موشح قلتُ لما غاب عني : كثافة التعبير عن التضاد بين آلام انحسار البصر وآمال استمرار التطوير في ختامات الحياة!

شعار كتاب الأغاني الثاني

في إحدى حلقات برنامج العرب والموسيقى ، الذي كنت أقدمه في الثمانينات ، على شاشة التلفزيون العربي السوري ، وكانت عن الوشاح السوري الكبير الشيخ عمر البطش ، استضفت باقة من طلابه ، وكانوا حسب ترتيب الجلوس من يمين الشاشة: الأساتذة صباح فخري و زهير منيني وعبد القادر حجار وعدنان منيني و حسن بصال وعمر عقاد .

في ختام الحلقة توقفتُ عند موشحٍ يُعد من أهم مالحن الوشاح الكبير ، وهو موشح : قلتُ لما غاب عني ، على مقام النهاوند ، وكان قد كتب كلماته ، للتعبير عن مصاب ألمَّ به ، في ختامات حياته ، إذ أصيب برمد شديد كاد أن يذهب ببصره ، ثم لحَّن الموشح ، ناقشاً اللحن على ثلاثة أوزان ، وهي : النواخت 4/7 و السربند 4/3 و الدور الهندي 8/7 . تميز الموشح ، رغم صعوبة المرحلة التي وُلد فيها ، بتنويع الإيقاعات ، و بتطوير الخانة ، لكي تفسح في المجال للمطرب ، لإبراز قدراته الصوتية ، في ارتجالات تعتمد على مدى خبرته في عالم المقامات الموسيقية والتطريب.
يمكن التوقف عند بعض ملامح التعبير ، في تخافض اللحن مراراً للتعبير عن الحسرة في الدورين الأول والثاني ( حسبما هو مبين على النص أدناه ) ، وذلك عند : لما غاب عني في بداية اللحن ، وكذلك عند كلمة سقمٌ ، وعند كلمة المنون ، و كلمة نحيبي، أما تسريع الإيقاع فقد أتى عند : هام قلبي زاد وجدي على إيقاع السربند للتعبير عن الهيام والوجد ونبض القلب .
هناك بعد تعبيري أيضاً ، في الدخول في الإيقاع الثالث المركب وهو الدور الهندي ، عند جملة يا قمر داري العيون ، فقد أتى ذلك للتأكيد أولاً على المعنى، في الأمل بأن تعود عيناه إلى سابق عهدهما، و لإبراز بعض الشك في تحقق ذلك ، لأنه أتى إيقاعاً مركباً بعد إيقاع السربند الثلاثي السلس!
وهكذا فقد استطاع الشيخ عمر البطش أن يعبر عن الحسرة وعن الوجد والأمل في إطار مكثف من التطريب المبدع!

يشار أيضاً إلى تضمين لحن هذا الموشح لأسلوب الهنك المعمول به في قالب الدور من حيث تكرار المجموعة جملة لحنهية فيما ينفرد المطرب في ارتجالات آنية يستعرض فيها قدراته الصوتية وتمرسه في التلوين والارتجال.

كلمات الموشح
الوزن الأول : نواخت
الدور الأول
قلت لمّـا غـابَ عنّي نورُ مرآكَ المصـونْ
شفّنـي واللهِ سُقـمٌ فيهِ قدْ ذُقتُ المنـونْ
الدور الثاني
وعيوني مـن نحيبي جارياتٌ كالعُيونْ
وجفوني مـا كفـاها ما جرى حتى جفـونْ
الوزن الثاني : السربند – خانة أولى
هـامَ قلبي زاد وجـدي فمتى وصلكْ يكـونْ
غاب عن عيني ضيـاها ياقمر داري العيونْ
الوزن الثالث: الدور الهندي – خانة ثانية
ياقمر داري العيونْ
غاب عن عيني ضيـاها ياقمر داري العيونْ

د. سعد الله آغا القلعة

Bookmark the permalink.

Comments are closed.