • وماذا عن مهرجان الموسيقا الذي رافق المؤتمر ؟

** اشتركت في مهرجان الموسيقا العربية المرافق للمؤتمر عدة دول عربية وأجنبية بفرق موسيقية وغنائية فشاهدنا فرقة موسيقية من إسبانيا قدمت الآلات الموسيقية التقليدية التي كانت في الأندلس. وشاهدنا منها آلة الكمان الأندلسية القديمة التي منها استقى الغرب آلة الكمان الحالية. ورأينا كيف كان يعزف عليها. عزف عليها العازفون الاسبان وبينوا لنا نقطة هامة وهي دور العرب في الموسيقا الغربية. وهو دور كبير. لأن الآلات التي شاهدناها هي نفس الآلات التي أضحت فيما بعد آلات موسيقية غربية. وهنا أطرح سؤالاً..

هل تنتقل آلات  الموسيقا دون أن تنتقل الموسيقا نفسها.ولا شك أن الموسيقا العربية كانت عنصراً هاماً من عوامل تطوير الموسيقا الغربية.

لكن الموسيقا الغربية أخذت بعد ذلك اتجاهاً آخر عندما ألغت الأبعاد الصوتية الدقيقة واكتفت بالسلم المعدل .

شاهدنا أيضاً فرقة من ليبيا (فرقة الشروق)وهي فرقة جيدة قدمت عرضاً جميلاً واستمعنا إلى فرقة الرشيدية من تونس وعرضها نوقش كثيراً . إذ لم يكن بالمستوى المأمول. وضم برنامجها فقرات من المالون التونسي والموسيقا العربية الأخرى.وقدمت عازفة على العود في الفرقة ارتجالات جميلة جداً لكن مستوى الغناء الإفرادي كان ضعيفاً.

ومن  السعودية شاركت فرقة تخت شرقي قدمت مختارات من الموسيقا في السعودية وكانت مختارات جميلة. وهناك فرقة جامعة اليرموك من الأردن  وقدمت عرضاً لم يكن بالمستوى المطلوب باسثناء بعض الأعمال الأردنية عندما قدمت أعمالاً مصرية لم يكن مستواها جيداً.

ومن سورية استمعنا إلى فرقة المعهد بقيادة الأستاذ عدنان إيلوش. وقدمت الفرقة مؤلفات له. أداء الفرقة كان مقبولاً. لكن ألحان الأستاذ إيلوش لاقت نجاحاً جيداً. لأنه قدم مقطوعات فيها تطور للقوالب التراثية فانطلق من القوالب التقليدية ثم طورها. وفي المعزوفة الأخيرة شيء من التعبير الموسيقي وقدمت الفرقة حفلاً خاصاً في مدينة الزقازيق.

ومن  مصر شاركت  عدة فرق منها فرقة الموسيقا العربية المحتفى بها، وفرقة أم كلثوم للموسيقا العربية والفرقة القومية للموسيقا العربية وهي فرقة معنية بتقديم التراث العربي وقدمت صوتاً سورياً جميلاً هو صوت المطربة ربا الجمال التغنت طقطوقة افرح يا قلبي من ألحان رياض السنباطي ونالت إعجاب الحاضرين بأدائها. واستمعنا إلى الفنان التونسي لطفي بوشناق مع فرقة موسيقية مصغرة.وفعلاً نال إعجاب الحاضرين بأدائه الارتجالي الشبيه بالارتجال القديم في الموسيقا العربية.

وكان هناك حفل خاص بالعزف الافرادي على الآلات التقليدية حيث شارك عازف واحد لكل آلة هو في تقدير اللجنة التحضيرية أفضل عازف في الوطن العربي . والمشاركين هم محمود عفت من مصر على الناي ،والدكتور حسين صابر من مصر على العود، والأستاذ حسين بيكار على البزق من مصر أيضاً ، ومحمد حسن على الكمان مصري أيضاً.وكنت أنا الوحيد من خارج مصر وشاركت بحفل على آلة القانون.

Bookmark the permalink.

Comments are closed.