مائة عام على نهاية حرب عالمية أولى ، وعلى انطلاق نهضة موسيقية عربية ، لم تستمر ، ولم يؤرخ لها!

شعار كتاب الأغاني الثاني

عبد الوهاب مع الفرقة الموسيقية في تسجيل أسطوانة لبيضافون

يحتفل العالم اليوم ، بمرور مائة عام على نهاية الحرب العالمية الأولى ، فيما لم يحتفل أحد ، بمرور مائة عام على انطلاق النهضة التي عاشتها الموسيقى العربية في القرن العشرين ، والتي ولدت مع تلك النهاية!
في العصور الوسيطة ، كان التطور في الموسيقى العربية سكونياً ، وكانت تلك الموسيقى تدور في فلك واحد ، ثم تغير الواقع ، مع نهاية الحرب العالمية الأولى ، إذ شاعت مشاعر قومية نهضوية ، في أرض باتت خصبة ، فتقاطر إليها المبدعون ، و وفدت إليها تقنيات حديثة ، حملت معها تأثيرات متعددة ، حرضت في أهلها وضيوفها ، إبداعات جديدة ، وأنتجت تطوراً ، سرعان مابات يومياً ، على مدى خمسين عاماً ، لتخذله في عز توهجه ، أيام أليمة ، أرخت لنكسة لم يقم العرب منها حتى الآن ، فيتلاشى أثره .. مع الوقت!
كالعادة .. وكما في كل العصور ، لم يؤرخ العرب لأي نهضة عاشتها موسيقاهم! فهل هذا ممكن .. الآن؟

استوقفني تعليق ورد من الأستاذ جمال سامي عواد على نشرتي البارحة إذ قال : إذا اعتبرنا أن النهضة الموسيقية محددة التاريخ بهذه الدقة ، فيجب أن تتزامن وتتكاثف مظاهر هذه النهضة في ذلك التاريخ، فهل يمكننا أن نعرف مظاهر النهضة التي تجمعت في تلك الحقبة ، ولم تكن موجودة قبلها أو بعدها؟ وهل يمكن اعتبار أن عصر النهضة يشمل كل الفنانين من سيد درويش مثلا وصولا إلى آخر العمالقة؟(وردة وبليغ حمدي على سبيل المثال)، وهل بهذا تكون مدة النهضة الموسيقية 50 سنة فقط؟
أجبته حينها :
لم تولد النهضة في يوم واحد ، بل كانت هناك إرهاصات لها ، على مدى عشرات من السنين، ولم تذب في ليلة واحدة ، بل كانت لها امتدادات ، على مدى عشرات تالية من السنين ، فيما هي تذوي.. ولكن المدة التي شهدت زخم النهضة ، هي تلك السنوات الخمسون. أنا أعمل على كشف مكامن الإبداع التي أنتجتها تلك النهضة، منذ عشرات من السنين ، ولم أنجز إلا النذر اليسير!
وقد رأيت أن أوضح إجابتي فأقول ، في هذا السياق ، بأن نهايات القرن التاسع عشر ، وبدايات القرن العشرين ، شهدت إرهاصات النهضة الموسيقية ، التي انطلقت فعلاً بعيد الحرب العالمية الأولى. لم يكن التطور دائماً متوازياً في جميع المسارات ، ففيما شهدت ألحان نهايات القرن التاسع عشر تطوراً ملحوظاً في صيغ التلحين ، و تنويع المقامات والإيقاعات الموسيقية ، وارتفاع سوية النص ، فإننا نجد أن التعبير عن المعاني مثلاً لم يظهر بوضوح ، إلا بعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى ، ومع ذلك ، فقد كانت هناك إرهاصات في أعمال الملحنين السابقين لتلك الفترة ، للتعبير عن المعاني ، بقيت خفية ، إلى أن جاءت فرصتها لاحقاً لتظهر!
لشرح ما أرمي إليه ، أتوقف اليوم وغداً ، عند ملمح من ملامح الإرهاصات التي مهدت للنهضة ، في نهايات القرن التاسع عشر ، جاء في عمل للملحن الكبير محمد عثمان ، وهو دور ” قد ما حبك زعلان منك ” فأنشر في نشرتين متتاليتين ، قراءتين لهذا الدور ، إحداهما وفق المدرسة القديمة بصوت صالح عبد الحي ، وثانيتهما وفق المدرسة الحديثة ، بصوت أنغام!

د. سعد الله آغا القلعة

Bookmark the permalink.

Comments are closed.