أغنية فين الحبيب بصوت نور الهدى وألحان محمد القصبجي: عندما يحدد الملحن الجو العام للّحن بناء على كلمة!

شعار كتاب الأغاني الثاني

أشرتُ في ختام نشرتي حول أغنية يا معلق لخالد الشيخ ، إلى أنني أرى أن الملحن الجاد ، عندما يستلم النص الذي سيضع له لحناً ، وخاصة إن كان حمّالاً لأوجه متعددة ، فإنه يحاول أن يبحث في ثناياه عن جملة ، أو كلمة ، تشكل ما يدعى الكلمة او الجملة المفتاح ، و تدله على الجو العام للحن. و أنني ، في هذا الإطار ، أعتقد أن كلمة الغواني ، التي أتت في بداية نص أغنية يا معلق : يا معلق بحبل الحب إن كنت ترتاح * للغواني مثالي ، حددت مسار اللحن ، في حيويته ، كما حيوية الغواني ، بينما جاء لحن خالد الشيخ مثلاً ، لقصيدة : عيناكِ ، لنزار قباني ، هادئاً ، بناء على النص المتكرر ، المحدد للجو العام : فأنا لاأملك في الدنيا ، إلا عينيكِ وأحزاني.
تجدر الإشارة أن ملحناً آخر ، كان يمكن أن يختار كلمة أخرى ، ليبني عليها الجو العام للحن ، في حال تعدد أوجه النص.

أتوقف اليوم ، في هذا السياق ، عند أحد ألحان محمد القصبجي ، و هو أغنية : فين الحبيب ، من كلمات مأمون الشناوي ، و أداء نور الهدى، و التي أتت في سياق فيلم مجد ودموع ، من أعمال عام 1946.

لنستعرض النص : 
المذهب:
فين الحبيب اللي أتمناه * مش لاقي قلبي حبيب يهواه
فين الحبيب
***
الغصن الأول:
ماليش حبيب يخلص ليَّ * و يكون صحيح قلبه عليَّ
يسمع شكوايَ ولاقيه ويايَ
يسمع شكوايَ من قبل ما أشكي إليه * ولاقيه ويايَ من غير مانادي عليه
*
مع كل نسمة يبعت سلامه * وبكل كلمة ألمح غرامه
يا هل ترى يا زماني ح نول * وللا ح أعيش العمر أقول
فين الحبيب
***
الغصن الثاني:
حبيبي فين أنا مش لاقياه * حبيبي مين أنا مش عارفاه
عايشة وحيدة من غير سمير * هايمة شريدة من غير نصير
*
في الدنيا دي مش لاقية ليَّ * إلا عينيَّ تبكي عليَّ
يا هل ترى يازماني ح نول * وللا ح أعيش العمر أقول
فين الحبيب

الكلمة المفتاح
أعتقد بأن القصبجي ، حدد من البداية ، أن الجو العام في النص ، يسيطر عليه التلهف بحثاً عن حبيب : فين الحبيب ، ولذا فقد جاء لحنه ، كما سنتابع من تسجيل الأغنية المرفق ، ومن بداية المقدمة الموسيقية ، آسراً بحيويته المعبرة عن اللهفة ، كما جاءت المشاهد المغناة ، مبنية على جمل لحنية عابقة بالعاطفة والتلهف ، لتقدم الأغنية جرعة عاطفية كثيفة ، في أقل من أربعة دقائق.

أتى اللحن على مقام النهاوند ، وبدا دور الفرقة الموسيقية واضحاً ، في ملاحقة المشاهد المغناة ، في جرعة موسيقية طاغية ، دون ترك أي مساحة ساكنة ، وذلك لتحقيق المزيد من الشعور باللهفة الآسرة ، كما أتى تكرار كلمة فين ، معبراً أيضاً ، عن اللهفة ، خاصة مع مرورٍ في لحنها ، على مقام النوا أثر ، عبوراً ، ثم العودة سريعاً إلى مقام النهاوند ، في تعبير عن أن الوصول إلى حبيب ، غير مؤكد .

القالب : 
بنى القصبجي لحنه على قالب الطقطوقة ، الملائم للألحان الحيوية ، مع تنويع واضح في أشكال التكرار فيه ، سواء بتكرار اللحن والنص معاً ، أو بتكرار لحنٍ على نص متغير.
بدأ اللحن بمقدمة موسيقية حيوية كما أسلفت ، ليبدأ الغناء مع المذهب ، الذي ينتهي بجملة فين الحبيب ، المتكررة لاحقاً.
تشكلت الأغنية بعد أداء المذهب من غصنين ، جاء كلٌ منهما في جزأين :
يبدأ الغصن الأول في جزئه الأول عند : ما ليش حبيب يخلص ليَّ ، وهو لحن جديد على مقام البيات ، ليتابع مع الجزء الثاني ، على مقام الحجاز عند : مع كل نسمة يبعت سلامه ، ويختتم الجزء الثاني بجملة فين الحبيب بلحنها المتكرر.
يبدأ الغصن الثاني الذي جاء أيضاً في جزأين ، بلحن جديد أيضاً ، عند : حبيبي فين أنا مش لاقياه ، على مقام العجم ، مع امتدادات لحنية عند مش لاقياه ، ومش عارفاه ، للتعبير عن الحيرة والترقب ، ويتابع على مقام الزنجران ، عند : عايشة وحيدة من غير سمير ، ليأتي الجزء الثاني من هذا الغصن عند : في الدنيا ديَّ مش لاقية ليَّ ، على مقام الحجاز ، وبلحن متكرر ، هو ذاته لحن الجزء الثاني من الغصن الأول ، منتهياً أيضاً بلحن فين الحبيب المتكرر .

تجدر الإشارة ، إلى أن نور الهدى ، أدت الأغنية باقتدار واضح ، واستطاعت تلوين أدائها التعبيري عن المعاني ، حتى على مستوى الكلمة الواحدة ، كما استطاعت تنفيذ القفلات ، بتعرجاتها اللازمة ، بدقة ، عند اختتام المذهب و الأغصان ، في جملة فين الحبيب.

د. سعد الله آغا القلعة

Bookmark the permalink.

Comments are closed.