موشح موشح جادك الغيث إذا الغيث همى بصوت صباح فخري وألحان مجدي العقيلي:أبياتٌ لاءمت قالب موشحات حلب التلحيني من نص كتب لدفع تهمة أدت إلى مقتل الشاعر!

شعار كتاب الأغاني الثاني

أقدم اليوم دراستي لموشح ” جادك الغيث إذا الغيث همى ” ، في إطار مشروع ” موسوعة كتاب الأغاني الثاني ” كنموذج للدراسات الخاصة بالموشحات ، سواء من باب حسن اختيار عدد قليل من الأبيات ( أربعة )  من موشح أندلسي وصل عدد أبياته إلى 52 بيتاً ،  بما يكفي لإسباغ طابع ملائم للغناء ، على نص كتب في ظروف مختلفة تماماً ، و لتحقيق قالب لحني محدد ، تم تطويره في حلب، لإدخال الغناء الفردي ، وهو المعمول به في الشرق ، على الغناء الجماعي الذي كان معتمداً في موشحات الأندلس.

لنتابع تسجيل الموشح أولاً بصوت الأستاذ صباح فخري ، وهو من ألحان الأستاذ مجدي العقيلي ، ثم لنتتبع الدراسة ، كنموذج ، أدعو لاعتماده ، عن الدراسات اللازمة للإبحار في عالم الموشحات الثري!


موشح جادك الغيث من الناحية الأدبية والتاريخية
يعتبر موشّح “جادك الغيث إذا الغيث همى ” من أشهر الموشّحات التي احتفظت بها كتب الأدب والتّاريخ ، نظمه لسان الدين بن الخطيب ، معارضاً به موشّح ابن سهل الأندلسي الأشبيلي:

هل درى ظبي الحمى أن قد حمى قلب صب حلَّه عن مكنسِ
فهو في حرٍ وخفقٍ مثلما لعبت ريح الصبا بالقبسِ

مورداً القفل الأول في ذلك الموشح كخرجة لموشحه وممهداً لذلك في البيت الأخير بالإشارة إلى ذلك :

عارَضَتْ لفْظاً ومعْنىً وحُلا قوْلَ مَنْ أنطَقَهُ الحُبُّ فَقالْ
****
هلْ دَرَى ظبْيُ الحِمَى أنْ قد حَمَى قلْبَ صبٍّ حلّهُ عنْ مَكْنِسِ
فهْوَ في خَفْقِ وحَرٍّ مثلَما ريحُ الصَّبا بالقَبَسِ

الشاعر

ولد لسان الدّين بن الخطيب في لوشة بغرناطة عام 1313 م. كان من أشهر الوشّاحين الأندلسيين، ومن أوسع أبناء زمانه علما ومن أشهرهم صيتا. أصبح وزيراً عند أبي الحجّاج يوسف بن إسماعيل سلطان غرناطة ثم عند ابنه محمّد الغنيّ بالله. تألّب عليه الحسّاد فرموه بالكفر والزّندقة إلى أن اعتقل في فاس ومات في السجن عام 1374.

الموشح من الناحية التاريخية

صورت أغلب كتب الأدب هذا الموشح على أنه تذكر الشاعر للأندلس ، وللقاء بينه وبين محبوبته ، التي جافته ، ومساعيه لاسترضائها بل واستعطاف أهلها لإعادة الوصل ، فيما يختلف واقع الأمر عن هذه المعاني تماماً ، لأن من يتتبع حياة الشاعر وتفاصيلها ، يجد أنه اضطر في ختامات حياته للجوء إلى المغرب ، بعد أن قضى فترة طويلة في غرناطة وزيراً ، بعد أن اتهمه أعداؤه فيها بالزندقة والإلحاد ، فأصبحت العودة إلى الأندلس مستحيلة ، وهنا كتب موشحه جادك الغيث ، موجها حديثه الغزلي إلى الأندلس ، مشبهاً حياته هناك كأنها الحلم ، ثم نراه ينتقل إلى التوسل إلى أحبائه أن يعاودوا وصله ، طالباً من أهل الحبيبة ، أي حكام غرناطة ، تمكينه من العودة ، وتمر به لحظات من اليأس ، قبل أن يعود إلى مساعيه ، نافياً عن نفسه تهمة الزندقة ، من خلال مروره في ختامات الموشح ، على ذكر المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وما ذلك إلا لدفع تهمة الإلحاد عنه ، التي كانت تضمنت أنه مس النبي الكريم بكتاباته ، مشبهاً نفسه بالعبد الذي يرجو عتقه ، مستمراً في الطلب قائلاً ( اتقوا الله وأحيوا مغرماً … ) ومستعطفاً عن طريق السؤال ، إن كانوا يرضون هلاكه ، ثم عائداً للحديث عن القرب والبعد ، ممنياً نفسه بقربهم مع أنهم بعيدون عنه ، لاجئاً إلى الخيال متخيلاً محبوبته قمراً أظهر ضوءه غروب الشمس ، ثم نجده ينتقل إلى قسوة محبوبته وأنها لا تصله ، وهي بذلك تسوي بين المحسن والمذنب . وفي نهاية النص نجده يذكر بعض الصفات الحسية ، فذكر حور عينها ، ولمى شفتها ، وقد جعل ذلك محبوبته كأنه حلت في نفسه محل النفس.

الموشح من حيث الشكل:

جاء نص موشح جادك الغيث في 52 بيتاً وفق مصطلحات الشعر ، ولكنه جاء على طريقة الأندلسيين في نظم الموشحات ، التي تتشكل عادة من ” أقفال ” و ” أبيات ” ، تتناوب فيما بينها ، و يتشكل كل منها من عدد من الأبيات متماثلة القوافي الداخلية والوزن ، فقد جاء هذا الموشح  تاماً في 11 “قفلاً ” ، وضعتها باللون الأحمر ، يتشكل كل قفل من بيتين متماثلي القافية والقوافي الداخلية والأوزان فيما بينها ، و تتكرر هذه العناصر المشتركة في ” الأقفال ” التالية ، متناوبة مع 10 ” أبيات ” ، يتشكل كل “بيت ” من ثلاثة أبيات متماثلة أيضاً في القافية والقوافي الداخلية والأوزان فيما بينها ، و تتكرر هذه العناصر المشتركة في “الأبيات ” التالية ، علماً بأن العناصر المشتركة في ” الأبيات ” مختلفة عنها في ” الأقفال : ..

نص الموشح : الأقفال باللون الأحمر

جادَكَ الغيْثُ إذا الغيْثُ هَمى يا زَمانَ الوصْلِ بالأندَلُسِ
لمْ يكُنْ وصْلُكَ إلاّ حُلُما في الكَرَى أو خِلسَةَ المُخْتَلِسِ
****
إذْ يقودُ الدّهْرُ أشْتاتَ المُنَى تنْقُلُ الخَطْوَ علَى ما يُرْسَمُ
زُفَراً بيْنَ فُرادَى وثُنَى مثْلَما يدْعو الوفودَ الموْسِمُ
والحَيا قدْ جلّلَ الرّوضَ سَنا فثُغورُ الزّهْرِ فيهِ تبْسِمُ
****
ورَوَى النّعْمانُ عنْ ماءِ السّما كيْفَ يرْوي مالِكٌ عنْ أنسِ
فكَساهُ الحُسْنُ ثوْباً مُعْلَما يزْدَهي منْهُ بأبْهَى ملْبَسِ
****
في لَيالٍ كتَمَتْ سرَّ الهَوى بالدُّجَى لوْلا شُموسُ الغُرَرِ
مالَ نجْمُ الكأسِ فيها وهَوى مُسْتَقيمَ السّيْرِ سعْدَ الأثَرِ
وطَرٌ ما فيهِ منْ عيْبٍ سَوَى أنّهُ مرّ كلَمْحِ البصَرِ
****
حينَ لذّ الأنْسُ مَع حُلْوِ اللّمَى هجَمَ الصُّبْحُ هُجومَ الحرَسِ
غارَتِ الشُّهْبُ بِنا أو ربّما أثّرَتْ فيها عُيونُ النّرْجِسِ
****
أيُّ شيءٍ لامرِئٍ قدْ خلَصا فيكونُ الرّوضُ قد مُكِّنَ فيهْ
تنْهَبُ الأزْهارُ فيهِ الفُرَصا أمِنَتْ منْ مَكْرِهِ ما تتّقيهْ
فإذا الماءُ تَناجَى والحَصَى وخَلا كُلُّ خَليلٍ بأخيهْ
****
تبْصِرُ الورْدَ غَيوراً برِما يكْتَسي منْ غيْظِهِ ما يكْتَسي
وتَرى الآسَ لَبيباً فهِما يسْرِقُ السّمْعَ بأذْنَيْ فرَسِ
****
يا أُهَيْلَ الحيّ منْ وادِي الغضا وبقلْبي مسْكَنٌ أنْتُمْ بهِ
ضاقَ عْنْ وجْدي بكُمْ رحْبُ الفَضا لا أبالِي شرْقُهُ منْ غَرْبِهِ
فأعِيدوا عهْدَ أنْسٍ قدْ مضَى تُعْتِقوا عانِيكُمُ منْ كرْبِهِ
****
واتّقوا اللهَ وأحْيُوا مُغْرَما يتَلاشَى نفَساً في نفَسِ
حُبِسَ القلْبُ عليْكُمْ كرَما أفَتَرْضَوْنَ عَفاءَ الحُبُسِ
****
وبقَلْبي منْكُمُ مقْتَرِبٌ بأحاديثِ المُنَى وهوَ بَعيدْ
قمَرٌ أطلَعَ منْهُ المَغْرِبُ بشِقوةِ المُغْرَى بهِ وهْوَ سَعيدْ
قد تساوَى مُحسِنٌ أو مُذْنِبُ في هَواهُ منْ وعْدٍ ووَعيدْ
****
ساحِرُ المُقْلَةِ معْسولُ اللّمى جالَ في النّفسِ مَجالَ النّفَسِ
سدَّدَ السّهْمَ وسمّى ورَمى ففؤادي نُهْبَةُ المُفْتَرِسِ
****
إنْ يكُنْ جارَ وخابَ الأمَلُ وفؤادُ الصّبِّ بالشّوْقِ يَذوبْ
فهْوَ للنّفْسِ حَبيبٌ أوّلُ ليْسَ في الحُبِّ لمَحْبوبٍ ذُنوبْ
أمْرُهُ معْتَمَدٌ ممْتَثِلُ في ضُلوعٍ قدْ بَراها وقُلوبْ
****
حكَمَ اللّحْظُ بِها فاحْتَكَما لمْ يُراقِبْ في ضِعافِ الأنْفُسِ
مُنْصِفُ المظْلومِ ممّنْ ظَلَما ومُجازي البَريءِ منْها والمُسي
****
ما لقَلْبي كلّما هبّتْ صَبا عادَهُ عيدٌ منَ الشّوْقِ جَديدْ
كانَ في اللّوْحِ لهُ مكْتَتَبا قوْلُهُ إنّ عَذابي لَشديدْ
جلَبَ الهمَّ لهُ والوَصَبا فهْوَ للأشْجانِ في جُهْدٍ جَهيدْ
****
لاعِجٌ في أضْلُعي قدْ أُضْرِما فهْيَ نارٌ في هَشيمِ اليَبَسِ
لمْ يدَعْ في مُهْجَتي إلا ذَما كبَقاءِ الصُّبْحِ بعْدَ الغلَسِ
****
سلِّمي يا نفْسُ في حُكْمِ القَضا واعْمُري الوقْتَ برُجْعَى ومَتابْ
دعْكَ منْ ذِكْرى زَمانٍ قد مضى بيْنَ عُتْبَى قدْ تقضّتْ وعِتابْ
واصْرِفِ القوْلَ الى المَوْلَى الرِّضى فلَهُم التّوفيقُ في أمِّ الكِتابْ
****
الكَريمُ المُنْتَهَى والمُنْتَمَى أسَدُ السّرْحِ وبدْرُ المجْلِسِ
ينْزِلُ النّصْرُ عليْهِ مثْلَما ينْزِلُ الوحْيُ بروحِ القُدُسِ
****
مُصْطَفَى اللهِ سَميُّ المُصْطَفَى الغَنيُّ باللّهِ عنْ كُلِّ أحَدِ
مَنْ إذا ما عقَدَ العهْد وَفَى وإذا ما فتَحَ الخطْبَ عقَدْ
مِنْ بَني قيْسِ بْنِ سعْدٍ وكَفى حيْثُ بيْتُ النّصْرِ مرْفوعُ العَمَدْ
****
حيث بيْتُ النّصْرِ محْميُّ الحِمَى وجَنى الفَضْلَ زكيُّ المَغْرِسِ
والهَوى ظِلٌّ ظَليلٌ خيَّما والنّدَى هبّ الى المُغْتَرَسِ
****
هاكَها يا سِبْطَ أنْصارِ العُلَى والذي إنْ عثَرَ النّصْرُ أقالْ
عادَةٌ ألْبَسَها الحُسْنُ مُلا تُبْهِرُ العيْنَ جَلاءً وصِقالْ
عارَضَتْ لفْظاً ومعْنىً وحُلا قوْلَ مَنْ أنطَقَهُ الحُبُّ فَقالْ
****
هلْ دَرَى ظبْيُ الحِمَى أنْ قد حَمَى قلْبَ صبٍّ حلّهُ عنْ مَكْنِسِ
فهْوَ في خَفْقِ وحَرٍّ مثلَما ريحُ الصَّبا بالقَبَسِ

الموشح من الناحية اللحنية

انتشر نص موشح ” جادك الغيث إذا الغيث همى ” كثيراً في عالم الغناء ، وقد أحصيت له الكثير من التسجيلات .. ففي المغرب يغنى على أسلوب الموال ، كما يقدم في تونس بلحن خاص ، أما في حلب فقد لحنه الأستاذ مجدي العقيلي وفق أسلوب تلحين الموشحات الحلبية ، كما لحنه في لبنان الأستاذ توفيق الباشا ، أما الأخوان رحباني فقد قدماه بصوت السيدة فيروز نصاً مبنياً على لحن الشيخ أحمد أبو خليل القباني لموشح ” بالذي أسكر من عرف اللمى “..

سأعرض اليوم لهذا الموشح كما جاء في لحن الأستاذ مجدي العقيلي وقد أعود إلى النسخ الأخرى لاحقاً.

مجدي العقيلي

الأستاذ مجدي العقيلي

مجدي العقيلي موسيقي سوري ولد في حلب عام 1917 . تعلم العزف على آلة العود على يد الفنان بكري الكردي، والقواعد الموسيقية والموشحات على يد الشيخ علي الدرويش. سافر إلى إيطاليا عام 1936 لدراسة الموسيقى وعاد إلى حلب عام 1939 . اشتهر كباحث موسيقي ،  وكمؤرخ للموسيقى العربية ، خاصة من خلال مؤلفه الهام ” السماع عند العرب ” ، أكثر من شهرته كملحن..  إذ أنه لم يلحن إلا عندما كان يدعى لذلك ، ولذا فعندما افتتحت إذاعة حلب عام 1946 ، طلب إليه مديرها الدكتور فؤاد رجائي آغا القلعة في عام 1948 أن يلحن وصلة من الموشحات على مقام الهزام لتقدمها فرقة الإذاعة ، ضمن سعيها لتوثيق التراث الغنائي الحلبي في الموشحات الأندلسية ، واستكمال الوصلات التي لا يتوفر فيها موشحات بعددٍ كافٍ ،  تمهيداً لتوثيقها كاملة بالتدوين الموسيقي ، ومن ثم نشرها ، وهو ما حصل عندما تم نشر كتاب ” من كنوزنا ” عام 1955 .

قام الأستاذ العقيلي بتلحين وصلة من الموشحات على مقام الهزام ، تشكلت من ثلاثة موشحات متسارعة الإيقاع هي : أيها الساقي إليك المشتكى ، على إيقاع الأقصاق 8/9  ، ثم جادك الغيث على إيقاع الدور الهندي 8/7 ، ثم لو كنت تدري ما الحب يفعل ، على إيقاع يوروك  8/6 . وسأتوقف اليوم بالتحليل عند أحد تلك الموشحات وهو ” جادك الغيث ” لأبرز مكمناً من مكامن التعبير في هذا الموشح الذي حققه فهم الأستاذ العقيلي للعناصر التلحيني لقالب الموشح كما تطور في حلب.

تميز قالب تلحين الموشحات الأندلسية ، كما طّبِّق في الأندلس ، بأن اللحن هو الأساس ، إذ  يمتد اللحن ، وفق رغبة الملحن ليتجاوز النص ، مع الاستعانة بمتكآت لفظية مثل يا لال مثلاً ،  لحمل اللحن حيث يقصر النص ، إضافة إلى تحقيق التناوب بين ألحان الأبيات والأقفال ، حسب العناصر المشتركة لكل منها. عندما انتقل هذا الأسلوب إلى  حلب ، وانتشر منها إلى البلاد العربية ، تحول ، من حيث بناء اللحن ، إلى صور متعددة من تناوب الأقفال والأبيات ، سأتوقف اليوم عند أبسطها ، وسأنشر لاحقاً حصراً لتلك الصور المتعددة.

القالب التلحيني للموشحات في حلب وإدخال الغناء الفردي في البيت الثالث

يقتصر القالب في الصورة الأبسط ، على أربعة أبيات مختارة ، يسمى البيت الأول بالدور الأول ، ويلحن بلحن يتكرر في البيت الثاني الذي يسمى بالدور الثاني ،  ثم يأتي لحن مختلف للبيت الثالث ،  الذي يسمى الخانة ، ويخصص لحنه لإدماج الغناء الفردي ـ و لإبراز قدرات المطرب ، من خلال توسيع اللحن إلى مناطق الأصوات الحادة ، وتوفير الجمل اللحنية التي تسمح بالتكرار لتحقيق استجابة المستمع ، ودخوله في حالة من الطرب تميزت بها هذه المدرسة التلحينية ، وصولاً إلى البيت الرابع المسمى الغطاء ، الذي يماثل لحنه لحن الدورين الأول والثاني في جميع عناصره ، مع التأكيد على أن الدورين الأول والثاني والغطاء تؤدى جميعها من قبل الكورس أو المذهبجية لينفرد المطرب بأداء الخانة . وبالتالي فالموشح في صورته الأبسط التي اعتمدها الأستاذ العقيلي ، هو قالب تلحيني ليس فيه إلا لحنان فقط . كان على اختيارات الأبيات الشعرية أن تحقق متطلبات هذا القالب ، وهذا ما فعله الأستاذ العقيلي عندما توقف أمام 52 بيتاً ليختار منها!

الأبيات المختارة

الدور الأول : جادَكَ الغيْثُ إذا الغيْثُ هَمى يا زَمانَ الوصْلِ بالأندَلُسِ
الدور الثاني : لمْ يكُنْ وصْلُكَ إلاّ حُلُما في الكَرَى أو خِلسَةَ المُخْتَلِسِ
الخانة : حينَ لذّ الأنْسُ مَع حُلْوِ اللّمَى هجَمَ الصُّبْحُ هُجومَ الحرَسِ
الغطاء: غارَتِ الشُّهْبُ بِنا أو ربّما أثّرَتْ فيها عُيونُ النّرْجِسِ

تفصيل القالب

نلاحظ أن الشطرة الأولى من الخانة أخذت لوحدها أكثر من دقيقتين بسبب الارتجالات ، فيما أخذت الشطرة الثانية 23 ثانية للتعبير عن هجوم الصبح!

اللحن المتكرر

عندما نفحص اختيارات الأستاذ العقيلي نجد أنه اختار أولاً البيتين اللذين وردا في بداية الموشح وشكلا ” القفل ” الأول من الموشح:

جادَكَ الغيْثُ إذا الغيْثُ هَمى يا زَمانَ الوصْلِ بالأندَلُسِ
لمْ يكُنْ وصْلُكَ إلاّ حُلُما في الكَرَى أو خِلسَةَ المُخْتَلِسِ
****

حقق الأستاذ العقيلي من خلال هذين البيتين افتتاح الموضوع نصاً ولحناً .. جاء اللحن المتكرر على مقام الهزام وبرزت فيه مواطن للتعبير اللحني كثيرة ، منها انخفاض اللحن عند كلمة ” همى ” أي ” هطل من السماء إلى الأرض فجاء اللحن معبراً هذه الحركة ، ثم تصاعد اللحن عند : يا زمان الوصل ” وفي ذلك تعبير أولاً عن ياء النداء التي تتطلب تصاعد اللحن كما سبق وشرحت في برنامج أسمهان ، ثم تعبير عن فيض العاطفة عند تذكر حياته في الأندلس .. ليختتم اللحن يالتغني بألفاظ مضافة ” يا لا لا يا لا لا ل ..” وهنا وظيفتان : إكمال اللحن و استكمال حلم العودة للأندلس .. يتكرر اللحن ذاته في  البيت الثاني ، الذي يمهد من الناحية الشعرية للذروة اللحنية ، إذ ورد فيه ما يشعر أن عيب الوصل كان في مروره خلسة المختلس أي كلمح البصر ، وهو ارتباط جيد ،  لأنه يمهد لوصف حالة الوصل التي تتطلبها الذروة اللحنية في الخانة ( البيت التالي في ترتيب القالب).

لحن الخانة

استعرض الأستاذ العقيلي باقي الأبيات ،  باحثاً عن بيت للخانة ، يسمح مضمونه بإطلاق اللحن ،  وبيت رابع للغطاء ، كما تم وصفه أعلاه ، فوجد ضالته في البيتين التاليين اللذين شكلا القفل الثالث:

حينَ لذّ الأنْسُ مَع حُلْوِ اللّمَى هجَمَ الصُّبْحُ هُجومَ الحرَسِ
غارَتِ الشُّهْبُ بِنا أو ربّما أثّرَتْ فيها عُيونُ النّرْجِسِ

إذ يتحدث البيت الثالث عن الإنس عندما لذّ مع حلو اللمى ، وهذه كلمات تصلح للخانة ، إذ يتميز لحن الخانة بوجوب أن يكون لامعاً ، و أن يسمح بإظهار قدرة المطرب في قسمه الأول ،  إضافة إلى توظيف التغني بلفظات يا لا لا يا لالا .. يا لا لا لا .. لتحقيق تلك الوظيفة ( الذروة اللحنية ) في اللحن  ، خاصة مع التناوب بين المطرب والمذهبجية في الأداء ،  بشكل مختلف عن لحن التغني بتلك اللفظات ضمن الأبيات الأخرى ، أما القسم الثاني من البيت ( هجم الصبح ) فقد جاء ليعلن انتهاء لحظات الوصل السعيدة في لحن أتى سريعاً للتعبير عن سرعة هجوم الصبح ، كما حقق من خلال تخافضات اللحن التمهيد للدخول بشكل سلس في تكرار اللحن الأول عبر جسر التغني بلفظات يا لا لا لا ل بلحنها الووارد في نهاية لحن البيت الأول في تمهيد ذكي للدخول في لحن الغطاء ، مما يعني أن اختيار اختيار البيت الثالث المجسد للذروة اللحنية كان موفقاً تماماً. تجدر الإشارة إلى أن لحن الخانة جاء على مقام الماهور.

تجدر الإشارة إلى أن الموشح غطى مساحة صوتيّة عريضة نسبياً  بلغت 11 درجة صوتية ..

اختيار البيت الرابع ( الغطاء )

لا ينهي البيت الرابع  القصة تماماً  .. وأعتقد أن اختياره من بين الأبيات الأخرى أتى لأنه كان البيت التالي ضمن القفل الذي تم اختياره ضمن تسلسل الموشح الشعري  ، كما أنه يسمح بالحفاظ على القافية . المشكلة تكمن في أنه أتى محايداً فلم ينه القصة ، ومع ذلك فإننا إن استعرضنا أبيات النص الكاملة ، لوجدنا أنه لا يتوفر في الموشح أي بيت يحقق ذلك الغرض تماماً ، ومع ذلك فقد كان من الممكن الإنهاء بالبيت التالي، إذ أنني أجده  أكثر تجسيداً لإنهاء القصة الحقيقية للموشح ، مع الحفاظ على القافية المعتمدة :

لاعِـجٌ فـي أضْـلُعي قدْ أضرَما فـهْيَ نـارٌ فـي هَـشيمِ اليَبَسِ

لاشك في أن الأستاذ العقيلي توقف عنده ، ثم لم يختره ، في سعيه للحفاظ على جو الغناء والوصل .. بدلاً من ختام الموشح مع هشيم اليبس!

د. سعد الله آغا القلعة

Bookmark the permalink.

3 Responses to موشح موشح جادك الغيث إذا الغيث همى بصوت صباح فخري وألحان مجدي العقيلي:أبياتٌ لاءمت قالب موشحات حلب التلحيني من نص كتب لدفع تهمة أدت إلى مقتل الشاعر!

  1. Yasser58 says:

    شرح جميل وشامل جعلنا نشعر بديناميكية اللحن الجميل

  2. عصام علولو says:

    رائع دكتور

  3. aghawebmaster says:

    شكراً لكم!

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading