موشح ملا الكاسات بصوت سعاد محمد : هل بنى محمد عثمان لحنه لكي يؤديه الرجال فقط؟

شعار كتاب الأغاني الثاني

أقدم اليوم عرضاً مقارناً ، من حيث اتساع المساحة الصوتية ، بين نسخة محمد خيري لموشح ملا الكاسات ، من نظم الشيخ أحمد عاشور ، وألحان محمد عثمان ، التي عرضت لها في نشرة سابقة ، و نسخة السيدة سعاد محمد.


كنت قد بينت في نشرتي السابقة أن هذا الموشح يتميز باتساع مساحته اللحنية ، التي تمتد على 15 درجة صوتية ، من درجة اللا قرار إلى اللا بيمول جواب ، التي على المطرب أن يؤديها ، و أن محمد خيري أدى الموشح بمساحته الصوتية الكاملة ، ولم يترك الأصوات العريضة لتؤديها المجموعة ، كما يدرج عليه كثير من المطربين ، لتفادي هذه المساحة الواسعة . ولكنني لم أذكر في النشرة السابقة ، أن المشاهد من الموشح ، المخصصة للمجموعة ، تمتد على مساحة صوتية واسعة أيضاً ، تصل إلى 13 درجة صوتية ، وهي إن كانت مساحة واسعة لا تتوفر دائماً عند المطربين ، ، فإنها مساحة صعبة للمؤدين ضمن مجموعة الكورس! سنجد أن هذا العنصر كان يطرح دائماً مشكلة كبيرة ، عندما تنوي مطربة أن تؤدي هذا الموشح مع مجموعة الكورس، لضرورة أن تؤدي الموشح ، ضمن الطبقة الموسيقية الممكنة للكورس ، وليس الطبقة الموسيقية الملائمة لها ، وهو ماجعل السيدة سعاد محمد ، تؤدي نسختها في مساحة صوتية أضيق ، لم تتجاوز عشر درجات صوتية ، ما أفقد صوتها ملامح من بريقه المعهود! سنرى بالتالي أن السبب ليس في إمكانات صوت السيدة سعاد محمد ، وإنما في إمكانات مجموعة الكورس! يستوجب إيضاح هذه الفكرة ، أن أعرِّج قليلاً على موضوع المساحة الصوتية بين الرجال والنساء.

المساحة الصوتية بين الرجال والنساء
يتماثل عدد الأصوات السليمة وسطياً بين الرجال والنساء ، ولكنها تختلف عند الرجال عنها عند النساء ، من حيث تموضعها على المساحة الصوتية الإجمالية ، وحدَّتها ، وذلك مثلما تختلف حدة الأصوات الصادرة عن آلة الكمان الجهير ( الفيولنسل أو التشيللو) ، عن الأصوات الصادرة عن آلة الكمان ؛ فالثانية تصدر أصواتاً أكثر حدة ، ولذلك نفترض أن آلة الكمان الجهير تعبِّر عن صوت الرجل ، وآلة الكمان عن صوت المرأة.
طبعاً لا تأثير ينجم عن هذا الواقع ، عندما تغني المطربة ، أو يغني المطرب ، الأغنية ذاتها بشكل منفرد ، حيث يكون الفرق الوحيد هو طبقة الغناء التي تصبح أحدَّ أو أعلى، وهذا واقع متداول عند الموسيقيين المرافقين ، حيث يتم تطبيق حركة انزلاقية تحافظ على الأبعاد الصوتية ذاتها ، ولكن المشكلة تُطرح ، في حالة مشاركة الكورس من الرجال ، مع المطربة ، في الأداء ، إذ أن تحريك الطبقة الموسيقية لتلائم صوت المطربة ، يتطلب تطبيق الحركة الانزلاقية ذاتها ، ما يؤثر على قدرات مجموعة الكورس من الرجال ، خاصة أن مقدار التحريك يصل عموماً إلى 4 درجات صوتية وسطياً. يطرح موشح ملا الكاسات هذه المشكلة في حالتها القصوى!

تحريك الطبقة الموسيقية غير ممكن
كنا رأينا في النشرة السابقة ، أن محمد خيري ، نفذ الموشح في موقعه الأصلي ، أي على مقام الراست ، في موقع استقراره الأساسي على درجة الدو ، وهو الموقع الملائم لتنفيذ الموشح بالنسبة للرجال ، وبالتالي فإن أداء السيدة سعاد محمد له ، كان يتطلب تحريك الطبقة الموسيقية بحدود 4 درجات صوتية ، لتتلاءم مع طبقة صوتها، ولكن هذا لم يحدث! إذ جاءت نسخة سعاد محمد على الطبقة الموسيقية ذاتها ، التي قدم عليها محمد خيري نسخته ، أي على مقام الراست ، واستقراره على درجة الدو ، وهذه سابقة لم ألحظها عند أحد سابقاً. يعود السبب إلى واقع أن المساحة الصوتية لمشاهد الكورس ، والبالغة 13 صوتاً موسيقياً ، ، هي في حدود إمكانات الكورس المشكل من الرجال ، و بالتالي لا يمكن تحريكها ، فأي تحريك باتجاه طبقة أخفض ، سيجعل الكورس لا يستطيع أداء الأصوات العريضة ، التي أصبحت أخفض ، وأي تحريك نحو طبقة موسيقية أكثر حدة ، سيجعله غير قادر على أداء الأصوات الواقعة في منطقة الأصوات الحادة. نتج عن هذا أن على أي مطربة ستؤدي هذا الموشح ، أن تتلاءم مع هذا الواقع ، فتؤدي الموشح في الطبقة ، التي يستطيع الكورس أداءها! ما تسبب في ضغط اللحن المخصص للسيدة سعاد محمد ، ليؤدى في حدود عشر درجات صوتية فقط ، وهو ما خفف بالضرورة من بريق صوتها الساحر!

التسجيل
لنتتبع التسجيل . نلاحظ أن المجموعة تؤدي لحن الخانة عند : مُليمي لا تسل عني ، في الطبقات الحادة أولاً ، وعند حدود إمكاناتها في الطبقات الحادة ، وذلك عند الدقيقة 1:41 من التسجيل ، لتدخل سعاد محمد في الطبقة ذاتها ، التي تعتبر متوسطة لصوت النساء ، وذلك عند الدقيقة 2:00 من التسجيل ، ما خفف من بريق المشهد ، الذي يفترض به إبراز بريق صوت المطرب أو المطربة ، نسبة للمجموعة ، لتكرر المجموعة نفس المقطع بعدها ، ولكن في طبقة منخفضة ، عند الدقيقة 2:27 ، للإسهام في تشكيل بريق ما لصوت سعاد محمد . ولما كانت هذه الطبقة متوسطة عموماً بالنسبة لسعاد ، فقد جاء مقطع الصبا ، وهو اللحن الأكثر بريقاً في الموشح ، و الذي كان عند محمد خيري لامعاً تماماً ، حيث وصل فيه محمد خيري إلى اللا بيمول ، وهي درجة عالية للرجال ، خافتَ البريق هنا ، لأنه أتى في منطقة متوسطة بالنسبة لصوت سعاد ، إذ أن سعاد أدته في نفس الطبقة الصوتية لمحمد خيري ، وهذا أمر عجيب تماماً ، وإذا تابعنا قليلاً ، فإننا نجد أن الآهات ، في الدقيقة 3:22 فقدت لمعانها تماماً ، وللتعويض جاءت الآهات في الدقيقة 4:00 لامعة نسبياً ، وهي آهات مستحدثة وليست من أصل اللحن ، لتعود المجموعة في الدقيقة 4:37 لتكرر لحن الخانة ، في منطقة الأصوات الحادة ، وهي المنطقة التي حُرم صوت سعاد منها ، نتيجة اضطرارها للغناء ضمن المساحة الصوتية للكورس!

وقد يُطرح سؤال : ألا يمكن أن يكون السبب في إمكانات سعاد محمد ؟ والجواب واضح ، ويمكن تدقيقه من خلال ما نُشر على هذا الموقع للسيدة سعاد محمد ، التي أدت أغنية : وا جريحاه ، المنشورة على هذا الموقع  ، والتي تمتد مساحتها الصوتية على 13 درجة صوتية ، وكان صوتها فيها لامعاً تماماً ، كما كان في أدائها لدور أنا هويته لسيد درويش ، المنشور أيضاً على الموقع أيضاً ، الذي يتطلب أداؤه 12 درجة صوتية، وفي اعتقادي أن سعاد محمد كانت قادرة على أداء الموشح بسهولة ، لو أمكن تجاوز المشكلة التي يطرحها وجود الكورس المشكل من الرجال ، والاكتفاء مثلاً بمجموعة مرافقة من الكورس النسائي!
كنت قد رأيت أن أكتفي بهذا العرض المقارن ، ولكنني رأيت أن أتابع ، في عرض نسخ أخرى للموشح ، بأصوات نسائية أخرى ، لفحص الحلول التي سعت لتجاوز هذه المشكلة ، والتي كانت على العموم ، حلولاً توفيقية!
فهل بنى محمد عثمان لحنه لموشحه الشهير ملا الكاسات ، لكي يكون أداؤه محصوراً بالرجال؟

تجدر الإشارة أنه تم استبعاد التغني بكلمة أمان في التسجيل ليحل محلها الآهات .

نص الموشح
دور أول: تؤديه المجموعة
ملا الكاسات وسقاني نحيل الخصر والقد
دور ثانٍ يؤديه : المطربة
حياة الروح في لحظه سباني لحظه الهندي
الخانة: تناوب بين المطربة والمجموعة
مُليمي لاتسل عني ودعني على عهدي

د. سعد الله آغا القلعة

Bookmark the permalink.

Comments are closed.