دور قد ما حبَّك زعلان منَّك بصوت أنغام : عندما استكمل اللحن أبعاده التعبيرية ، ليحمل رسالة ، كتبت بلغة موسيقية عمرها مائة عام ، لوَّنها أداءٌ تعبيريٌ كثيفٌ و معاصر! 

شعار كتاب الأغاني الثاني

توقفت في النشرة السابقة بالتحليل التاريخي و الموسيقي عند دور : قد ما حبَّك زعلان منك ، من كلمات محمد الشاويش ، وقيل اسماعيل صبري ، وألحان الملحن الكبير محمد عثمان، وقلتُ حينها بأن هذا الدور سجل مرحلة انتقالية ، سبقت استقرار عنصري الآهات والهنك في قالب الدور ، وأنه من أوائل النماذج اللحنية ، التي حملت البذور الخفية للتعبير اللحني عن المعاني ، في أعمال نهايات القرن التاسع عشر ، تلك البذور التي لم تظهرها بوضوح أساليب الغناء السائدة في ذلك الوقت ، وفق ما تابعناه في نسخة هذا الدور ، بصوت صالح عبد الحي ، في النشرة السابقة ، فيما سنرى اليوم ، و في نسخة الدور بصوت الفنانة أنغام ، التي ترافق هذه النشرة ، أن أساليب الأداء الجديدة ، كشفتها!
أشير أولاً إلى بعض التعديل في النص عن نسخة صالح عبد الحي ، فجملة ” اسمح بقى وتعال أنا أُخلف ظنك ” أصبحت : اسمح بقى وتعال أما أقول لك ، ليصبح النص أكثر مباشرةً ، أما : ما كانش عشمي الله يسامحك ، فقد أصبحت : ما كانش أملي الله يسامحك ، في تحديث للمفردة المستخدمة!

النص 
قد ما أحبك زعلان منك
وليه ترضى بعدي أنا عنك
**
اسمح بقى وتعال أما أقول لك
إن ما كان ده يكون خلينا منك
**
جرحني لحظك وهجرني قلبك
ما كانش أملي الله يسامحك
**
اسمح بقى وتعال أما أقول لك
إن ما كان ده يكون خلينا منك

وفي الواقع ، لقد كان أداء صالح عبد الحي ، كما تابعنا في النشرة السابقة ، جميلاً ، مطرباً ، مع ملامح عابرة من التعبير عن المعاني ، ولكن قيام الفنانة أنغام ، بتسجيل هذا الدور لاحقاً ، رغم أنها لم يُعرف عنها أداء أغاني الطرب ، وتوفيرها في هذا التسجيل ، لجرعة كثيفة من التعبير في الأداء عن المعاني ، حتى على مستوى الكلمة الواحدة ، إضافة إلى توظيف الروي الساكن في حبس التنفس ، و الوصول أحياناً إلى عبور الحدود بين الغناء والبكاء ، و كذلك تلوين الأداء الصوتي للجملة المتكررة من النص ، حسب تغير المقام في اللحن ، لإبراز معانٍ متناقضة ، أوضح تماماً ، كم كان اللحن معبراً ، وكم ظُلم من خلال الأداء المحايد ، الذي كان سائداً في زمانه ، وحتى بعد زمانه ، لدرجة أنه اضطر للانتظار لمائة عام ، حتى يأتي من يعبر عن خلاياه اللحنية ، بجرعة كثيفة إلى هذه الدرجة.
أعتقد ، وقد تابعتُ جرعة التعبير الكثيفة في أداء أنغام لهذا الدور ، وهي التي لم يُعرف عنها توجهها لعالم الطرب ، كما أسلفتُ ، أن هذه الدرجة من التعبير لا يمكن أن تتحقق ، إلا إن لامست الأغنية شغاف القلب ، ما يشي بأن أنغام ، اختارت هذه الأغنية بالذات ، وقد مضى عليها حوالي مائة سنة ، عندما غنتها ، لأنها عبرت في مضامينها ولحنها ، عن حالة عاطفية وإنسانية معاشة ، يحتمل أن تكون قد نشأت نتيجة لحالة التدهور ، التي شهدتها العلاقة بينها و بين والدها الملحن محمد علي سليمان ، الذي كان رعى بداياتها ، ولحن لها بعض أجمل أغنياتها ، ولكنه ، كما قيل ، رغب في أن تكتفي بألحانه ، مخالفاً بذلك رغبتها في الانفتاح على ملحنين آخرين ، فاختارت ، إن كانت هذه هي الحالة فعلاً ، كما أتوقع ، أن تتوجه من خلال هذه الرسالة الغنائية إليه ، بلغة جيله ، وتعبير جيلها!
نعم لقد استكمل اللحن بهذا ركيزته الثانية ، إذ أضيف التعبير في الأداء إلى التعبير اللحني ، بعد مائة عام ، فيما لا يزال يفتقد الصوت المطرب والمعبر في آن ، ليؤديه في أبعاده جميعها ، و يستكمل بناءه في ساحتي الطرب والتعبير ، حتى يستريح ملحنه أخيراً!

د. سعد الله آغا القلعة

Bookmark the permalink.

Comments are closed.

  • هل تريد أن نعلمك عن جديد الموقع؟

    Loading