عبد السلام سفر عازف الناي المبدع والملحن المقتدر ومطور صناعة الآلات الموسيقية: إثنان و عشرون عاماً على الرحيل

شعار كتاب الأغاني الثانيتمر اليوم الذكرى الثانية والعشرون لرحيل عبد السلام سفر ، العازف والملحن والمطور لصناعة الآلات الموسيقية.  أتوقف أولاً عند المجال الأحب إلى قلبه : الإبداع في عزف الناي ، فأنشر من مكتبتي الموسيقية ، هذا التسجيل النادر على مقام العجم للفنان الراحل عبد السلام سفر ، مع انتقالات نحو مقامي الصبا و النوا أثر  ، برفقة الأستاذ نبيل الخياط على الرق ، و الذي قدمه في سياق الاحتفال بافتتاح مهرجان دمشق الأول للفنون المسرحية عام 1969 ، في رحاب قصر العظم بدمشق ، وأبرز فيه مقدرة نادرة في السرعة.


وفي الواقع لم يكن الأخ والصديق عبد السلام سفر موسيقياً عادياً.. كان مميزاً في مجالات كثيرة .. أولها طبعاً العزف على الناي في أسلوب فريد ، كما تابعنا ، وثانيها تطويره لآلة الناي ، عندما أضاف إليها ثقباً إضافياً ، أعطاهاً أبعاداً جديدة ، في أداء مقاماتٍ موسيقية أكثر ، على آلة الناي الواحدة ، إذ أنه من المعروف أن عازف الناي كان يتنقل ومعه عدة آلات للناي موضوعة في حقيبة خاصة ، يبدل بينها لكي يتمكن من مصاحبة الفرقة الموسيقية ، في تنوع ما تؤديه من مقامات و طبقات موسيقية ، أما ثالثها فكان تصنيعه في أواخر سنوات عمره لآلة العود مع زند جديد ، يسمح للعازف بأداء الأصوات الموسيقية الحادة بشكل أيسر مما هو عليه في الزند التقليدي كما يساعد على ضبط دوزان العود بشكل أكثر ثباتاً ..



وُلد عبد السلام سفر في محافظة اللاذقية السورية في عام 1926 ، التي شهدت ولادة عازفين مبدعين للناي ، لم يصل منهم للشهرة إلا عبد السلام سفر ، إذ أنه انتقل إلى دمشق في منتصف الأربعينات ، ودرس في معـهد الموسيـقى الشرقي ، الذي أسسه الزعيم الوطني فخري البارودي ، وانضم للإذاعة السورية ثم لفرقة أمية التابعة لوزارة الثقافة ، فيما بقي الآخرون في اللاذقية فلم تلفحهم أضواء الشهرة.

أتاحت لي سفراتي المتعددة إلى اللاذقية في فترة الشباب ، لزيارة الباحثين الموسيقيين فيها : الأستاذان محمود العجان و جبرائيل سعادة رحمهما الله ، و كذلك زياراتي لنادي الموسيقى في اللاذقية ، فرصة التعرف إلى عدة عازفين مميزين لآلة الناي ، لا زالت نغماتهم الحالمة والمهيبة عامرة في ذاكرتي ، ناهيك عن أسلوبهم في توليد أصوات لديوانين موسيقيين في آن واحد في ناتج صوتي مزدوج الأصوات يشيع في السامع مهابة لا تنسى .. أما لماذا كانت هذه الوفرة في عازفي الناي في اللاذقية ، فأعتقد أنها تعود إلى وفرة نبات القصب في الشاطئ السوري ، ما سهَّل لهؤلاء المبدعين أن يصنِّعوا بأنفسهم آلات موسيقية بشكل مجاني ، و أن ينطلقوا في فضاء الموسيقى الواسع .. ومنهم وعلى رأسهم الأخ الراحل عبد السلام سفر..
كان عبد السلام سفر إذاً عازفاً و مطوراً لصناعة الآلات الموسيقية ولكنه كان أيضاً ملحناً .. كما سنرى ونسمع! إذ لحن  العديد من التواشيح الدينية كما لحن الشارة الغنائية لبرنامج أسماء الله الحسنى التي أداها الأستاذ صباح فخري والتي شاعت وانتشرت.


توفي عبد السلام سفر رحمه الله في دمشق في  3 تموز / يوليو عام 1999.

د. سعد الله آغا القلعة

Bookmark the permalink.

Comments are closed.