يمه القمر ع الباب لفايزة أحمد : إبداعٌ في كثافة التعبير اللحني وجرأةٌ غير مسبوقة في النص!

شعار كتاب الأغاني الثاني

توقفت في نشرة سابقة ، عند بدايات فايزة أحمد المجهولة ، وتتبعت تلك البدايات ، انطلاقاً من إذاعة حلب ، مع أغنيتها : قولولي فين الدوا ، وصولاً إلى أغانيها في إذاعتي دمشق وبغداد ، فالدعوة التي تلقتها من إذاعة القاهرة ، للمشاركة في حفلها ، الذي أقامته في الاسكندرية ، عام 1956 ،  بسعي من ملحني إذاعة دمشق ، الأستاذين محمد محسن ، ورياض البندك ، حيث قدمت فايزة في ذلك الحفل أغنيتين من ألحانهما . استرعت مشاركة فايزة في الحفل انتباه الملحنين قي القاهرة ، وكان أولهم محمد الموجي ، في لحنه ” أنا قلبي إليك ميال ” ، وكذلك انتباه منتجي الأفلام السينمائية ، فكان فيلم : تمر حنة ، الذي عُرض لأول مرة ، في 1 يوليو / تموز 1957 ، وغنت فيه أغنيتها ، التي حققت لها الشهرة العريضة : يامه القمر ع الباب ، من ألحان الموجي ، كما ذكَّرت فيه بأغنية : أنا قلبي إليك ميّال ،  إذ غنتها على أسلوب الموّال ، لدعمها ، في ظل إدراك أهمية السينما المتزايدة ، وقدرتها ، في ذلك الوقت ، على نشر الأغاني ، بشكل يوازي ، أو يتجاوز ، قدرات الإذاعة.

أتوقف اليوم عند مطارح التعبير اللحني ، و الجرأة في النص ، في أغنية : يمه القمر ع الباب ، من ألحان محمد الموجي ، وكلمات مرسي جميل عزيز ،  وخاصة في مشهدها الأول المتكرر : مقدمة موسيقية ، ثم طرح السؤال الذي تدور الأغنية في فلكه .. هناك حبيبٌ وافدٌ ، والسؤال : هل ترفضه أم تقبله! مع إلحاح يعبر عنه اللحن باقتدار.

جاءت الأغنية على مقام الهزام ، وبدأت المقدمة الموسيقية بلحن  تؤديه آلة الناي ، ولو أن الصورة تُظهر آلات نفخية أخرى ، ولكن آلة الناي هي المسيطرة .  يسيطر على اللحن النبض السريع ،  في تعبير عن نبض القلب ، وقد جاء الحبيب ( القمر ) ،  والأصوات المتلاحقة ، في تعبير عن الإلحاح في طرح السؤال ، ليبدأ المشهد الأول ، غنائياً ، في إلحاحٍ مماثل :

يماالقمر عالباب نور قناديله
يما أرد الباب ولا أنادي له
يما.. أما

تأتي أهمية هذا المشهد ، من أن لحنه الأساسي ، يدور أساساً ، في تعبيرٍ مبدعٍ ، حول ثلاثة درجات صوتية فقط ، تغطي خمس جمل لحنية : جملة يمه القمر ع الباب : لحنها على درجتين صوتيتين : مي نصف بيمول وفا ، واللحن يعطي المعلومة للأم ،  فينتهي متخافضاً ،  كما كل جملة لحنية تعطي معلومة حيادية ، جملة :  نوَّر قناديله ،  أتت على ثلاث درجات صوتية : مي نصف بيمول و فا و صول ، منتهية أيضاً بتخافض ،  لأنها تعطي معلومة ، فيما تأتي جملة السؤال : يمه أرد الباب ، على درجتين صوتيتين ، مي نصف بيمول وفا ، ولكنها تنتهي بتصاعد معلق ، يوحي بأن هذه الإجابة ليست الإجابة المأمولة ، ليأتي السؤال التالي : ولّا أناديله ، على درجات صوتية ثلاث : مي نصف بيمول وفا وصول ، متصاعدة أكثر ، مع التأكيد عليها بتكرار كلمة أناديله ، على الدرجات الصوتية ذاتها ، بما يعبر عن التأكيد على أنها تفضل هذه الإجابة ، ليختتم المشهد ، باستقرار اللحن على درجة استقرار مقام الهزام : مي نصف بيمول ، عند : يمه أمه ، وفي هذا التكرار لكلمة يمه تأكيدٌ على جذب انتباه الأم لتجيب عن السؤال!

نتابع فيما يلي الجمل اللحنية الخمسة:

تختتم المشاهد التالية دائماً بتكرار لحن المشهد الأول ،  الذي يصبح أساس شهرة هذه الأغنية ، مع طرح السؤال كل مرة بشكل مختلف : أسقيه ينولنا ثواب ولّا أرد الباب ، لا قدرت أرد جواب ولا أرد الباب ، قومي افتحيله الباب ولّا أنا جيله يمه.. حيث لم يعد السؤال : أناديله .. بل أصبح : ماعدش فيها كسوف ، يمه اعملي معروف ، أنا أجيله .. أي أذهب له!

تمكن الإشارة إلى أسلوب مرسي جميل عزيز ،  في توظيف تشابهات الكلمات عند : نوَّر قناديله ، و أناديله ، ثم أنا جيله  في الختام ،  وإلى أن النص جاء ، في منتصف الخمسينات ، جريئاً ، خارجاً عن المألوف ، إذ  يصور، مرة أخرى ، بعد أغنية : عتاب ،  للسيدة فيروز ،  حيرة فتيات منتصف الخمسينات ، في تعاملها مع المجتمع. في أغنية عتاب كانت الفتاة تنتظر الحل من الحبيب : أن يُقبِلَ ، أو أن تنطوي على نفسها ، وهنا تطور الأمر ، إذ تسأل الفتاة أمها ، بإلحاح ، وتصل في الختام ،  إلى أنها تقترح أن تذهب إليه! فعلاً جرأة غير مسبوقة في أغاني الخمسينات!

ختام الأغنية

من المفيد التوقف عند ختام الأغنية موسيقياً ، وهو ختام غير متداول ، إذ تنتهي الأغنية صعوداً مع درجة موسيقية ( السي ) ، تنفذها الفرقة الموسيقية ، وهي الدرجة الخامسة في سلم مقام الهزام ، والتالية في الأهمية لدرجة استقرار المقام. أنا أرى أنها تعبر هنا ، في صعودها الختامي ،عن توق الابنة للاقتراب من ( القمر ) ، و لما كانت لا تصل في ذلك التوق ( الصعود )  إلى درجة استقرار المقام في الطبقة الحادة ( مي نصف بيمول جواب ) ، فإن ذلك يعود إلى أن الأم لم تعط إجابة نهائية عن أسئلة ابنتها الملحة ، فبقي التوق معلقاً في الهواء.

نص الأغنية

يمّاالقمر عالباب نوَّر قناديله
يمّا أرد الباب ولا أنادي له
يما.. أما

يما القمر سهران مسكين بقى له زمان
عينه على بيتنا باين عليه عطشان
واحد من الجيران  وصف له قلتنا
أسقيه ينولنا ثواب  ولا أرد الباب
يما

ببص م الشباك لمحته جاي هناك
في طلعته الحلوة
نوَّر علي وقال بعينيَّ كم موال
يا ليل
وفي خدي كام غنوة
لا قدرت أرد جواب ولا أرد الباب
يما …أما

يماالقمر عالباب خبط وقال يا أحباب
ردّوا على الخطّاب
ماعدش فيها كسوف يمّا اعملي معروف
قومي افتحي له الباب
ولا أنا اجي له
أنا اجي له
يما.. أما

د. سعد الله آغا القلعة

Bookmark the permalink.

Comments are closed.