حياة وفن أسمهان – الفصل الخامس – 7 : ختام الفيلم يعكس الواقع الأليم .. ورسالة سينمائية وصلت بعد خمسين عاماً !!

شعار كتاب الأغاني الثانيالفصل السابق : حياة وفن أسمهان – الفصل الخامس – 6

أسمهان 2الكتاب المسموع : حياة وفن أسمهان
الفصل الخامس – القسم السابع

ختام الفيلم يعكس الواقع الأليم .. ورسالة سينمائية وصلت بعد خمسين عاماً !!


التسجيل الصوتي للاستماع المتزامن مع قراءة النص :


ويأتي ختام الفيلم، عفواً! هل هناك من يذكّرني بأنني لم أتحدّث بعد ولم أعلِّق على الموّال الجميل يا ديرتي ؟ لأؤجل ذلك إلى ما بعد الحديث عن ختام الفيلم.

إذاً ويأتي ختام الفيلم، وفيه تغرق البطلة سهير بطلة الفيلم في حادث سيارة. في الواقع، لم يكن هذا مُقَرَّراً، ولكنها الأقدار التي أبت إلا أن ترسم أغاني أسمهان وأفلامها حياتها الحقيقية. نعم! لقد غرقت أسمهان فعلاً في حادث سيّارة، وهو في تقديري حادث عادي، كأي حادث سيارة، لأن الحلفاء، والألمان الذين قيل عنهم إنّهم هم من أغرقوها، كانوا قد ابتعدوا عن هذه المنطقة في الحرب العالمية الثانية ، ولم يعُد الشرق الأوسط أبداً في أساس اهتماماتهم.

في تلك الأيام، وفي نهاية العمل في فيلم غرام وانتقام رأت أسمهان أن تذهب إلى مصيف رأس البر مع زميلتها ماري قلادة، وأخذت سيارة ما من سيارات استوديو مصر، وذهبت مع صديقتها، وفي الطريق، وفجأة، انحرفت السيارة ودخلت في النيل. استطاع السائق بأعجوبة أن يفتح الباب ويقفز، ولكن السيارة لم تكن مجهّزة للصدفة بأبواب خلفية، وهكذا حُبِست أسمهان مع صديقتها، وانتهى مسار فنّي لصوت متألّق عاش حياة مضطربة.

في الواقع، هنا يوسف وهبي أراد أن يوظف هذه النهاية لصالحه، وسرعان ما غيّر ختام الفيلم لتغرق المطربة سهير في حادث سيارة، ويُقبِل الناس إقبالاً شديداً على رؤية هذا الفيلم الذي نقل إليهم فعلاً حادثاً حقيقياً.

هنا أصل إلى الموّال الشهير يا ديرتي ، الذي أولاً أقول عنه إنه كان محشوراً في الفيلم… الآن، وبعد أن عرفنا إنه كان محشوراً في الفيلم، لنستمع إلى قسم منه.

 (قطع إلى موال يا ديرتي لـ أسمهان )

أوف يابا

يا ديرتي مالك علينا لوم

لا تعتبي لومك على من خان

أسمهان في أدائها لموال يا ديرتي مالك علينا لوم

هنا أصل إلى الموّال . لا شك أن بعض السادة المشاهدين قد وصل إلى رأي مفاده، وهو يتابع حلقات هذا البرنامج، أنني أغرقت في الاعتماد على معاني الأغاني التي غنَّتها أسمهان في رسم صورة حياتها كما أراها، ولا شكّ أن بعضاً منهم أيضاً يرى في بعض مواقف التواصل الحقيقي بين المعاني وبين حياتها، ضرباً من المصادفة أو الخيال. أريد هنا أن أؤكّد أنني أيضاً كنت أشكّ في هذا، مع أنني كنت دائماً أعتمد على المواقع التي كان تعبير أسمهان يفضح ارتباطها بالمعاني، لأنني أعلم أنه عندما يُعبّر المغنّي بشكل واضح عن المعاني، لا بد أن تلك المعاني كانت تتواصل مع روحه.

ومع ذلك كنت أشكّ! إلى أن انتبهت وأنا أستمع إلى الموّال الذي نحن بصدده لمرّات ومرّات إلى ورود عبارة الخيانة، وكنت أعلم أن بعضاً من أهل أسمهان قد اتّهمها بالخيانة، وأنها قبضت الأموال دون أن تُحقّق الاستقلال، أي أن هدفها أصلاً كان هو المال. وعدت للتدقيق في معاني هذا الموّال . لنتابعها: تقول أسمهان في الموّال :

يا ديرتي ما لك علينا لوم لا تعتبي لومك على من خـان

حِنّا روينا سيوفنا من القوم مثل العدو ما نرخصك بأثمان

يا ديرتي أي يا عشيرتي، ما لك علينا لوم، ليس لك عليّ لوم، لا تعتبي لومك على من خان، أنا لم أخن. حِنّا روينا سيوفنا من القوم، أنا كنت مع الجيش الذي دخل إلى دمشق لتحريرها، وهنا، مثل العدو ما نرخصك بثمان، أنا لم أفعل هذا من أجل الثمن، من أجل المال. هل هذا أيضاً فيه تحميل للمعاني أكثر مما تتحمّل؟

أدّت أسمهان الموّال في تعبيرية عجيبة، وعندما وصلت إلى ذروته الحادة، وصلت إلى أعلى درجة صوتية أدّتها في مجمل حياتها الغنائية، طبعاً خارج إطار الغناء الأوبرالي الذي قدّمته في خطّها التجديدي، أنا أقصد هنا صوتها في الحنجرة. وعندما ينتهي الموّال ويتخافض اللحن، تُنادي في بكائية مختنقة والدها ، وقد تأكّدت أنه كان على قيد الحياة، تناديه: يا ياب يا مصبّرني على بلواي.

 (قطع إلى موال يا ديرتي لـ أسمهان )

يا ديرتي ما لك علينا لوم لا تعتبي لومك على من خـان

حِنّا روينا سيوفنا من القوم مثل العدو ما نرخصك بأثمان

يا ياب يا مصبّرني على بلواي

خبر وفاة أسمهان

خبر وفاة أسمهان

 للأسف! غادرت أسمهان هذه الدنيا قبل أن تشهد وصول الرسالة إلى أهلها، لأنها رحلت قبل أن يُعرَض فيلم غرام وانتقام .

على كل حال، أنا أشكّ في أن تكون هذه الرسالة قد وصلت حتى بعد عرض الفيلم، فعلاً … لأن هذه كانت المرّة الأولى والأخيرة في تاريخ السينما عموماً، حيث يحمل فيلم رسالة إلى وطن ، من هذه الطبيعة.

 المهم غادرت أسمهان هذه الدنيا بعد حياة مضطربة، عاشت فيها ضائعة، حائرة بين وطنها وأسرتها وكبريائها وغنائها. وفي حياتها الفنية القصيرة قدّمت للعالم العربي ملحّناً قديراً هو شقيقها الأستاذ فريد الأطرش ، وتسببت في تقاعد ملحّن كبير هو الأستاذ محمد القصبجي . أما السنباطي وزكريا أحمد ، وهما من تعاملا معها بحذر، فقد استلما دفّة التلحين مع السيدة أم كلثوم بعد ذلك.

المهم … عندما غادرت هذه الدنيا رثاها بشارة الخوري ، الأخطل الصغير، فقال:

أضاع جبريل من قيثاره وتراً   في ليلة ضلّ فيها نجمه الهادي

أما أحمد رامي فقد رثاها بقصيدة قال فيها:

يا ضياع المنى على أسمهان   ذهبت في شبابها الريّان

أنّةٌ في الفضاء ضاع صداها   كعبير يشيع في الأكوان

فريد أمام قبر أسمهان

فريد أمام قبر أسمهان

أما فريد الذي لم يقدّم أي صوت نسائي معه لمدة أربع سنوات… أما فريد فقد رثاها غناءً في فيلم جمال ودلال ، الذي قدّمه في عام 1945، أي بعد وفاتها بعام واحد، فغنّى:

يا منى روحي سلاماً من غريب يرسل النجوى إلى دار الحبيب

حكم   الدهـر علينا بالنـوى وغدا الحزن على الماضي نصيبي

أنا في الدنيا شريـد هائم   و فـؤادي مـن جـواه في لهــيب

تتوالى ذكرياتي في الـهوى مثل موج البحـر في الليل الرهيب

يا ليالي البعد ماذا ينطـوي في ضمير الغيـب للنـائي الغريـب

كيف يهدأ خاطري في وحدتي وأنا أبكي على الشمل القريب

ورثاها فريد أيضاً في تانغو يا زهرة في خيالي الذي قدّمه في عام 1947 من شعر صالح جودت ، مشيراً فيه إلى حياتها الصاخبة، وإلى عيونها الساحرة فغنّى:

يا زهرة في خيالي رعيتها في فؤادي

جنت عليـها الليالي وأذبلتها الأيادي

وشاغلتها العيون فمات سحر الجفون

على كل حال، يبقى سؤال الآن: ماذا لو عاشت أسمهان ؟ هل كانت تتوصّل لمنافسة السيدة أم كلثوم بشكل فعلي؟ لا أعتقد، لأن النجاح لا يكفيه صوت ساحر، لا بد من التصميم والسعي والإرادة والإيمان بالمسار، هذا كان متوفراً لدى السيدة أم كلثوم ، ولم يكن متوفراً عند السيدة أسمهان .

لقد أثبتت أسمهان أنها كانت صوتاً قلّ نظيره، ولكنها لم تكن الصوت الذي يراهن عليه الملحّنون، والدليل على هذا أنها تسببت بتقاعد الملحّن الذي راهن على صوتها، أعني به الملحِّن الكبير محمد القصبجي .

لم يبق لي الآن إلا أن أودّعكم إلى برنامج جديد، ومع الشارة الأخيرة لبرنامج أسمهان ، أتمنّى أن أستمع ونستمع سويّة مرة أخرى إلى الموّال الذي حمل رسالة أسمهان إلى أهلها، لكي أؤكِّد لها هذه المرّة أن هذه الرسالة سوف تصل.

 (قطع إلى شارة البرنامج وموال يا ديرتي لـ أسمهان )

يا ديرتي ما لك علينا لوم لا تعتبي لومك على من خـان

حِنّا روينا سيوفنا من القوم مثل العدو ما نرخصك بأثمان

يا ياب يا مصبّرني على بلواي

د. سعد الله آغا القلعة

فهرس مجلد أسمهان الإلكتروني


تم بعونه تعالى

 

Tagged , , , . Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading