في ذكرى رحيل كبير وشّاحي عمر البطش : ولماذا لا نحتفي مع صباح فخري وزملائه من طلاب عمر البطش بإحيائه رقص السماح ، حيث يتكامل التعبير عن فن الأرابيسك في تزامن الحركة مع السمع والبصر ، و بنقله من عالم التصوف إلى عالم الموسيقى؟

شعار كتاب الأغاني الثاني

في مثل هذا اليوم، الحادي عشر من شهر كانون الأول / ديسمبر  عام 1950 ، رحل عن دنيانا كبير وشّاحي الشام عمر البطش.
و قد يحار المرء في اختيار المحور الذي يحتفي به في مسيرة هذا الفنان الكبير ..! في النهاية رأيت أن أركز على إحيائه لرقص السماح ،  حيث يتكامل التعبير عن فن الأرابيسك في تزامن الحركة مع السمع والبصر في عالم الموشحات!

مقدمة حول رقص السماح

يؤكد المؤرخون أن أول من أسس رقص السماح ،  لمرافقة غناء الموشحات ، في سياق طقوس التصوف ،  كان الشيخ العارف بالله محمد عقيل المنبجي ، المولود عام 1058 للميلاد ، وهو من أبناء مدينة منبج ، التابعة لمحافظة حلب، في زمن توازى على الغالب مع دخول الحركة لمرافقة الموسيقى والغناء في طقوس التصوف. سمي هذا النوع من الرقص : رقص السماح ،  لأن على الراقصين أن يطلبوا السماح من الشيخ ، قبل البدء بالغناء والرقص.

تناقل الحلبيون هذا الأسلوب من الحركة المرافقة لغناء الموشحات ، في إطار طقوس التصوف ، و كذلك في مرافقة غناء الموشحات في المناسبات الاجتماعية ، على مدى قرون عديدة ، وصولاً إلى القرن العشرين ،  ولكنها كانت حركة رتيبة تعنى بالتوافق التام بين إيقاع الموشح وإيقاع الحركة.

عندما دخل عمر البطش عالم تلحين الموشحات ، ودرس هذا الأسلوب الرتيب في مرافقة أداء الموشحات بحركة الجسد على يد الشيخ أحمد عقيل ، توجه إلى تطوير  ذلك الأسلوب فأسبغ عليه صورة براقة زاهية حافلة بالتحولات الإيقاعية مع تغير الإيقاع في ألحان الموشحات المسماة بالنقش ، وبالتشكيلات الجماعية لحركة الراقصين التي لو نظرنا إليها من الأعلى لوجدناها تشكيلات هندسية لا تختلف عن أساليب التعبير بالموسيقى عن الأرابيسك ، التي شرحتها في شرحي للعلاقة بين السمع والبصر في إطار برنامجي التلفزيوني ” نهج الأغاني ” والتي أضيف عليها الآن تعبير ”  العلاقة بين الحركة و السمع والبصر في عالم الموشحات للتعبير عن الأرابيسك”.

في عام 1947 ، نقل الشيخ عمر رقص السماح في شكله  إلى دمشق ، عندما استقدمه الزعيم الوطني فخري البارودي لتدريس الموشحات في المعهد الموسيقي  ، حيث تم اعتماد تدريس هذا الأسلوب في الرقص ، في مناهج التدريس في المعهد ، ثم نقله إلى مدرسة دوحة الأدب للبنات ، برغبة من الزعيم البارودي ، فقام بتعليم طالبات المدرسة هذا الأسلوب ، وابتكر من أجل ذلك تشكيلات جديدة.

قُدم هذا الأسلوب في الرقص من قبل طالبات المدرسة ، لأول مرة على المسرح ،  بعد أن كان التقديم مقتصراً على الرجال ، في الحفل السنوي للمدرسة ، في نهاية الأربعينات ، ثم تحول مشهد رقص السماح ، ليكون مكوناً أساسياً من مكونات الحفل السنوي للمدرسة ، على مدى عقود.

لاحقاً ، قدمت فرقة أمية هذا الأسلوب من الرقص ، في أداء مشترك من الشباب والفتيات ، بإدارة الأستاذ بهجت حسان و الأستاذ عمر العقاد ، وهما من تلاميذ عمر البطش ،  كما قدمته فريدة فهمي في مصر ، في مرافقة للموشحات التي لحنها فؤاد عبد المجيد ، استناداً إلى الأسلوب الذي ابتدعه عمر البطش،  و طوره طلابه ، قبل أن يغيب رقص السماح عن المشهد الفني العام ، مثلما حصل لغيره من عناصر تراثنا الموسيقي والغنائي ، بعد أن سيطرت عناصر مستوردة نقلدها ، فلا نحسن تقليدها!

صباح فخري وزملاؤه يجسدون رقص السماح كما تعلموه من أستاذهم الشيخ عمر البطش!

في نهاية الثمانينات من القرن الماضي ، خصصت إحدى حلقات برنامجي ” العرب والموسيقى ” ، لاستعراض حياة وفن الشيخ عمر البطش ، كبير وشاحي سورية ،  بمشاركة ثلة من الفنانين الذين درسوا على يديه.

أنشر اليوم هذا المشهد المقتطف من تلك الحلقة ، حيث ركزتُ مع ضيوفها ، على دور الشيخ عمر البطش في تطوير رقص السماح  وتعليمه ، كما تم التأكيد  على أهمية هذا الرقص ، المعتمد على التجسيد الحركي للإيقاع ، في تعميق علاقة الراقص والمغني بالإيقاع ، من خلال التزامن بين حركة الجسد ، والنبض الإيقاعي في لحن الموشح ، والأداء الصوتي ، وعلى ضرورة إحياء هذا الفن و تطويره ، في ظل الآفاق الكبيرة التي يطلقها التنوع الكبير للإيقاعات في عالم الموشحات.

يبدأ المشهد بشهادة من الأستاذ صباح فخري في أستاذه عمر البطش وخاصة في مجال رقص السماح كما تضمن المشهد أمثلة عملية ، توضح أسس رقص السماح و التطوير الذي دخل عليه.

شارك في الحلقة حسب ترتيب الجلوس من اليمين إلى اليسار : الأستاذ صباح فخري – الأستاذ زهير منيني – الأستاذ عبد القادر حجار – الأستاذ عدنان منيني – الأستاذ حسن بصال – الأستاذ عمر عقاد.


أسلوب رقص السماح المطوَّر في مرافقته لموشح بدت من الخدر

أنشر هنا أيضاً موشح بدت من الخدر،  أداء الأستاذ صباح فخري ،  المرافق برقص السماح ، حيث يمكن تصور التشكيلات الهندسية التي اقتربت من تجسيد الأرابيسك بالحركة ، لو توفر في ذلك الزمان إمكانية تصوير المشهد من الأعلى ، وكان المجال الحركي أوسع و يسمح بتبيان تلك التشكيلات الهندسية!


د.  سعد الله آغا القلعة

Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading