في ذكرى ولادة فنان الشعب رفيق سبيعي : جسد من خلال شخصية ” أبو صيّاح ” لغةً ومظهراً وخطاباً نقدياً مباشراً تقاليد مجتمعنا المختزنة على مر العصور!

الفنان الراحل رفيق سبيعي

الفنان الراحل رفيق سبيعي

أستعيد اليوم ، في ذكرى ولادة رفيق سبيعي في 9 شباط / فبراير 1931 ، سيرة هذا الفنان الكبير ، الذي أثرى حياتنا بالعديد من صور الإبداع ، العابقة بالأصالة والحكمة ، فأثَّر في جيلنا وما تلاه.

عرفته لمدة طويلة ، إذ كنا نتقاطع كثيراً في استوديوهات التلفزيون ، وفي فعاليات المهرجانات ، فنتذاكر حول الموسيقى وشجونها .. يروي لي من ذاكرته أحداثاً مرت به ، و قد يترنم أحياناً بأغان بقيت في ذاكرته ، من خلايا المسرحيات الغنائية التي عاصرها..

لقد كُتبَ الكثير عن فنان الشعب رفيق سبيعي .. عن شخصية ” أبو صياح ” ، التي استقى تفاصيلها من حي البزورية الدمشقي الأصيل ، حيث ولد وعاش ، و التي جسد من خلالها خلاصة رؤية مجتمعنا ، المختزنة على مر العصور ، للشاب الأصيل ، وما يتميز به من مروءة وشهامة..

كُتب الكثير عن عمله مع الفنانين الكبار ، أمثال عبد اللطيف فتحي ، وعلي العريس ، وسعد الدين بقدونس ، ونهاد قلعي ، ودريد لحام ، وخلدون المالح ، ثم عن دور قصاص الشعب حكمت محسن في توجيهه للإذاعة ، و عن دور الأخ الراحل الدكتور صباح قباني في توجيهه للتلفزيون ، و  للتعاون ع دريد لحام و نهاد قلعي ، ولكن الكتابات عن تطور تلك الشخصية باتجاه الأغنية الانتقادية تبقى نادرة ، فغاب ذكر تعاونه أولاً مع الملحن زهير منيني في الغناء ، لينتقل للأغنية الانتقادية التي أطلقها من خلال شخصية ” أبو صيّاح ” ، مع الأساتذة: عدنان قريش ، شاكر بريخان وسهيل عرفة ، وذلك في استمرار وتطوير لمسارات سلامة الأغواني وعبد الله المدرس ، والتي لا يغيب عنها ظل الشيخ أحمد أبي خليل القباني ، الذي دعا لمكارم الأخلاق ، عبر مسرحه الغنائي وشخصياته المتنوعة ..

ولكن المهم يبقى ، بالنسبة لي ، وكما جرت العادة ، أن أتوصل إلى تحليل هذه الشخصية لفهم أسباب نجاحها .. اعتماداً على الوثائق السمعية البصرية وتحليلها.. سأطور اليوم ملاحظات تحليلية أولية لشخصية ” أبو صياح ” من خلال نشر هذا التسجيل لأغنية ” قعود تحبَّك ” ، من كلمات الأستاذ توفيق عنداني ، وألحان الأستاذ سهيل عرفة .. وقد فضلت الاستناد إلى أغنية غير متداولة ، لتسهيل التحليل ، وجعله محايداً .. وتجدر الإشارة هنا إلى أن كلمة ” تحبَّك ” تأتي من الحبكة أي ترابط الأجزاء التي تشكل كلاً متلاحماً .. وهي كلمة تلخص تماماً الرسالة .. كن أيها الشاب كلاً متلاحماً مع نسيج مجتمعك ولا تخرج عنه! ..


من متابعة الأغنية ، يمكن التوقف عند الملاحظات التالية ، التي جعلت من شخصية ” أبو صياح ” ، التي جسدها فناننا الكبير ، تطويراً حقيقياً لكل الشخصيات التي سبقتها ، لفنانين قدموا المونولوجات والأغاني الانتقادية : اعتماد ملابس خاصة بالشخصية التي توجه الرسالة : الشروال والشال والطاقية والخال على طرف الذقن ، في توافق تام مع مضامين الرسالة ، فيما اعتمد من سبقوا رفيق سبيعي على ملابس عصرية ..

أتوقف أيضاً عند البعد التمثيلي الواضح في ملامح وجهه ، أثناء تقديم الأغنية ، وهو ما لم نجده عند سابقيه .. أتوقف عند أصابع يده اليسرى وهي تتحرك على زند العود ، إذ تشي بمعرفة بالعزف على هذه الآلة الموسيقية الأصيلة ، المكمِّلة في إطار الصورة ، للبعد الأصيل في معاني الأغنية ، ما يبرر تقديمه للغناء وهو الممثل أصلاً ، كما أتوقف عند توجيه النصائح مباشرة إلى الكاميرا ، ما يُسهِّل إيصال الرسالة التوجيهية للشاب المخاطَب مباشرة .. خاصة أن مخارج الحروف واضحة جداً عند فناننا الكبير ، بسبب خبرته في التمثيل ، باللغة العربية الفصحى ، المستندة إلى تجربته في المسرح القومي .. ولا أنسى طبعاً الإشارة إلى أن اللحن أتى مبنياً على مقام الراست الأصيل ، متوافقاً مع الرسالة الداعية للتمسك بالأصالة .. إنها كل هذه العناصر التي تكاملت عند فناننا الكبير الراحل ، إلى جانب عناصر كثيرة أخرى ، قد أطورها لاحقاً ، فجعلته يستحق بحق لقب فنان الشعب ..
رحم الله الأخ والصديق الأستاذ رفيق سبيعي ، مع أملي ، بأن يبقى تراثه حياً في ضمير الأمة ووجدانها ..

د. سعد الله آغا القلعة

حلقات تلفزيونية مع الفنان رفيق سبيعي

Tagged , . Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading