موال يا معشر الناس لمحمد خيري : عندما ينقل الموال حِكَمَ الحياة دون أن يتمكن من إقناع قائله بها!

شعار كتاب الأغاني الثاني

كنت توقفت في نشرة سابقة مع الموال ، في شكله الارتجالي السائد في حلب ، فعرَّفته ، وشرحت باختصار أشكاله الشعرية ، كما عرَّفت بالمطرب الراحل محمد خيري ، الذي أدى تسجيل الموال المرافق للمقال . أكدت حينها على أن أداء الموال يعتمد على الارتجال ، وعلى صوت المطرب ، وامتداد مساحته ، و على تمكن المطرب من المقامات الموسيقية ، والتنقل في مسالكها.
أشرتُ أيضاً في تلك النشرة ، إلى أن أغراض الموال توزعت ، بين الغزل ، والبوح ، والعتاب ، والتعبير عن حال المحب ، و المدح ، والفخر ، والحنين ، وصولاً إلى إسداء النصيحة ، وطلب التوبة ، والوصف ، والهجاء ، واستخلاص الحكمة.
وبعد أن توقفتُ فيها عند موال : يا خلاً سقاني كاسات الصبر ، الذي عبر عن آلام محب ، فإنني أتوقف اليوم عند موال : يا معشر الناس ، بصوت الأستاذ محمد خيري أيضاً ، وهو موال مختلف ، إذ يندرج مضمونه ضمن محور استخلاص الحِكَم من عِبَر الحياة ، وإسداء النصيحة ، ولعله بالنتيجة كان يوجه هذه النصيحة لنفسه ، إذ أن من أحاطوا به  كانوا هم السبب في تعثر مسيرته!
سنلاحظ مباشرة أن أسلوب الأداء يتغير ، إذ تعتمد الفرقة الموسيقية إيقاعاً حيوياً من البداية ، و على طول أداء الموال ، وهو ما نلاحظه أيضاً في التقاسيم المرافقة على العود والقانون والناي، كما نلاحظ غياب الامتدادات الصوتية في أداء المطرب ، ليحل محلها الأسلوب المباشر ، في الخطاب الموجه للمستمعين ، مع تقطيع واضح للكلمات ، وإبراز للنبرات ، واعتماد لأسلوب محدد في إطلاق الدرجات الصوتية ، فيه الكثير من التشدد والوضوح ، بغية التأكيد على المعاني .
جاء الموال على مقام العجم ، وابتدأه الأستاذ محمد خيري بالتغني بكلمة أمان ، كما هي العادة في الموال ، قبل أن يبدأ خطابه المباشر.

الموال الذي نعرض له اليوم سبعاوي ، وقد تشكل من شطرات ثلاثة أولى ، لها قافية موحدة ، بكلمات تحقق الجناس التام ( كلمة موحدة بمعان مختلفة ) ، ثم ثلاث شطرات أخرى ، لها قافية موحدة أخرى، بكلمات تحقق الجناس التام ( كلمة موحدة مختلفة عن الكلمة الموحدة في الشطرات الثلاثة الأولى ، و بمعان مختلفة ) ، أما الشطرة السابعة ، قتعود في نهايتها إلى الكلمة الموحدة في الشطرات الثلاثة الأولى ، مع مراعاة اختلاف المعنى.

نص الموال وشرحه
يا معشر الناس ما بالدهر صاحب وفي = الوفاء
كلّيت حتى انبرى مني لساني و في = فمي
قال ابن شداد عنتر قول راجح وفي = وافٍ أي مكتمل
و صل الحبل بالحبل يا بني عبس و الزمام = وصل الزمام أي دعوة للترابط بين بني عبس
وين الرفاق الذي يوفون العهد و الذمام = الذمة
قالوا النصيحة بجمل عند العرب و زمام = النصيحة هدفها ربط العرب ويمكن القول أيضاً بأن النصيحة بجمل وزمامه
و اليوم كيد النصيحة للعدا وفي = تعني : توازي مثلما نقول : هذا الشيء لا يفي بذلك أي لا يوازيه أو القول: وفى الدرهم المثقال أي عادله.

التسجيل أصلاً صوتي ، وقد قمتُ بإضافة صور إليه ، من إحدى حفلات الأستاذ محمد خيري ، لتحويله إلى فيديو.

د.سعد الله آغا القلعة

Bookmark the permalink.

Comments are closed.